احتلال تنظيم "داعش" مناطق عراقية استدعى العديد من الردود، منها العسكري ومنها ما هو مختلف جداً. هذه حال الأهازيج الشعبية التي يستغل العراقيون كلماتها للسخرية من "داعش"
في حفل عرسه، حرص منذر ستار على أن تكون من بين أبرز الفقرات أهازيج حماسية. هذه الأهازيج تعتبر تراثاً معروفاً في العراق. وبالرغم من أنّ حضورها في المناسبات في المدن تراجع منذ عقود، لكنّها عادت بقوة في السنوات الأخيرة، لا سيما مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فاستُغلت الأهازيج في الحرب الإعلامية ضده.
أحمد العبودي، المعروف بأداء الأهازيج في المناسبات، لبى دعوة صديقه العريس منذر، وجعل اسم "داعش" حاضراً في حفل العرس، إذ ردد أهازيج تندد بالتنظيم وتسخر منه، وأخرى تشيد بالقوات العراقية التي تقاتله. يؤكد العبودي لـ"العربي الجديد" أنّ "الأهازيج عادت بقوة كفنّ تراثي إلى الساحة بوجود داعش"، مشيراً إلى أنه سجل بصوته عدداً من الأهازيج لصالح إحدى شركات التسجيل "بسبب طلب الشارع هذا النوع من الفنون".
الأهازيج أناشيد وأشعار شعبية تضم المدح والهجاء والرثاء والفخر والوصف والغزل والاعتذار والحكمة. لا يصاحبها أي نوع من الآلات الموسيقية، وتعتمد في الإلقاء على المدّ الطويل للكلمات. وهي ليست واحدة في العراق، بل تختلف بحسب المناطق، فلكل منطقة تراثها من الأهازيج وطرق إلقائها.
هذه الأهازيج جعلت من لفظ "داعش" يتردد كثيراً في المدن العراقية، وازداد ذلك مذ بدأت القوات العراقية المعارك لاستعادة السيطرة على الأراضي التي احتلها. عراقيون أعربوا عن مخاوفهم من مخلفات الأهازيج الحديثة، كونها تسوّق لعبارات طائفية، وقد تحلّ محلّ الفن الغنائي العراقي الرصين. كذلك، يعتبرها مختصون تحث على العنف.
يقول الشاعر علي البياتي، الذي كتب عدة أهازيج ضد التنظيم، إنّ ذلك "نتيجة حتمية لمواجهة داعش بصور مختلفة، ومن بينها الفن والثقافة". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "الرفض الشعبي لتنظيم داعش أمر طبيعي، وهو ما استدعى ظهور أغانٍ تندد بداعش"، مشيراً إلى أنّ "داعش أيضاً تسبب بظهور جيل جديد من الشعراء الشعبيين، ففي المهرجانات الشعرية التي تقام بمناسبات مختلفة في البلاد، أرى وجوهاً جديدة على ساحة الشعر، وأغلب مواضيع هؤلاء عن تنظيم داعش".
يتابع البياتي: "بعد إلقائي مجموعة أهازيج عن داعش، عرض عليّ أكثر من استديو تسجيلها صوتياً، من بينها أهازيج تتحدث عن انتهاء داعش في العراق. وبذلك، تشير إحداها إلى العراق بعد 10 سنوات من الآن، وفيها: سمّعونا بشارة.. أبطال الغارة.. داعش شخباره.. عراق وكل احنا جنودك.. الزود البينا من زودك.. العايل لو داس حدودك.. يشوف جهنم كدامة.. واحنا لراسه حطامة.. نعجن دمه بعظامة".
اقــرأ أيضاً
شهاب حساني، الذي يدير فرقة شعبية في بغداد، يقول إنّ الأغاني والأهازيج الوطنية التي تتحدث موضوعاتها عن "داعش وانهياره، باتت نهجاً ثابتاً في الحفلات التي نقدمها". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "هذا النوع من الموسيقى بات مرغوباً فيه بشدة".
يقول مواطنون إنّ تلك الأغاني والأهازيج باتت ترافقهم أينما ذهبوا. خالد مشكور (64 عاماً) يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه حفظ الكثير من الأهازيج والأغاني من خلال سماعها في الأماكن العامة. يوضح: "في باصات النقل العام وسيارات الأجرة، وفي المقاهي والمطاعم، أسمع تلك الأغاني والأهازيج. هي مزعجة حقاً، وأغلبها يخلو من الذائقة والجمال، إنّها مجرد زعيق". يضيف ساخراً: "لكنّني بتّ أدندن تلك الأغاني مع نفسي لشدة تعلقها بالذاكرة".
