منعت جائحة كورونا محبي السينما في بريطانيا من ارتيادها لأشهر، الأمر الذي أدّى إلى عودة عروض السينما القديمة التي كانت تقام في الهواء الطلق، إذ تدخل سيارة إلى باحة كبيرة في منتزه عام أو على شاطئ البحر، ويشاهد من في داخلها شاشة كبيرة نصبت في المكان.
تعرف هذه السينما بالإنكليزية باسم "درايف إن سينما" Drive in cinema. فمع استمرار الوباء في تقييد حياتنا الاجتماعية، وعلى الرغم من إعادة الافتتاح الوشيك لدور السينما في جميع أنحاء البلاد، تبدو مشاهدة الأفلام، من داخل السيارة، الحل الأفضل والأكثر جاذبية حالياً.
وقد بدأ هذا النوع من العروض السينمائية بالانتشار في جميع أنحاء البلاد، وهو يتيح الفرصة للاستمتاع بمشاهدة الأفلام، بعيداً عن فيروس كورونا، مع العلم أنّه اشتهر، في بريطانيا والولايات المتحدة في الخمسينيات من القرن الماضي. لذلك، لا يعتبر مفهوم عرض الأفلام في الهواء الطلق جديداً، فغالباً ما كانت الناس تشاهد أفلاماً صامتة على شاشات مثبتة على الشواطئ، أو في أماكن أخرى في الهواء الطلق.
تعود فكرة ابتكار مشاهدة الأفلام في الهواء الطلق إلى ثلاثينيات القرن الماضي. وانطلقت مع ريتشارد هولينجسهيد، بائع قطع غيار السيارات، من كامدن، في مدينة نيوجيرسي الأميركية، الذي رأى أن والدته كبيرة نوعًا ما بالنسبة لمقاعد المسرح الداخلي، كما قال جيم كوب من "اتحاد مالكي المسارح في الولايات المتحدة" لمجلة "سميثسونيان". ففكّر عام 1928 بوسيلة تتيح لها اختبار تجربة السينما. لذلك، وضع والدته في سيارة وعلّق ملاءة كبيرة بين الأشجار، مسلّطاً عليها جهاز عرض كبير في فناء منزله، لتنطلق بذلك فكرة "درايف إن سينما".
مثّل الصوت مشكلة في البداية، ولكن بعد اختراع مكبرات الصوت داخل السيارة في الأربعينيات، ازدهرت "درايف إن سينما". وكانت بمثابة الحل لمشاكل عملية للكثير من العائلات التي تبحث عن الترفيه. لقد كانت رخيصة، ويمكنك التدخين وإحضار طعامك، كما يمكن للأطفال النوم خلال العرض.
وبحلول عام 1958، كان هناك 4063 دار "درايف إن سينما" في الولايات المتحدة، معظمها في المناطق الريفية. وكانت ذروتها في الخمسينيات والستينيات، بيد أنّها تراجعت بعد ذلك مع توسّع المدن وتصاعد أزمة النفط في السبعينيات. في المقابل، لم يزدهر هذا النوع من دور السينما في بريطانيا.
على الرغم من أنه لا يزال هناك 335 داراً منها في الولايات المتحدة اليوم، ولا تزال موجودة في أستراليا وكندا، ربما لأنّها تتناسب أكثر مع الأراضي الشاسعة، لذلك فشلت جميع دور "درايف إن سينما" الدائمة في المملكة المتحدة.
وتعتبر الأستاذة المساعدة في وسائل الإعلام والفنون والعلوم الإنسانية في "جامعة إيست أنغليا"،كارينا أفيرد، أن المناخ والتضاريس والشخصية قد تكون أسباب ذلك، مثل الرطوبة في بريطانيا وصغر مساحتها نسبياً، والأهم من ذلك غروب الشمس في وقت متأخر في فصل الصيف.
اليوم تعود "درايف إن سينما" إلى الظهور، في المملكة المتحدة، حيث استغلّت الشركات التي كانت تدير دور عرض مكشوفة مربحة فرصة جائحة كورونا، وتحرّكت بسرعة لإحضار السينما إلى الأشخاص النائين اجتماعياً. فأعيد فتح دور عرض التقليدية باستخدام تدابير التباعد الاجتماعي. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الكثير من الناس متخوفين من الإصابة بالفيروس.
وأفاد "معهد الفيلم البريطاني"، أن أفضل 15 فيلمًا حققت 162.117 جنيهًا إسترلينيًا فقط بين 3-5 يوليو/تموز، وهو أمر كارثي، كما يعلّق المدير الإداري لسينما "لونا" التي أدارت السينما في الهواء الطلق، جورج وود، في الحدائق والقصور في المملكة المتحدة، لمدة 12 عامًا.
ويقول إنّ الانتقال إلى السيارة لم يحدث إلا بسبب الوباء. ويقع أكبر موقع له في أراضي بلنهايم بالاس الذي يتسع لـ 450 سيارة. أمّا أصغر مكان يقع في جنوب شرق لندن، ويتسع لـ 120 سيارة. ويضيف أنّه من الواضح أن الطلب هائل وأن "درايف إن سينما" ستستمر حتى بعد انتهاء جائحة كورونا، وذلك بحسب ما أوردت مجلة "ذا سبكتايتور" الأسبوعية في يوليو/تموز الماضي.
وتبدأ أسعار التذاكر من 25 جنيهاً إسترلينياً لكل سيارة براكبين، ويدفع كل راكب إضافي مبلغ أربعة جنيهات إسترلينية. ويمكن طلب الفشار أو النقانق والعصائر والكحول وغيرها، عبر تطبيق مع الاستماع إلى الموسيقى قبل بدء الفيلم. لكنك تحتاج إلى حجز تذاكرك مسبقًا، لأنّه من الصعب جدًا تنظيم مثل هذا الحدث، إذا حضر الأشخاص لشراء التذاكر "على الباب". ولا يوجد سوى عدد محدود من الأماكن المتاحة في كل عرض، لذا فإن الحجز المسبق يتحكم في عدد الضيوف.