ليست الجوائز ومهرجاناتها بالضرورة مقياساً لجودة الأفلام المُرشّحة لها أو التي تنالها، وربّما لا يُعتدّ بذلك كثيراً. لم تعد عبارة "هذا الفيلم حائز الكثير من الجوائز"، مُغرية وكافية لمشاهدة العمل السينمائي؛ ذلك أنّ عوامل كثيرة باتت تتدخّل في ترشيحات وفوز الأفلام للجوائز. عوامل كثيراً ما تبتعد عمّا هو فنّي، وتميل إلى ما هو نابع من حسابات سياسية واجتماعية.
فلننظر، مثلاً، إلى عملين مُرشّحين إلى الأوسكار لهذا العام: الأول، بطبيعة الحال، هو "جوكر" (إخراج تود فيليبس)، الذي رُشّح لـ 11 جائزة أوسكار، نال منها جائزتين (أفضل ممثل إحداهما)، وفيلم "ذا لايت هاوس" (إخراج روبرت إيغرز) الذي رُشّح لجائزة واحدة فقط، هي أفضل سينماتوغرافي، ولم ينلها، رغم أنه يستحق ترشيحات أكثر.
طبعاً، لا مجال للمقارنة بين الفيلمين، فهما عملان ينتمي كل منهما إلى عالم مختلف كلياً عن الآخر. لكن، لا بأس من إلقاء نظرة نقدية سريعة على كل منهما، لمحاولة فهم العوامل والمكوّنات الفنية التي ميّزت كل فيلم.
قرّر صاحب ثلاثية "هانغ أوفر" أن يصبح عميقاً؛ فكان "جوكر" صاحب الـ 11 ترشيحاً. محاولة في الاشتغال على شخصية البطل المضادّ، لكنه اشتغال سطحي، سواء في بناء الشخصية، أو أحداثها، أو حتى على المستوى البصري للعمل. أسئلة كثيرة تتوارد إلى ذهن المتلقّي: ألم تعد فكرة المهرّج الذي يضع وجهاً ضاحكاً يُخفي واقعاً إنسانياً مؤلماً، فكرةً مُستهلكة ومكرّرة ومبتذلة للغاية؟ من ناحية أخرى: لماذا يتعرّض هذا الشخص لكل هذا التنمّر المجّاني من الأطفال في الشوارع أو من أولئك الذين التقاهم في القطار؟ السؤال الأهم: هل هناك ما هو أسخف من التلميح بأنّ "جوكر" قد يكون أخاً لـ"بات مان"؟ تلميح "هنديّ" تحوّل منذ زمنٍ إلى نكتة تُقال للسخرية من الأعمال الميلودرامية البائسة.
لا شكّ في قدرات واكين فينيكس الفنية، إلا أن تورّط بمخرج جعل من أدائه مفتعلاً، وسطحياً؛ مجرّد مريض نفسي يعاني قهراً استُهلكت تحت وطأته شخصيات كثيرة في السينما، تحوّل إلى قائد ثورة من طريق الصدفة!
لكي تبدو (وفقط تبدو) الشخصية أعمق، عقّد الكاتب علاقة جوكر بأمّه بطريقة فرويدية واضحة وفجّة ومباشرة. إلى جانب ذلك، فلننظر إلى العمل من ناحية بصرية، مثلاً. للوهلة الأولى، سيبدو الفيلم ناجحاً بألوانه وتدرّجاتها واختلافها. لكن، بنظرة أخرى، أكثر تأمّلاً، سنجد أنّ ألوان العمل أقرب إلى ذلك المزيج الأساسي والتلقائي للخيارات اللونية وتدرّجاتها التي يقترحها علينا برنامج "فوتوشوب"، كأنّ المخرج وجد Template/ قالباً لونياً جاهزاً ولجأ إليه ليصبغ فيلمه به.
اقــرأ أيضاً
يختلف الأمر كلياً مع المخرج الشاب روبرت إيغرز (1983)، في فيلمه "ذا لايت هاوس"، ذي الترشيح الواحد فقط. فلنبدأ حيث انتهينا في "جوكر"، الألوان. صوّر إيغرز فيلمه بالأبيض والأسود فقط، لا ألوان في العمل أصلاً، إلا أنّ فهماً عميقاً لدى إيغرز للأبيض والأسود، خلق مناخاً حقيقياً خاصّاً لهذا الشريط الرائع. يقول إيغرز في ذلك: "منذ البداية، كان السؤال: كيف يمكننا أن نصنع فيلماً بالأبيض والأسود بأسلوب خاص، قادر على أن يبرز المكونات البصرية المختلفة، وفي ذات الوقت يكون مميزاً ضمن القصة؟ لذا، قمنا بالتصوير باستخدام نيغاتيف أبيض وأسود؛ لأن في ذلك طريقة تجعل اللون الأسود يصل إلى أقل منسوب، وهذا ما لا يمكن الحصول عليه إن صورنا بالملون، ثم قمنا بتغيير الألوان رقمياً".
