منذ أعوام عديدة، بدأت هوليوود تنفيذ خطة طويلة لاستغلال السوق الآسيوية الضخمة جدا بأفلامٍ ذات إنتاج أميركي، وفرق عمل آسيوية بكاملها، على أن تكون لغتها وأماكن تصويرها مشتركة. الثمار الأولى لهذا المشروع فيلم Crazy Rich Asians، الذي أنجزه جون شو العام الماضي، وحقّق نجاحا تجاريا كبيرا؛ تلاه مشروع ثانٍ هذا العام، بعنوان The Farewell، الذي عرف بدوره نجاحين، نقدي وتجاري.
الفيلم الجديد مستلهم من قصّة حقيقية لمخرجته لولو وانغ: بيلي (الموازي الدرامي لشخصية المخرجة) فتاة صينية مُقيمة في الولايات المتحدة الأميركية طول حياتها. تعود إلى الصين لأيام قليلة، بعدما بلغها نبأ إصابة جدّتها بمرض سرطاني أدخلها في مرحلة الاحتضار، علما أنّ العائلة قرّرت عدم إخبار الجدّة بمرضها هذا، كي لا تمضي الأشهر الأخيرة من حياتها في توتّر. بدلا من ذلك، نظّموا حفلة زواج لأحد الأبناء، كي يلتقي الجميع حولها، من دون أن تشعر بشيءٍ غريب. الفيلم يُتابع الأيام الثلاثة التي يمضيها أفراد العائلة الكبيرة معا.
يمتلك الفيلم جوانب عديدة مؤثّرة، أوّلها إدراك حقيقة الواقعة، وثانيها أنّ في القصة دراما بسيطة ومؤثّرة، وجوانب كثيرة قوية عن اختلاف الثقافات والأفكار، وقيم العائلة التي تغيّرت بين جيلين صينيين، عاشا في ظروفٍ وبلدانٍ مختلفة. طبعا، هناك البُعد الجَدلي عما إذا كان يُفترض بأفراد العائلة عدم إخبار مريضهم بحالته الصحية، وإنْ يكن الدافع حمايته، أم لا.
أخيرا، هناك الأثر العاطفي، المعروف قبل مُشاهدة الفيلم، أو الذي يُعرف مع نهايته: شخصيات حقيقية في العائلة مثّلت أدوارها في الفيلم. لكن، في مُقابل التأثير العاطفي، يتناول "الوداع" (The Farewell) عوامل إيجابية يملكها على السطح تماما، من دون الذهاب، في أيّ لحظة، إلى أعمق من القشرة الخارجية. عملية الإنتاج الهوليوودي الآسيوي تجعل المُستهدف فيلما "إنسانيا وكوميديا خفيفا"، قادرا على تحقيق نجاح تجاري.
هذا ما تفعله المخرجة، لكنّها تترك العمق فارغا تماما، إلى درجة مزعجة. فاختلاف بيلي، التي تعيش في أميركا حيث تكوّنت ثقافتها، لا يُثار إلا من خلال تفاصيل سطحية، كأنْ تكون لغتها الصينية غير قوية. النقطة الأهمّ للفيلم كامنة في إخبار الجدّة عن مرضها أو لا. نقطة تُطرح في مشهد واحد مع عمّ، يتحدّث فيه، بحوارٍ مباشر، عن قيمة العائلة في الثقافة الآسيوية، مُقابل فردانية الثقافة الغربية. هذا "يُقال" من دون التأثّر به بشكل حقيقي، في أحداث الفيلم، ومع شخصياته.
كبناء وأحداث، لا يملك الفيلم شيئا كثيرا: ما الذي يُحرّك القصّة؟ أهي شخصية بيلي؟ لا يبدو ذلك، لأن شخصية بيلي لا تتغيّر، والتجربة لا تؤثّر عليها بين بداية الفيلم ونهايته، ولا يُعرف شيءٌ عنها أبعد من نشأتها الأميركية، وبحثها عن عمل. إذاً، هل يتحرّك الفيلم بالأحداث؟ لا يبدو هذا أيضا، لأنّه بعد الفصل الأول (أقوى فصول الفيلم)، الذي تُعرف فيه حالة الجدّة وذهاب العائلة إلى الصين، لا يحدث شيء تقريبا. مجرّد مشاهد ذات نزعة "استشراقية"، تُراقب لولو وانغ فيها عالما ومجتمعا لا تعرفهما، فيظهر مشهد جنازة، أو مشهد طعام، أو مشهد حفلة زواج، بشكلٍ طويل جدًا، من دون شيء جوهري، باستثناء مشهد واحد صادق ومؤثّر لبيلي، تتحدّث فيه مع طبيب صيني باللغة الإنكليزية، أمام الجدة، عن حالتها، ويكون اختلاف اللغتين والملامح البريئة للجدّة، التي تعتقد أنهما يتحاوران عاطفيا، مؤثرا فعليا.
غير ذلك، لا يستثمر الفيلم عوامل تميّز تنفيذه، مكتفيا بكونه فيلما "هوليووديا" بفريق عمل مختلف فقط.