"داعش" يختبر قوة الجيش اللبناني وأهل طرابلس

26 أكتوبر 2014
عناصر الجيش اللبناني في أحياء طرابلس (ابراهيم شلهوب/ Getty)
+ الخط -
لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يستمر الهدوء في طرابلس، شمالي لبنان، طويلاً. كان مختلف المعنيين في الوضع الشمالي، من الأجهزة العسكرية والأمنية والسياسيين والإسلاميين، يقولون إن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يُحضّر لعملٍ ما في طرابلس وشمال لبنان.
منذ نحو أسبوعين وصل أحد اللبنانيين من الرقة إلى طرابلس. شاب في منتصف العشرينات، غادر عبر مرفأ طرابلس إلى تركيا، ومنها إلى الرقة، حيث يتواجد الكثير من اللبنانيين، إضافة إلى أن لبنان يتبع إلى قيادة "داعش" في الرقة.
بقي الشاب في الرقة لفترة غير طويلة؛ بعدما عاد وأبلغ المعنيين في طرابلس، أن قيادة التنظيم لا ترى ضرورة فتح معركة في لبنان، لكن القرار النهائي في هذا الخصوص متروك للقيادة المدنية؛ مع الإشارة إلى عدم قدرة التنظيم على تأمين دعم لوجستي وبشري في حال اندلعت المعركة، بل سيقتصر الدعم على الإمداد المالي. أصلاً، هذا الإمداد ارتفع تدريجياً، مع تحوّل الساحة اللبنانيّة إلى ساحة مهمّة لتجنيد المقاتلين الجُدد خصوصاً الانتحاريين منهم.

في هذا الوقت كانت تتجمّع الخيوط لدى الأجهزة الأمنية، ولدى شخصيات سياسيّة. لم تكن هناك معلومات حاسمة، بل إشارات. ونتيجة لهذه الإشارات، تبيّن أن هناك مجموعة كبيرة من الخليجيين (سعوديين على وجه الخصوص) يتراوح عددها بين 70 و100 شخص، من المقاتلين المتمرسين ينتشرون في شقق في مختلف أحياء طرابلس، وفي مناطقها الهادئة والغنية والتي لا تشهد وجوداً جهادياً في العادة.

لم يكن واضحاً أين يتواجد هؤلاء بالضبط. مع الوقت، تبيّن للجيش أن قيادات هذه المجموعات، بدأت بالتحرك في عدد من المناطق الطرابلسيّة مثل المنكوبين والتبانة والأسواق القديمة. استعمل هؤلاء أسماء مستعارة تختلف في كلّ لقاء، ما جعل أجهزة الاستخبارات تدور في حلقات وتلحق بخيوط، لا تصل بها إلى أي نتيجة.
وبحسب مصادر إسلاميّة فإن هذه المجموعات تعتقد بإمكانية السيطرة على طرابلس، والتمدد خارجها، وصولاً إلى إعلان الإمارة. ويُنقل عن أحد مسؤولي هذه المجموعات من غير اللبنانيين قوله إن "400 مجاهد سيطروا على الموصل بوجه الجيش العراقي، وهذا يعني أن 300 مجاهد يستطيعون السيطرة على طرابلس".

الأخطر من انتشار هذه المجموعات، هو سحب المشايخ أيديهم من العمل في طرابلس. وبحسب أحد أبرز المشايخ الطرابلسيين فإن "الدولة وتيار المستقبل لا يُريدون لنا أن نعمل في المدينة. سحبوا من أيدينا كل عوامل القوة، فكيف لنا أن نُقنع الشباب بالاستماع لنا". ويقول شيخ آخر: "كان الحاج حسام الصباغ أبرز من يقف في وجه "داعش"؛ لاحق الشباب واحد تلو الآخر، وأقنعهم بعدم العمل مع هذا التنظيم، تعامل معهم كأبنائه وأراد حمايتهم من هذا التشدّد، فكوفئ باعتقاله". ويُضيف الشيخ، أن معظم الشبان الذين كانوا مع الصباغ ابتعدوا كثيراً وصاروا أقرب إلى "داعش" وجوابهم لمن يقول لهم بأن الصباغ لم يكن يُريد ذلك يكون: "أين هو؟ أليس سجيناً؟".

اللافت هنا، أن مختلف الشخصيات الأساسية في الدولة اللبنانيّة، سياسيين وعسكريين يقولون إن توقيف الصباغ لم يكن أفضل خطوة، لكن هؤلاء يُضيفون "لكنه أتى إلينا"، في إشارة إلى أنه مرّ على حاجز لاستخبارات الجيش. اليوم، يشعر هؤلاء المشايخ بأن السكين باتت على رقبتهم: "إذا سيطر مقاتلو "داعش" على المدينة أو على أجزاء منها فأول شيء سيقومون به هو قتلنا".