أما منذر عبد اللطيف (52 عاماً) وهو مدرّس رسم، فيصف انتشار اسم "داعش" في الأهازيج والأغاني بـ"السرطان": "إن لم تعمل الجهات المسؤولة على استئصاله، فعلينا أن نحمي أبناءنا منه بأنفسنا". ويوضح عبد اللطيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الموسيقى والفنون بشكل عام إن استغلت بشكل واعٍ ومدروس فستنشئ أجيالاً واعية مثقفة، والعكس صحيح، فما نراه اليوم فوضى في الشعر والموسيقى والغناء".
يتابع: "بتنا نسمع الطفل الذي لا يتعدى عمره 7 أعوام يغني ويلقي الأهازيج وفيها كلمات القتل والذبح والسلاح وداعش والكثير من كلمات العنف، بل الأدهى أنّ الطفل يفعل ذلك أثناء لعبه". يضيف: "أحاول جاهداً أن أحسّن من مستوى ذائقة أولادي الفنية والثقافية. أرى أنّي أفلحت في حمايتهم من هذا السرطان، فهم يمقتون كلّ كلام فيه عنف، ويسمعون موسيقى عالمية".
للموسيقى دور فعال في التأثير على سلوك الأطفال وبناء شخصياتهم أو هدمها، فالصغار تستدرجهم الموسيقى اللافتة والكلام الملحن الخفيف والعبارات اللافتة، بحسب ما يشير إليه الاختصاصي في علم النفس فاروق الدليمي. يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "من الخطر ترديد كلمات مثل داعش وتفجير وقتل وسلاح وموت على مسامع الأطفال. فالصور والمشاهد والقصص والعبارات التي تترسخ في مخيلة الطفل تتطور مع نشأته، وتكون كالأساس بالنسبة إلى البناء".
يضيف: "قد يعتبر أولياء أمور أنّ إهداء أطفالهم لعبة على شكل سلاح قاتل، أو إطلاعهم على مشاهد تفجيرات وقتل، أو إسماعهم أغاني وموسيقى فيها عنف، تجعلهم أقوياء، لكنهم بذلك يحرفون تفكير الصغار ويشوهون دواخلهم، وفي ذلك خطر كبير".
اقــرأ أيضاً
في حفل عرسه، حرص منذر ستار على أن تكون من بين أبرز الفقرات أهازيج حماسية. هذه الأهازيج تعتبر تراثاً معروفاً في العراق. وبالرغم من أنّ حضورها في المناسبات في المدن تراجع منذ عقود، لكنّها عادت بقوة في السنوات الأخيرة، لا سيما مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فاستُغلت الأهازيج في الحرب الإعلامية ضده.
أحمد العبودي، المعروف بأداء الأهازيج في المناسبات، لبى دعوة صديقه العريس منذر، وجعل اسم "داعش" حاضراً في حفل العرس، إذ ردد أهازيج تندد بالتنظيم وتسخر منه، وأخرى تشيد بالقوات العراقية التي تقاتله. يؤكد العبودي لـ"العربي الجديد" أنّ "الأهازيج عادت بقوة كفنّ تراثي إلى الساحة بوجود داعش"، مشيراً إلى أنه سجل بصوته عدداً من الأهازيج لصالح إحدى شركات التسجيل "بسبب طلب الشارع هذا النوع من الفنون".
الأهازيج أناشيد وأشعار شعبية تضم المدح والهجاء والرثاء والفخر والوصف والغزل والاعتذار والحكمة. لا يصاحبها أي نوع من الآلات الموسيقية، وتعتمد في الإلقاء على المدّ الطويل للكلمات. وهي ليست واحدة في العراق، بل تختلف بحسب المناطق، فلكل منطقة تراثها من الأهازيج وطرق إلقائها.
هذه الأهازيج جعلت من لفظ "داعش" يتردد كثيراً في المدن العراقية، وازداد ذلك مذ بدأت القوات العراقية المعارك لاستعادة السيطرة على الأراضي التي احتلها. عراقيون أعربوا عن مخاوفهم من مخلفات الأهازيج الحديثة، كونها تسوّق لعبارات طائفية، وقد تحلّ محلّ الفن الغنائي العراقي الرصين. كذلك، يعتبرها مختصون تحث على العنف.
