"روزي": فشل التماهي بأفلام مشابهة

11 ديسمبر 2019
"روزي": نجاح نقدي رغم ضعف تعبيره (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
"روزي ديفيس" فيلم للإيرلندي بادّي بريثناخ، من أكثر الأفلام المُقدَّرة نقديا عام 2019. يتحرّك في دائرتي الفقر والهمّ الاجتماعي، المسيطرتين على السينما حاليا، التي قدّمت أفلاما كـParasite للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو، وSorry We Missed You للبريطاني كِنْ لوتش. الفيلمان الأخيران يتناولان أبطالهما إما من زاوية فريدة وحكي سينمائي شديد الذكاء، كما في الأول، أو بحساسية مدهشة ومؤثّرة، كما في الثاني. لكن، رغم امتلاكه عناصر قوية، وعلى نقيض المنتظر منه تبعا لتقديره النقدي، يسرد "روزي ديفيس" حكايته سطحيا، ويعجز عن خلق شعور حقيقي بالتورّط في المأساة.

تدور أحداث "روزي ديفيس" في 36 ساعة فقط، تُطرد خلالها عائلة روزي، المكوّنة منها ومن زوجها وأبنائها الـ4، من منزلهم، لعدم دفع الإيجار. يُمضون ليلتهم الأولى في غرفةٍ، توفّرها الحكومة لهم. في اليوم التالي، يبدأون رحلة طويلة لإيجاد مأوى، فتكون السيارة بيتهم.
الزمن مُحدّد. في السيارة، تدور معظم الأحداث. تفاعلات أفراد العائلة بعضهم مع بعض تظهر في حدثٍ ضاغط. هذه تفاصيل قادرة على خلق فيلم قوي، مع وجود نماذج كثيرة توفّر مرجعية لبريثناخ، المتأثر بها بشكل واضح. وهذا كما "يومان، ليلة" (2014) للأخوين البلجيكيين جان ـ بيار ولوك داردن، وأفلام لوتش. لكن العناصر هذه كلّها تذهب هباءً، لسببين:

السبب الأول عدم فهم سبب الوضع المتدهور للعائلة، ليس فقط في عدم مشاركتها تفاصيل الضغط الذي يعانيه أفرادها، بل لعدم فهم سبب عدم قبولهم للحلول المتاحة أمامهم، ولو مؤقّتا. إذْ لماذا لا تقرّر روزي البقاء مع عائلتها، في منزل الوالدة، كما عُرِض عليها؟ ترفض، بحجة أنّها لن تعتذر عما قالته عن أبيها، منذ وقت طويل. لكن الفيلم لا يستعيد الماضي العائلي القاسي، ولا يدفع إلى "التعاطف"، ولو للحظة، مع أنّ هناك، في هذا الوضع المتدهور، رفاهية التعامل بهذا الصلف.



تبدو روزي أنانية جدا. توافق على أن يبقى أبناؤها الـ4 في السيارة الضيقة، من دون حمّام أو مأوى أو طعام، لأسبابٍ تخصّها، تتعلّق باعتذارٍ لفظي عن شيءٍ قديم. يزداد هذا الشعور عندما تبقى الابنة الكبرى عند صديقة لها، فتقرّر روزي أخذها لتكون معهم، من دون أيّ سبب منطقي، باستثناء رغبة المخرج في خلق صدام بينهما، وفي أنْ تستمرّ المأساة 36 ساعة، كي ينتهي الفيلم.

السبب الثاني أنّ الرحلة نفسها، التي يمضونها، فارغة. في فيلم لوتش مثلاً، يبذل البطل كلّ ما يستطيعه ليُحسِّن وضعه المالي. يعمل 16 ساعة في اليوم، محاولا تنفيذ عمله بأفضل شكل ممكن. وحين يفشل في النهاية، ويتعرّض لقهر أكبر، يثور غضبه إزاء القوانين الاجتماعية، ويُدرك الجميع أنّ الأمر يتجاوزه كفرد، فهو (الأمر) يتعلّق بتعامل السلطة مع الناس.

في "روزي ديفيس"، لا اشتباك أصلا، والاتصال بأفرادٍ عديدين للحصول على منزل بالإيجار، لا يؤثّر إزاء أزمة اجتماعية، يعبِّر الفيلم عنها. بل على العكس تماما، هناك شعور، أحيانا، بأنّ البطلة كسولة وأنانية، لا تحاول إيجاد حلول. نجح "روزي ديفيس" نقديا، ربما لحساسية موضوعه، أو للأداء الجيّد لأبطاله، أو للحظات مؤثّرة قليلة هنا وهناك. لكنه فشل، عموما، في التعبير عن الهمّ الذي يحمله، بالنسبة إلى ما فعلته أفلام أخرى شبيهة، على الأقلّ.
المساهمون