من جهته، يقول أحد المشايخ المتشددين إن هناك ظلماً كبيراً يتعرض له "شباب السنة من قبل الجيش وهذا خلق مناخاً من الحقد تجاه الجيِش، لكننا لا نرغب في حصول صدام مع الجيش لأن عدونا الأول هو حزب الله".


الاختبار الميداني

يقول أحد الضباط الرفيعين في الجيش اللبناني إن المسلحين اختاروا أكثر المناطق صعوبةً على الجيش، لكونها منطقة شعبية ومكتظة بالسكان. وبحسب المعلومات فإن هناك ما يزيد على خمسمائة عائلة تسكن في هذه الأحياء. وبحسب ضباط الجيش، فإن هناك صعوبة جدية في خوض المعارك في هذه الأحياء، "فكل قذيفة ستقتل عائلة". ويُشير ضباط إلى أن الغطاء السياسي غير موفّر بشكلٍ كامل للجيش بعد، وهناك "حاجة ضرورية لأن تتصرف كلّ القوى اللبنانية انطلاقاً من المصالح اللبنانية وليس من مصالح خاصة أو مرتبطة بدول أخرى".

في المقابل يُشير أحد المشايخ المقربين من 8 آذار، إلى أن أسوأ ما في هذه الاشتباكات أن "أغلب المقاتلين من أبناء طرابلس، وبالتالي فإن الجيش لا يستطيع الضرب بقوة، لأن مقتل عشرين منهم يعني إقامة عشرين جنازة في طرابلس وهو أمر لا تحمله المدينة ويؤدي إلى انفجار فيها".
وهذا ما دفع القوى السياسية في المدينة إلى إدارة مفاوضات بين المسلحين والجيش قضت بتأمين "طريق آمن" لهم إلى التبانة، في طرابلس مقابل إطلاق سراح أسيرين للجيش سبق أن أسرهم المسلحون خلال المعارك.

وتُشير المعلومات المتوافرة لـ"العربي الجديد" إلى أن هذه الاشتباكات تُعدّ اختباراً يقوم به المسلحون لقدرة الجيش اللبناني على الحركة والسرعة والقوة النارية، إضافةً إلى أنها اختبار لمدى تجاوب طرابلس وأهلها مع هذه المجموعات. وهو ما يؤكّده أحد وزراء طرابلس لـ"العربي الجديد" بالقول "إنه اختبار للجيش ولأهل المدينة"، لكنه يتوقع ضبط الأمور وعدم الجنوح صوب الانفجار الكبير. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي "رسائل تهنئة بالانتصار الذي حققه المجاهدون".

وعلى الرغم من عدم حصول تجاوب كبير من المدينة مع هذه المجموعات إلا بعض المشايخ، وأبرزهم داعي الإسلام الشهال (موجود في السعودية) وخالد حبلص، الذين دعوا الشباب إلى التوحد والعمل على "فك الحصار عن الأسواق وقطع الطرقات وعدم إعطاء غطاء للجيش". ويتوقّع هؤلاء مشاركة مجموعات أخرى إلى جانبهم، فضلاً عن خلاياهم النائمة، في حال استمرت المعارك. وهو الأمر الذي يخشى منه الجميع أيضاً، وقد عملت فعاليات التبانة وبعض المشايخ طوال ليل الجمعة ــ السبت على ضبط شبان التبانة والقبة ومنعهم من المشاركة في المعارك.

فهذه الاشتباكات، بدأت على خلفية انتقام عمر ميقاتي (18 عاماً) لوالده أحمد ميقاتي (أبو الهدى) الذي أوقفه الجيش قبل أيام في بلدة عاصون شمال لبنان. وميقاتي الأب يُعد من أبرز قيادات "داعش" المحليين، وقد أدلى بعدد من الاعترافات القيمة للجيش اللبناني. وتقول بعض المصادر إن توقيف ميقاتي قد يكون أربك بعض المجموعات غير اللبنانيّة لأنه يعرف مكانها وقدراتها ونواياها، لكن هذه المجموعات لا تعرف ما الذي أدلى به ميقاتي من معلومات في التحقيق. وهذا الأمر قد يدفعها إلى التحرك العسكري سريعاً، وذلك لمباغتة الجيش قبل أن يُباغتها، أو إنها قد تُقرر تغيير أماكن إقامتها وكل خططها، حتى لا تكون حركتها مكشوفة للجيش.