يقول الشاعر علي البياتي، الذي كتب عدة أهازيج ضد التنظيم، إنّ ذلك "نتيجة حتمية لمواجهة داعش بصور مختلفة، ومن بينها الفن والثقافة". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "الرفض الشعبي لتنظيم داعش أمر طبيعي، وهو ما استدعى ظهور أغانٍ تندد بداعش"، مشيراً إلى أنّ "داعش أيضاً تسبب بظهور جيل جديد من الشعراء الشعبيين، ففي المهرجانات الشعرية التي تقام بمناسبات مختلفة في البلاد، أرى وجوهاً جديدة على ساحة الشعر، وأغلب مواضيع هؤلاء عن تنظيم داعش".
يتابع البياتي: "بعد إلقائي مجموعة أهازيج عن داعش، عرض عليّ أكثر من استديو تسجيلها صوتياً، من بينها أهازيج تتحدث عن انتهاء داعش في العراق. وبذلك، تشير إحداها إلى العراق بعد 10 سنوات من الآن، وفيها: سمّعونا بشارة.. أبطال الغارة.. داعش شخباره.. عراق وكل احنا جنودك.. الزود البينا من زودك.. العايل لو داس حدودك.. يشوف جهنم كدامة.. واحنا لراسه حطامة.. نعجن دمه بعظامة".
شهاب حساني، الذي يدير فرقة شعبية في بغداد، يقول إنّ الأغاني والأهازيج الوطنية التي تتحدث موضوعاتها عن "داعش وانهياره، باتت نهجاً ثابتاً في الحفلات التي نقدمها". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "هذا النوع من الموسيقى بات مرغوباً فيه بشدة".
يقول مواطنون إنّ تلك الأغاني والأهازيج باتت ترافقهم أينما ذهبوا. خالد مشكور (64 عاماً) يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه حفظ الكثير من الأهازيج والأغاني من خلال سماعها في الأماكن العامة. يوضح: "في باصات النقل العام وسيارات الأجرة، وفي المقاهي والمطاعم، أسمع تلك الأغاني والأهازيج. هي مزعجة حقاً، وأغلبها يخلو من الذائقة والجمال، إنّها مجرد زعيق". يضيف ساخراً: "لكنّني بتّ أدندن تلك الأغاني مع نفسي لشدة تعلقها بالذاكرة".
أما منذر عبد اللطيف (52 عاماً) وهو مدرّس رسم، فيصف انتشار اسم "داعش" في الأهازيج والأغاني بـ"السرطان": "إن لم تعمل الجهات المسؤولة على استئصاله، فعلينا أن نحمي أبناءنا منه بأنفسنا". ويوضح عبد اللطيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الموسيقى والفنون بشكل عام إن استغلت بشكل واعٍ ومدروس فستنشئ أجيالاً واعية مثقفة، والعكس صحيح، فما نراه اليوم فوضى في الشعر والموسيقى والغناء".
يتابع: "بتنا نسمع الطفل الذي لا يتعدى عمره 7 أعوام يغني ويلقي الأهازيج وفيها كلمات القتل والذبح والسلاح وداعش والكثير من كلمات العنف، بل الأدهى أنّ الطفل يفعل ذلك أثناء لعبه". يضيف: "أحاول جاهداً أن أحسّن من مستوى ذائقة أولادي الفنية والثقافية. أرى أنّي أفلحت في حمايتهم من هذا السرطان، فهم يمقتون كلّ كلام فيه عنف، ويسمعون موسيقى عالمية".
للموسيقى دور فعال في التأثير على سلوك الأطفال وبناء شخصياتهم أو هدمها، فالصغار تستدرجهم الموسيقى اللافتة والكلام الملحن الخفيف والعبارات اللافتة، بحسب ما يشير إليه الاختصاصي في علم النفس فاروق الدليمي. يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "من الخطر ترديد كلمات مثل داعش وتفجير وقتل وسلاح وموت على مسامع الأطفال. فالصور والمشاهد والقصص والعبارات التي تترسخ في مخيلة الطفل تتطور مع نشأته، وتكون كالأساس بالنسبة إلى البناء".
يضيف: "قد يعتبر أولياء أمور أنّ إهداء أطفالهم لعبة على شكل سلاح قاتل، أو إطلاعهم على مشاهد تفجيرات وقتل، أو إسماعهم أغاني وموسيقى فيها عنف، تجعلهم أقوياء، لكنهم بذلك يحرفون تفكير الصغار ويشوهون دواخلهم، وفي ذلك خطر كبير".