"داعش" والصحافيون: النفور المتبادل

28 نوفمبر 2014
ناشط في إحدى المناطق التي تسيطر عليها "داعش" (GETTY)
+ الخط -
يُودّع الصحافيّون العاملون في مناطق سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الصحافة الحرّة من الباب العريض... هذه الصحافة التي ترى أنّ الفرد يجب أن يكون حُراً في نشر ما يعتقد أنّه صحيح عبر وسائل الإعلام، وترفض الرقابة أو مصادرة الفكر. ويتجلى الهدف الرئيسي لها في مراقبة الحكومة وأنشطتها المختلفة، من أجل كشف العيوب والفساد وغيرها من الأمور، كما أنّه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمتلك الحكومة وسائل الإعلام.
مؤسسات إنتاج
على العكس من ذلك، سيترحّم الصحافيون من خلال البيانات والمواثيق التي أصدرها التنظيم على الصحافة الحرة، بل وعلى صحافة السلطة، والتي تعمل على الدفاع عن السلطة، ويتم احتكار تصاريح وسائل الإعلام، حيث تقوم الحكومة على مراقبة ما يتم نشره، كما يحظر على وسائل الإعلام نقد السلطة الحاكمة والوزراء وموظفي الحكومة، وأكثر من ذلك، أن يتم اعتبار الشخص الذي يعمل في الصحافة أو وسائل الإعلام الجماهيرية، امتيازا يمنحه الزعيم الوطني، ويتعين أن يكون ملتزماً أمام الحكومة والزعامة الوطنية.
ويبدو التنظيم من خلال تعامله مع الصحافة والإعلام منذ إعلانه "الخلافة الإسلامية" في التاسع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي، مدركاً لقيمة وأهمية الإعلام في الترويج لخدمة أهدافه ومصالحه. ولم تكن مجلة "دابق" التي تحمل مضامين رمزيّة وأيديولوجيّة، تذكر بالمعركة التي قادها السلطان العثماني سليم الأول ضد المماليك قرب حلب، ومهّدت لامتداد سيطرة العثمانيين على بلاد الشام ومصر، وحديث الرسول عن صلح الروم، ومن ثم المواجهة معهم في مرج ذي تلول، سوى غيض من فيض... ناهيك عن المصادر الرسميّة الثابتة التي تنشر أخبارها ومرئيّاتها عبرها، كمؤسستي "الفرقان"، و"الاعتصام"، و"أجناد" للإنتاج الصوتي، إضافةً إلى مركز "الحياة" للإعلام، والتي استخدمت فيها تقنيات عالية في التصوير والمونتاج والإخراج، لتسويق المعارك التي حدثت والإعدامات التي وثقت، كالفيلم الترويجي "ولو كره الكافرون"، والذي مثل نقلة نوعية في فن الإجرام.
الثواب والعقاب
ويتبع التنظيم مبدأ الثواب والعقاب في آن واحد في معاملة الصحافيين الذين يعملون في مناطقه. فمن يتتبع الميثاق الصحافي يجد صيغة أمر واضحة، وتحذيرات مبطنة لأي خرق قد يحدث.
ومن الضوابط الـ11 التي حدّدها التنظيم، لم يكن هناك سوى منفذ واحد يسمح من خلاله بتغطية الأحداث من دون الرجوع للمكتب الإعلامي في الولاية، لكن مع شرط أن يتم تذييل الخبر وتعليم الصورة باسم الصحافي أو الجهة التي غطت الخبر، والتقطت الصورة.
ويؤكد "داعش" في البند التاسع من الميثاق، أنه ستتم متابعة نشاط الصحافيين المحليين من قبل المكاتب الإعلامية. لكنه يشير إلى أن هذه الضوابط ليست نهائية، وإنما قابلة للتغيير بحسب الظروف ودرجة تعاون الصحافيين والتزامهم مع المكاتب الإعلامية، ما قد يخشى معه بمزيد من القمع والتسلط.
وعلى الرغم من صدور الميثاق الأخير، إلا أن الصحافيين لم يلتزموا بحذافيره بعد، بينما يتم التغاضي عن بعض الحالات الأخرى، حسب صحافي اشترط عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، والذي أكد في المقابل، أن "أحد أصدقائه اعتقل منذ أسبوع، بسبب التقاطه صورة انتشرت في عدد من وسائل الإعلام تظهر أطفالاً يشاهدون جثثاً معلّقة أعدمهم التنظيم، متهمين إياه بالعمالة مع هذه المواقع، وأفرجوا عنه، ثم عادوا واعتقلوه في اليوم التالي".
