وبينت، استناداً إلى أبحاث أجريت في شمال سورية وتحليل صور الأقمار الصناعية، أنّ "مقاطع الفيديو الملتقطة عبر الأقمار الصناعية صباح يوم 20 فبراير/ شباط الجاري، تُظهر سير المئات على طول طريق زراعي صغير في بلدة الباغوز قرب نهر الفرات".
وقال مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في المنظمة، نديم حوري: "مغادرة المدنيين الباغوز تبعث على الارتياح، لكن لا ينبغي أن يحجب ذلك حقيقة أن هذه المعركة شُنّت دون اعتبار كافٍ لسلامتهم. مجرد احتمال كونهم عائلات أعضاء داعش أو متعاطفين معهم لا يعني حرمانهم من الحماية التي يستحقونها".
وقابلت المنظمة، أكثر من 20 شخصاً فروا من منطقة خاضعة لـ"داعش" في الأسابيع الأخيرة، ذكروا تعرض منطقة الباغوز للقصف المتكرر وغارات جوية تسببت في دمار المدينة.
وكشف تحليل لصور الأقمار الصناعية دمار غالبية المباني في الباغوز، على مدار شهر بين 19 يناير/ كانون الثاني و20 فبراير/ شباط، وهي الفترة التي لا يزال خلالها عدد كبير من المدنيين هناك. وحدّدت أكثر من 630 موقعاً رئيسياً متضرراً في الباغوز خلال هذه الفترة، بشكل يتفق مع تفجير ذخائر كبيرة ملقاة جواً.
ولا يزال عدد المدنيين القتلى بسبب المعارك غير معروف. قال الكثيرون ممن هربوا إنهم دفنوا القتلى أينما كان. وأظهرت صور الأقمار الصناعية الملتقطة بين 26 يناير/ كانون الثاني و9 فبراير/ شباط، عمليات دفن جماعي متواصلة في قطعة أرض خالية قرب الطريق الرئيسي وسط الباغوز. ولم تتمكن المنظمة من تحديد عدد المدنيين المدفونين.
وقال صحافيون متمركزون قرب خطوط الجبهة في الباغوز للمنظمة، إنهم لاحظوا انخفاضاً في عدد الغارات الجوية منذ 14 فبراير/ شباط، ولكن استمر القصف على هذا الجيب.
بالإضافة إلى مئات الغارات الجوية لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على المنطقة، ذكر الهاربون ضربات مدفعية قادمة من أراضي سيطرة الحكومة السورية، وقوات قسد المدعومة أميركياً، وحتى من الحدود العراقية، حيث تتمركز المدفعية العراقية والفرنسية والأميركية. تتموضع المدفعية الفرنسية في قاعدة عمليات أمامية على هضبة جبل الباغوز، في محافظة الأنبار غربي العراق مقابل منطقة دير الزور في سورية، 10.5 كيلومترات شرق الباغوز.
وصرح رئيس تلك الوحدة لوكالة "فرانس برس" في وقت سابق من فبراير/ شباط، بأن قواته أطلقت 3,500 قذيفة على الجبهة السورية، بما في ذلك الباغوز.
وقال رجل عراقي عمره 42 تمكن من الفرار، "كان القصف الجزء الأكثر رعباً. كان من جميع الجهات، بما فيها الجانب العراقي. امتلأ الحقل بجثث الناس، وكنا جميعاً ننبطح لساعات بلا حركة مع تطاير القذائف من حولنا". حددت المنظمة في صور الأقمار الصناعية مئات الحفر الناتجة عن طلقات مدفعية ثقيلة داخل الباغوز بين 19 يناير/ كانون الثاني و19 فبراير/شباط، بما يتفق مع شهادته وشهادة آخرين.
ووصف الشهود الظروف المؤلمة في الأشهر الأخيرة مع نقص الغذاء والمساعدات، إذ اضطروا إلى أكل العشب والحشائش للنجاة، حتى مع تحركهم المستمر هرباً من الهجمات المتواصلة. ومع تقدم القوات المدعومة من الولايات المتحدة إلى المنطقة، انسحبت أعداد كبيرة من المدنيين مع داعش على طول نهر الفرات إلى الباغوز، حيث حوصروا بالكامل بين جبال الباغوز شرقاً والنهر جنوباً.
وتظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة بين 26 يناير/ كانون الثاني و20 فبراير/ شباط، حركة آلاف الأشخاص تجاه النهر، حيث أصابت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة مناطق الأبنية في الباغوز بقصف جوي ومدفعي.
وقال أشخاص فرّوا في وقت لاحق من المنطقة، إنه كان معهم العديد من أقارب أعضاء "داعش"، لكن البقية كانوا قد نزحوا مرات عديدة في العراق وسورية، وبقوا في مناطق سيطرة داعش لعدم وجود مكان آخر يلجؤون إليه.
وأكد معظم الشهود أن محاولة الهرب من المناطق الخاضعة لسيطرة داعش كانت خطرة جداً، لأن التنظيم عاقب من حاولوا الفرار وفخخ الطرقات. وقالوا إن المهربين كانوا يطالبون بما يقارب 400 دولار أميركي لتهريب الشخص، وهو مبلغ لم يعد يملكه كثيرون.
وكانت العائلات تقضي ليلها في العراء لعدة أيام، في درجات حرارة منخفضة جداً ليلاً، وتحفر خنادق صغيرة في الأرض لحماية نفسها من القصف والضربات الجوية.
وقالت المنظمة: "تثير روايات الشهود عن الضربات الجوية والمدفعية، والتحليل القائم على الصور لضرر الغارات الجوية في الباغوز، مخاوف من عدم اتخاذ قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة التي تقاتل داعش، الاحتياطات الكافية لتقليل الخسائر بين المدنيين".
ودعت التحالف إلى اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة في اختيار السبل ووسائل القتال، من أجل تقليص الخسائر العارضة في أرواح المدنيين وإصابتهم والإضرار بالأعيان المدنية، بما يشمل اختيار الأسلحة المستخدمة في المناطق الكثيفة السكان.
كما دعته إلى إجراء تحقيق شامل وسريع ومحايد في الضربات، والقيام بكل ما يمكن لتفادي ضربات مماثلة، وتقديم التعويض أو العزاء للمتضررين من عمليات التحالف. وقالت إن على جميع أطراف النزاع تسهيل وصول مجموعات الإغاثة إلى المحتاجين، وعلى المجتمع الدولي مضاعفة جهوده لمساعدة المحتاجين.
وقال حوري: "في الجو، نرى التحالف الدولي يسخّر موارد هائلة لهزيمة داعش، لكن على الأرض، لم يبذل سوى القليل لحماية الأطفال وغيرهم من المدنيين المحاصرين في هجماته".