أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، أن "الاضطهاد" دفع آلاف اللاجئين السوريين للقبول بمغادرة بلدة عرسال، على حدود لبنان الشرقية مع سورية، إلى محافظة إدلب، خلال المفاوضات التي قادها "حزب الله" اللبناني مع تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش".
وأشارت المنظمة، في تقرير أصدرته اليوم الأربعاء، إلى أن "العديد من اللاجئين في عرسال، لا يزالون يواجهون ضغوطاً للعودة إلى سورية، بعد إخراج الجماعات المسلحة منها".
ووثقت المنظمة الحقوقية شهادات للاجئين من الذين فضلوا البقاء في البلدة رغم الظروف القاسية ولآخرين غادروا إلى إدلب. وقال أحد من غادروا في شهادته، إنه كان "مجبراً" على المغادرة، لأن الخيارات في عرسال تنحصر بين "الاعتقال أو الموت أو العيش في قلق دائم".
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) September 20, 2017 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
وقال سوريون آخرون إن "عدم امتلاك أغلبهم إقامة قانونية كان عاملاً في قرار الكثيرين العودة إلى سورية. وإن الرجال على وجه الخصوص يخشون الاعتقال على يد جهاز (الأمن العام) لدى محاولتهم تجديد إقاماتهم". وهو ما أكدت المنظمة أنه يؤثر على فرص السوريين في العمل والرعاية الصحية وتسجيل الولادات والزواج. ويشير التقرير إلى أن "منظمات الإغاثة تقدر افتقار ما بين 70 إلى 80 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان إلى وضع قانوني".
وتضمنت الشهادات الواردة "تعرّض 8 سوريين للتوقيف في عرسال لدى محاولة تجديد الإقامة، وأن السلطات احتجزت أطفالاً تصل أعمارهم إلى 9 سنوات". كما اطلعت "رايتس ووتش" في بلدة عرسال على قائمة تضم 222 شخصاً حاولوا تجديد إقامتهم لكن الأمن العام احتفظ بهوياتهم لفترات تراوح بين سنة على الأقل و3 سنوات في بعض الأحيان.
كما وثقت خوف اللاجئين من الاعتقال العشوائي من قبل قوات الجيش، وقال لاجئون تحدثوا للمنظمة إن "المداهمات الجماعية التي وقعت في يونيو/حزيران، والتي أسفرت عن اعتقال أكثر من 350 سورياً ووفاة 4 منهم خلال احتجازهم لدى الجيش وسط أدلة على التعذيب، خلقت شعوراً بالخوف وساهمت في قرار الأُسر العودة إلى إدلب". علماً أن "هيومن رايتس ووتش" دعت الجيش سابقاً إلى نشر تحقيقاته حول الحادث، لكنه لم يفعل، ولم يتم أيضا كشف مصير بعض المحتجزين.
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) September 20, 2017 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
وأشار أحد المغادرين لإدلب إلى أنه لم تكن لديهم معلومات واضحة عن وضع إدلب قبل عودتهم إليها، لكنهوا فضلوا المخاطرة على البقاء في عرسال. وقال أحد الرجال الذين عادوا إلى إدلب: "كانت إقامتنا في عرسال في خوف وكنا نعيش في المجهول. كان رحيلنا في خوف وإلى المجهول. كنا نسأل عن الضمانات، ولكن لم يقل أحد لنا ما هي (...) كنا في عذاب نفسي. إنه القرار الأكثر صعوبة: البقاء في المجهول أو الذهاب إلى المجهول".
وتسجل "رايتس ووتش" ملاحظات على عملية نقل اللاجئين "في ظل عدم وجود تمثيل دائم للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عرسال، كما أنها لم تشارك في تسهيل العودة إلى سورية، ولم تقابل السوريين قبل مغادرتهم لتقييم ما إذا كان رحيلهم طوعياً أم لا". وقال معظم السوريين الذين تمت مقابلتهم إنهم كانوا يفضلون البقاء في لبنان لو شعروا بالأمان.
كما سجلت المنظمة حديث أحد اللاجئين قال فيه إنهم "يتعرضون للضغط من الجيش والأمن العام والسكان اللبنانيين للمغادرة"، ما يدفع بعضهم "للبحث عن العودة بموجب اتفاق دولي"، مع تفضيل الأغلبية البقاء في لبنان إلى أن تصبح العودة إلى سورية آمنة.
وقال مدير "قسم الإرهاب ومكافحة الإرهاب" في "هيومن رايتس ووتش"، نديم حوري، إن "السلطات اللبنانية لديها مهمة صعبة متمثلة في الحفاظ على الأمن في عرسال، ولكن من الضروري تحسين الخدمات وحماية المدنيين بعد إخراج داعش والنصرة". وأشار حوري إلى أنه "على لبنان الإدراك أن ليس من مصلحته أن يخشى اللاجئون التعامل مع الأجهزة الأمنية، كما عليه إعادة تقييم سياسته الأمنية وضمان حصول السوريين على إقامة قانونية".
وتضمن التقرير ملاحظات تقنية وقانونية تؤكد أن "الإعادة القسرية لا تحدث عند وقوع فعل الطرد إن رفض طلب اللجوء بشكل مباشر، وإنما من خلال الضغط غير المباشر الذي يدفع اللاجئين للاعتقاد بأنه ليس لديهم خيار عملي إلا المغادرة إلى بلد يواجهون فيه هذه المخاطر أو التهديد لحياتهم وسلامتهم".
وجددت المنظمة الإشارة إلى أن "عدم توقيع لبنان على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، لا يعني إعفاءه من اعتماد مبدأ عدم الإعادة القسرية الوارد في القانون الدولي العرفي، وعدم إعادة أي شخص إلى مكان يمكن أن يتعرّض فيه للاضطهاد أو التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة، أو تكون فيه حياته مهددة".
وكان نحو 8 آلاف سوري غادروا عرسال قبل شهرين إلى محافظة إدلب السورية بعد مفاوضات بين "جبهة النصرة" و"حزب الله" انتهت بموجبها المعارك التي دارت بين الطرفين في جرد البلدة الذي يقع داخل الأراضي اللبنانية. وتمت عملية الانتقال دون أي إشراف أممي أو مُستقل، وتولى الصليب الأحمر اللبناني والهلال الأحمر السوري ترتيب التفاصيل اللوجستية للعملية التي أنجزت على مراحل.
وتخلل العملية تنسيق أمني بين الطرفين اللبناني والسوري تولاه مدير عام جهاز الأمن العام اللبناني عباس إبراهيم، الذي أكد تلقي تعليمات سياسية من رئيس الحكومة سعد الحريري بتسهيل تنفيذ اتفاق "حزب الله" و"النصرة". وهو أمر يُخالف الموقف المُعلن للحكومة اللبنانية التي تتبنى رفض التنسيق الأمني والسياسي والعسكري مع النظام السوري.