حتى إنّ العناصر البصرية في العمل قليلة: منارة على البحر، لا أكثر، لكن هذه المينيمالية لم تكن سوى تعبير عن رؤيا عميقة يمتلكها المخرج، وظّف فيها ممثّلين فقط (ويلِم ديفو وروبرت باتينسون) ليقدّما أداءً استثنائياً، يجعل الفيلم جديراً بالترشح إلى عدد من الجوائز، وليس واحدة فقط.
فلننظر، مثلاً، إلى عملين مُرشّحين إلى الأوسكار لهذا العام: الأول، بطبيعة الحال، هو "جوكر" (إخراج تود فيليبس)، الذي رُشّح لـ 11 جائزة أوسكار، نال منها جائزتين (أفضل ممثل إحداهما)، وفيلم "ذا لايت هاوس" (إخراج روبرت إيغرز) الذي رُشّح لجائزة واحدة فقط، هي أفضل سينماتوغرافي، ولم ينلها، رغم أنه يستحق ترشيحات أكثر.
طبعاً، لا مجال للمقارنة بين الفيلمين، فهما عملان ينتمي كل منهما إلى عالم مختلف كلياً عن الآخر. لكن، لا بأس من إلقاء نظرة نقدية سريعة على كل منهما، لمحاولة فهم العوامل والمكوّنات الفنية التي ميّزت كل فيلم.
قرّر صاحب ثلاثية "هانغ أوفر" أن يصبح عميقاً؛ فكان "جوكر" صاحب الـ 11 ترشيحاً. محاولة في الاشتغال على شخصية البطل المضادّ، لكنه اشتغال سطحي، سواء في بناء الشخصية، أو أحداثها، أو حتى على المستوى البصري للعمل. أسئلة كثيرة تتوارد إلى ذهن المتلقّي: ألم تعد فكرة المهرّج الذي يضع وجهاً ضاحكاً يُخفي واقعاً إنسانياً مؤلماً، فكرةً مُستهلكة ومكرّرة ومبتذلة للغاية؟ من ناحية أخرى: لماذا يتعرّض هذا الشخص لكل هذا التنمّر المجّاني من الأطفال في الشوارع أو من أولئك الذين التقاهم في القطار؟ السؤال الأهم: هل هناك ما هو أسخف من التلميح بأنّ "جوكر" قد يكون أخاً لـ"بات مان"؟ تلميح "هنديّ" تحوّل منذ زمنٍ إلى نكتة تُقال للسخرية من الأعمال الميلودرامية البائسة.
لا شكّ في قدرات واكين فينيكس الفنية، إلا أن تورّط بمخرج جعل من أدائه مفتعلاً، وسطحياً؛ مجرّد مريض نفسي يعاني قهراً استُهلكت تحت وطأته شخصيات كثيرة في السينما، تحوّل إلى قائد ثورة من طريق الصدفة!
لكي تبدو (وفقط تبدو) الشخصية أعمق، عقّد الكاتب علاقة جوكر بأمّه بطريقة فرويدية واضحة وفجّة ومباشرة. إلى جانب ذلك، فلننظر إلى العمل من ناحية بصرية، مثلاً. للوهلة الأولى، سيبدو الفيلم ناجحاً بألوانه وتدرّجاتها واختلافها. لكن، بنظرة أخرى، أكثر تأمّلاً، سنجد أنّ ألوان العمل أقرب إلى ذلك المزيج الأساسي والتلقائي للخيارات اللونية وتدرّجاتها التي يقترحها علينا برنامج "فوتوشوب"، كأنّ المخرج وجد Template/ قالباً لونياً جاهزاً ولجأ إليه ليصبغ فيلمه به.
حتى إنّ العناصر البصرية في العمل قليلة: منارة على البحر، لا أكثر، لكن هذه المينيمالية لم تكن سوى تعبير عن رؤيا عميقة يمتلكها المخرج، وظّف فيها ممثّلين فقط (ويلِم ديفو وروبرت باتينسون) ليقدّما أداءً استثنائياً، يجعل الفيلم جديراً بالترشح إلى عدد من الجوائز، وليس واحدة فقط.