"روشتة" بلا طبيب

15 يونيو 2015
تماسك وسحب "الروشتة" من جيبه (فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن قد تحضّر بشكل جيّد لامتحانات البكالوريا الرسمية في ذلك العام. أضاع العام الدراسيّ في الحب والهيام والتمتّع بآخر سنة في المدرسة. كان يدرك أن الامتحانات تقترب، مع ذلك ظلّ يراهن على شيء خفيّ. ربما كانت ثقة فائضة بالنفس في غير مكانها أو استخفافاً بكل شيء. صحيح أنه لم يكن من فئة التلامذة الكسالى، غير أنه لم يكن يوماً من فئة الأوائل. كان متوسط القدرة دوماً.
مسابقة الفلسفة الفرنسية هي العقدة الحقيقية. تليها الفيزياء. وكان ممنوعاً أن يرسب بالفلسفة الفرنسية لأن مجموع علاماتها كان مرتفعاً، وهي من المواد الرئيسية.

كانت امتحان الفلسفة الفرنسية في اليوم الثاني. وكان تحت ضغط كبير في اليوم الأول، لكنّه مرّ على خير. عندما انتهى اليوم الأول، الذي تميّز بمراقبة صارمة، ذهب إلى المنزل وجلس وحده. كان أمام خيارين: أن يعتمد على نفسه فيرسب، أو أن يلجأ للغش فينفذ من الامتحان "المعضلة". هكذا ظنّ على الأقل. وسنسجّل بأنه لم يكن يوماً جريئاً أو شجاعاً في مسائل الغش. دائماً ما فضّل الطرق الآمنة.

حمل كتاب الفلسفة الفرنسية وذهب إلى المكتبة. طلب من الموظف تصوير الكتاب كلّه لكن بحجم صغير، بحجم لا يزيد عن ربع مساحة راحة اليد. الحجم الذي يطلقون عليه اسم "روشتّة". لا أحد يعرف كيف دخلت هذه الكلمة الفريدة إلى قاموس التربية والتعليم. في العادة تكون الكلمة اسم الورقة التي يدوّن الأطباء عليها أسماء الأدوية للمرضى. ربما لهذا السّبب حُمّلت هذا الاسم. لأنها دواء التلامذة الكسالى. والدواء، قد يفيد في حالات ولا يفيد في أخرى.
ذهب إلى الامتحان "ملغّماً" وقد تسلّح بعشرات "الروشتات". القوى الأمنية أمام مدخل المركز تحضر للاستمتاع بالشمس والابتسام للفتيات المُمتحنات، أكثر مما تحضر لتفتيش الطلاب. فدخل براحة إلى المركز.

في الصف دقّت ساعة الحقيقة. وصلت المسابقة. نظر إليها مليّاً. بدا مثل التائه أمامها، فقرّر ألاّ يتردّد. لم يكن مسموحاً أن يتردد أصلاً. إما أن يتشجّع فيستخدم "الروشتة" أو يعيد العام الدراسي كلّه. كان في مواجهة مع نفسه قبل أن يكون في مواجهة مع المراقبين في القاعة واحتمال القبض عليه.

في أول فرصة ارتجفت يده وكاد يفضح نفسه. لكن في الثانية تماسك وسحب "الروشتة" من جيبه، وضعها تحت كرّاس الامتحان، وصار ينقل حرفياً عنها. عندما خرج من القاعة ابتسم بسخرية على النظام التعليمي "التافه وغير العادل" الذي يُلزم الطلاب بالغشّ كي يعبروا.
نجح في الامتحانات في ذلك العام. لكنه ما زال حتى الآن، في مثل هذه الأيام من العام، يحلم كلّ مرّة بأنه يرسب في امتحان البكالوريا.

اقرأ أيضاً: رسبتُ مرتين!
دلالات
المساهمون