مع انطلاقة "آبل تي في بلاس" في الشهر الماضي، بدأت الشبكة ببث مسلسل the morning show "ذا مورنينغ شو"، المسلسل الذي طال الحديث عنه قبيل انطلاقته، بحكم النجومية الكبيرة التي تتمتع به بطلة العمل، جينيفر آنستون، بالإضافة إلى مشاركة نجوم بحجم ريس ويذرسبون وستيف كاريل في بطولة العمل. وتمكن المسلسل خلال الشهر الماضي من إثارة الكثير من الجدل حوله؛ فبعد وصوله إلى الحلقة السابعة، راوحت ردود الأفعال حوله ما بين الانتقادات اللاذعة والتقييمات الإيجابية.
ويعود سبب تباين ردود الأفعال حول المسلسل، إلى طبيعة القضايا التي يناقشها وحساسيتها؛ إذْ إن حكاية المسلسل تتمحور حول طاقم العمل ببرنامج تلفزيوني صباحي شهير، "ذا مورنينغ شو" الذي تشارك بتقديمه لخمس عشرة سنة الثنائي "أليكس ليفي" (جنيفر أنستون) و"ميتش" (ستيف كايل). ويبدأ المسلسل بخبر إقالة "ميتش" بعد أن وجهت إليه الاتهامات بالتحرش الجنسي بنساء عملنَ في البرنامج خلف الكواليس، على خلفية حملة "مي تو" النسوية المناهضة للاغتصاب والتحرش، لتجد "أليكس" نفسها مضطرة إلى الدفاع عن وظيفتها، فتقحم الناشطة النسوية "برادلي جاكسون" (ريس ويذرسبون) في فريق العمل، بديلةً من "ميتش". وهنا يبدأ الصراع يتجوهر ما بين "أليكس" وشركائها في تنفيذ البرنامج، الذين كانوا يشكلون البيئة الحاضنة لممارسات التحرش، وضحوا بكبش الفداء "ميتش" ليستمر نجاح البرنامج، وبين الوجه الجديد "برادلي" التي تسعى إلى اكتشاف المزيد حول ملابسات القضية.
إنَّ حكاية المسلسل تبدو لحدٍّ ما مستوحاة من الواقع. فقصة "ميتش" تشبه إلى حد كبير قصة الإعلامي الأميركي الشهير، مات لويز، الذي اتُّهم بسوء السلوك الجنسي. لكن أبعاد القصة الواقعية وحساسية القضية وراهنيتها، لم تعُق صناع المسلسل عن صياغة حكاية دراميّة مُتقنَة ومشوّقة، فيها كل خواصّ الدراما الاجتماعية المعاصرة الممتعة والشيقة.
ورغم أن المسلسل يؤيد بوضوح الحملات النسوية المناهضة للاغتصاب والتحرش بكل أشكاله، إلا أنه يحاول أن يناقش حملة "مي تو" بالكثير من العقلانية، من خلال عرض العديد من وجهات النظر المتفاوتة، بسياق درامي لا يخلو من الإثارة. ففي الخطابات التي سردها "ميتش" للدفاع عن نفسه، ميّز بين فئتين من الرجال الذين أدانتهم حملة "مي تو": الفئة الأولى، تضم رجال مغتصبين ومتحرشين يستحقون الإدانة، وأما النوع الثاني، فهم ليسوا سوى رجال لهم ممارسات جنسية لا يتقبلها المجتمع المحافظ، وجرت بالتراضي ما بين الطرفين. ورأى "ميتش" أن الرجال بالفئة الثانية، التي ينتمي إليها، هم ضحايا التضخم الإعلامي لحملة "مي تو".
وأما "برادلي"، فإنها تكافح في وسطٍ ينبذها، لتثبت وجهة نظر أكثر تطرُّفاً، وهي أنَّ قضايا التحرُّش التي وقع ضحيتها بعض الرجال والمشاهير، يجب أن يعاد النظر بصياغتها وفهمها؛ لتقول إنَّ المؤسسات الإعلامية والثقافية التي احتضنت هذا النوع من الممارسات لأعوامٍ طويلة هي شريكة بالجريمة، وكل من كان شاهداً وراضياً على ممارسات المتحرشين هم شركاء، ولا يمكن أن يحملوا اليوم رايات التحرر والشعارات النسوية، لتدين بذلك "أليكس" ورفقائها الذين ساروا مع الموجة، وضحوا بـ"ميتش" للبقاء في مراكزهم.
وبالنسبة إلى "أليكس"، فهي تبدو كشخصية تائهة، مواقفها الضبابية والمتعارضة التي تحاول من خلالها المحافظة على بريق حياتها الزائف تعطيها المزيد من الوقت لإعادة ترتيب كيانها؛ هي تدرك أنها تقف على الهاوية، فتدعي التركيز على احترافيتها المهنية، ولا تجد ضيراً، هي ومن بقي من فريق الإنتاج، في استثمار الكوارث البشرية لتحويل مسار الرأي العام، كما يحدث عندما تستثمر حرائق الغابات الأميركية لتشتيت الأنظار عن القضايا التي تدينهم.
وهنا يجب أن نقول إن الكثير من المسلسلات والأفلام الأميركية، قد تطرَّقت إلى قضايا التحرش في الفترة الماضية، لكن مسلسل "ذا مورنينغ شو" أكثر هذه المسلسلات نضجاً، فهو على عكس ما سبقه، لا يتبنى وجهة نظر أحادية تعكس السائد دون محاكمة عقلانية.