01 أكتوبر 2022
"رابعة" تُحدّث أخبارها
مضت خمس سنوات، ولم تتوفر بعد معلومات كثيرة وكافية عما وقع بالضبط في يوم "أكبر واقعة قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث"، حتى أننا لا نعرف يقيناً العدد النهائي لمن قُتل هناك.
ولكن، للمفارقة، هناك ما تتفق عليه التقارير المتعلقة بالواقعة بين الجهات الدولية والجهات الحكومية أيضاً. صدر في مارس/ آذار 2014 التقرير الرسمي للمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، صدر تقرير لجنة تقصّي الحقائق التي شكلها الرئيس المؤقت، عدلي منصور، وأخيراً في أغسطس/ آب 2015 صدر تقرير مطول من "هيومن رايتس ووتش"، ومن الملاحظ أن تقرير المجلس القومي كان مجرد ملخص على وعد بصدور التقرير الكامل قريبا، وهو القريب الذي لم يحن حتى اليوم!
تتفق التقارير الثلاثة على الفرق الهائل بين أعداد الضحايا، فكلها تذكر أن الشرطة فقدت ثمانية من رجالها، وفي المقابل سقط 607 أو 632 من المعتصمين، حسب التقريرين الحكوميين، أو 817 حسب "هيومن رايتس ووتش". (يرتفع العدد إلى 932 حسب حصر ويكي ثورة).
في التفاصيل، بالطبع، نشهد تبايناً كبيراً، لكن المُلاحظ أن المتن في التقارير الحكومية هو الهامش في التقارير الدولية، أي تركّز الأولى على مخالفات الاعتصام، وتطرح انتهاكات الشرطة هامشا، بينما العكس في التقارير الدولية، فالأصل فيها هو مسؤولية الدولة والشرطة مع عدم إغفال ذكر انتقادات للاعتصام. بعدها تتولى وسائل الإعلام الموالية لطرفي الاستقطاب مهمة الإخفاء الكامل لما يخالفها، كي لا تظهر إلا صورة ناصعة البياض أو السواد.
فتقرير "هيومن رايتس" الذي سرد مطولاً جرائم قوات الأمن في ارتكاب المذبحة، وقتل المدنيين عمداً، ذكر أيضاً شهاداتٍ عن أفراد من المعتصمين حملوا أسلحة فردية (وهو ما يتسق مع إعلان الداخلية رسمياً عن العثور على 15 قطعة سلاح فقط)، كما أفرد مساحة واسعة لمهاجمة مظاهرات غاضبة لاحقة عشرات الكنائس، وربط ذلك مباشرة بالخطاب الطائفي الذي استخدمه قادة "الإخوان المسلمين"، حتى أنه يذكر بالنص مقطعاً للقيادي في الجماعة، عصام العريان، بل إن التقرير نفسه لم يغفل شهاداتٍ عن احتجاز مواطنين وتعذيبهم داخل الاعتصامات.
على الجانب المقابل، يرد في تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان أن الشرطة، منذ اللحظة الأولى، لم تمنح المعتصمين فرصة للخروج، بل استمر الإنذار 25 دقيقة فقط، وأن الشرطة أخلت بالتناسبية، من حيث كثافة إطلاق النار اتجاه مصادرها "وهو الأمر الذي يعدّ انتهاكاً للحق في الحياه والسلامة الجسدية"، وأن الشرطة فشلت في تأمين الممر الآمن المعلن عنه (شارع طريق النصر)، فضلاً عن حرمان المصابين من الحصول على الإسعافات، فلم تدخل 300 سيارة إسعاف، كانت مخصصة لذلك اليوم، إلا بعد نهاية الفض تماماً!
وللمفارقة، تتفق التقارير الثلاثة من حيث المبدأ على سقوط ضحايا أبرياء بين المعتصمين، وكلها أوصت بأن تدفع الدولة تعويضات لأسر الضحايا، وكلها أوصت بفتح تحقيقات قضائية مستقلة، حتى أن الرئاسة المصرية أصدرت بياناً في مارس/ آذار 2014 يعلن أن الرئيس عدلي منصور قد أرسل التقرير إلى وزارة العدل، وطلب منه انتداب قاضٍ للتحقيق، لكن ما حدث، بعد كل هذه السنوات، أنه لم يعبأ أحد بتنفيذ هذه التوصيات الحكومية البحتة!
والواضح أن صدور هذه الروايات والتوصيات بالتقارير الرسمية مرتبط بفترتها الزمنية، لم تكن السلطة قد شدّدت قبضتها تماماً عام 2014، كما حدث لاحقاً، لتعود إلى عُرف الدولة المصرية، أنه يجب تأمين أدواتها بشكل تام، لكي لا ترتعش يد ضابط أو قاضٍ، وهو يقوم بمهمة جليلة شبيهة، وهو ما حدث بتبرئة قتلة ثوار يناير، أما جناة فضّ اعتصام ميدان رابعة فلن يُسمح حتى بأن يُحكم لهم بالبراءة "لعدم كفاية الأدلة" أو "لشيوع الاتهام"، بل لن يوجّه الاتهام لهم أصلاً، حتى تتغيّر موازين القوى السياسية، أو يقضي الله أمراً كان مفعولاً..