وميّز الناشط الإعلامي "بين نوعين من الصحافيين حالياً: الأول يكتب باسم مستعار، ويهاجم داعش علناً، بينما يكتب الثاني في ظل سلطة التنظيم، في حين أن هناك نوعاً ثالثاً انقرض منذ فترة، وهو من يعمل بشكل مستقل".
كما أشار ناشط آخر من مدينة الرقة، معقل التنظيم في سورية، إلى أنه "يستخدم تطبيق "الفايبر" فقط في عمله وينشر باسم مستعار، ويحذف المحادثة على "فيسبوك" كلما كتب شيئاً، لأنه لو علم التنظيم به، فسيقطعون رأسه".
على الجانب الآخر، وبما أن الشرط الأول للميثاق أن يكون المراسلون ممن بايعوا خليفة المسلمين، فإن مبايعة الصحافي ستؤمن له بطاقة شخصية لا يعترضه فيها أحد، حسب ما أكد مراسل وكالة محلية في مدينة دير الزور، ويدعى أبوإسلام لـ"العربي الجديد".
ويلفت أبوإسلام إلى شروط أخرى غير معلنة في البيان، منها: وجوب ذكر اسم دولة الإسلام أو دولة الخلافة، ولا يجوز قول تنظيم أو "داعش"، وجوب إرسال جميع مقاطع الفيديو المصوّرة، حتى لو كانت حالات إنسانية، أو قصف أو دمار، إلى المكتب الإعلامي لمدينة دير الزور ("ولاية الخير" كما يُسمّيها التنظيم) قبل نشرها وتوزيعها.
ترك العمل الصحافي
ويبقى الأهم من ذلك كله، هجرة الصحافيين من مناطق سيطرة "داعش" إلى الخارج، بسبب القيود الصارمة، إذ يقول المسؤول الإعلامي نفسه، "كان هناك أكثر من 50 إعلامياً موجودين داخل مدينة دير الزور، بينهم مستقلون وتابعون لوسائل إعلام أو فصائل، ولم يعد هناك سوى 13 إعلامياً بعد دخول التنظيم المدينة، بسبب هذه الشروط"، بينما قرر أبوبكر السفر إلى تركيا بعد ملاحقته في الرقة، إذ قال لـ"العربي الجديد" إنه " اضطر إلى الخروج مع أسرته قبل نحو أربعة أشهر من مدينة الرقة، لأنّ عناصر الدولة حاولوا اعتقاله، والجميع يعلم أنّ من يعتقل من قبل التنظيم، فهو في عداد الموتى".
وفي السياق ذاته، قرر أحد الناشطين العاملين في مناطق سيطرة التنظيم ترك العمل الصحافي، والجلوس في البيت، بعد شن داعش حملة اعتقالات وتفتيش على الإعلاميين، وكان من بين الأسماء المطلوبة، إذ "حاولوا اعتقاله مرّتين، لكنّه تمكن من الهرب، وظل عناصر التنظيم يلاحقونه، إلى أن أرسلوا له خبراً للمبايعة أو كتابة تعهد بترك العمل الإعلامي وتسليم المعدات، لشطب اسمه من لائحة المطلوبين، ولذا اضطر إلى تسليم كامل معداته الإعلامية من لاب توب وكاميرا، وقال لهم إنه قرر أن يجلس في البيت، وترك الثورة لهم"، بحسب ما قال لـ"العربي الجديد".
وما يثير المخاوف أيضاً، أن تتأثر بعض وسائل الإعلام المحسوبة على "الجيش الحر" بمعارك التنظيم والإبهار البصري الذي يُقدّمه للجمهور، وهو ما حدث مع القناة الوحيدة الناطقة بلسان "الجيش السوري الحر"، إذ برّر المدير العام للقناة يوسف القسام، أمراً إدارياً سربه ناشطون يقضي بمنع العاملين في القناة من استخدام لفظ "داعش" للإشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، بالتماشي مع "التقدم الملموس لمجاهدي الدولة الإسلامية"، مهدداً هو الآخر بفصل أي موظف في الفضائية، في حال قام هذا الموظف أو الإعلامي العامل في القناة باستخدام لفظ "داعش" أو لفظ "تنظيم الدولة الإسلامية" أثناء إعداده أو تقديمه مواد صحافية لصالح الفضائية أو الموقع الإلكتروني الخاص بها".
المساهمون