ولكن، للمفارقة، هناك ما تتفق عليه التقارير المتعلقة بالواقعة بين الجهات الدولية والجهات الحكومية أيضاً. صدر في مارس/ آذار 2014 التقرير الرسمي للمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، صدر تقرير لجنة تقصّي الحقائق التي شكلها الرئيس المؤقت، عدلي منصور، وأخيراً في أغسطس/ آب 2015 صدر تقرير مطول من "هيومن رايتس ووتش"، ومن الملاحظ أن تقرير المجلس القومي كان مجرد ملخص على وعد بصدور التقرير الكامل قريبا، وهو القريب الذي لم يحن حتى اليوم!
تتفق التقارير الثلاثة على الفرق الهائل بين أعداد الضحايا، فكلها تذكر أن الشرطة فقدت ثمانية من رجالها، وفي المقابل سقط 607 أو 632 من المعتصمين، حسب التقريرين الحكوميين، أو 817 حسب "هيومن رايتس ووتش". (يرتفع العدد إلى 932 حسب حصر ويكي ثورة).
في التفاصيل، بالطبع، نشهد تبايناً كبيراً، لكن المُلاحظ أن المتن في التقارير الحكومية هو الهامش في التقارير الدولية، أي تركّز الأولى على مخالفات الاعتصام، وتطرح انتهاكات الشرطة هامشا، بينما العكس في التقارير الدولية، فالأصل فيها هو مسؤولية الدولة والشرطة مع عدم إغفال ذكر انتقادات للاعتصام. بعدها تتولى وسائل الإعلام الموالية لطرفي الاستقطاب مهمة الإخفاء الكامل لما يخالفها، كي لا تظهر إلا صورة ناصعة البياض أو السواد.
فتقرير "هيومن رايتس" الذي سرد مطولاً جرائم قوات الأمن في ارتكاب المذبحة، وقتل المدنيين عمداً، ذكر أيضاً شهاداتٍ عن أفراد من المعتصمين حملوا أسلحة فردية (وهو ما يتسق مع إعلان الداخلية رسمياً عن العثور على 15 قطعة سلاح فقط)، كما أفرد مساحة واسعة لمهاجمة مظاهرات غاضبة لاحقة عشرات الكنائس، وربط ذلك مباشرة بالخطاب الطائفي الذي استخدمه قادة "الإخوان المسلمين"، حتى أنه يذكر بالنص مقطعاً للقيادي في الجماعة، عصام العريان، بل إن التقرير نفسه لم يغفل شهاداتٍ عن احتجاز مواطنين وتعذيبهم داخل الاعتصامات.
على الجانب المقابل، يرد في تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان أن الشرطة، منذ اللحظة الأولى، لم تمنح المعتصمين فرصة للخروج، بل استمر الإنذار 25 دقيقة فقط، وأن الشرطة أخلت بالتناسبية، من حيث كثافة إطلاق النار اتجاه مصادرها "وهو الأمر الذي يعدّ انتهاكاً للحق في الحياه والسلامة الجسدية"، وأن الشرطة فشلت في تأمين الممر الآمن المعلن عنه (شارع طريق النصر)، فضلاً عن حرمان المصابين من الحصول على الإسعافات، فلم تدخل 300 سيارة إسعاف، كانت مخصصة لذلك اليوم، إلا بعد نهاية الفض تماماً!
وللمفارقة، تتفق التقارير الثلاثة من حيث المبدأ على سقوط ضحايا أبرياء بين المعتصمين، وكلها أوصت بأن تدفع الدولة تعويضات لأسر الضحايا، وكلها أوصت بفتح تحقيقات قضائية مستقلة، حتى أن الرئاسة المصرية أصدرت بياناً في مارس/ آذار 2014 يعلن أن الرئيس عدلي منصور قد أرسل التقرير إلى وزارة العدل، وطلب منه انتداب قاضٍ للتحقيق، لكن ما حدث، بعد كل هذه السنوات، أنه لم يعبأ أحد بتنفيذ هذه التوصيات الحكومية البحتة!
والواضح أن صدور هذه الروايات والتوصيات بالتقارير الرسمية مرتبط بفترتها الزمنية، لم تكن السلطة قد شدّدت قبضتها تماماً عام 2014، كما حدث لاحقاً، لتعود إلى عُرف الدولة المصرية، أنه يجب تأمين أدواتها بشكل تام، لكي لا ترتعش يد ضابط أو قاضٍ، وهو يقوم بمهمة جليلة شبيهة، وهو ما حدث بتبرئة قتلة ثوار يناير، أما جناة فضّ اعتصام ميدان رابعة فلن يُسمح حتى بأن يُحكم لهم بالبراءة "لعدم كفاية الأدلة" أو "لشيوع الاتهام"، بل لن يوجّه الاتهام لهم أصلاً، حتى تتغيّر موازين القوى السياسية، أو يقضي الله أمراً كان مفعولاً..