بكُل "احتراف" يتعامل تنظيم "الدولة الإسلاميّة" الإرهابي معنا. هي حربٌ إعلاميّة من الدرجة الأولى خاضها منذ انطلاقته، مستعملاً كُلّ الوسائل: من الإعلام المرئي على الشبكة، إلى الإعلام المطبوع، بغية الوصول إلى أكبر شريحة من "الجمهور". فبثّ الإرهاب، على طريقة "داعش" له تأثيرات نفسيّة كبيرة، من زرع الشعور بالخوف، إلى تعظيم شأنه، وصولاً إلى تجنيد مقاتلين.
أمام كُلّ هذا، تعاطى الإعلام العالمي مع الموضوع بخفّة. فبدل أن تنتشر دعاية إعلاميّة مقابلة ومجابهة لدعاية "داعش"، ساهم الإعلام في نشر دعاية التنظيم.
مع قتل الرهينة الأميركي، الصحافي جايمس فولي، بثّت وسائل إعلاميّة حول العالم الفيديو. البعض منها سرعان ما عرف الخطأ الفادح الذي اقترفه، فتراجع عن نشر الصور والفيديوهات، وذهب إلى نشر المشاهد الأقل عنفاً مع إعدام الرهائن الآخرين، واستضافة محلّلين إعلاميين ونفسيين وخبراء بموضوع الإرهاب. واختارت بعض وسائل الإعلام عدم استعمال كلمة "إرهاب" للإشارة إلى التنظيم، مع العلم أنّ نفس هذه الوسائل استخدمت التعبير للإشارة إلى العراقيين خلال الاجتياح الأميركي للعراق، وكذلك استخدمته ضد الفلسطينيين رغم الجرائم الإرهابيّة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي ضدّهم.
يستمرّ هذا السجال بالتعاظم، وخصوصاً بعد بثّ فيديوهات قتل رهائن عرب، من غير السوريين، وكذلك لم يتفاعل الإعلام مع إعدام التنظيم لعراقيين - وهو ما يحصل يومياً تقريباً.
وبعد بثّ "داعش" الفيديو الوحشي لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً، عرضت بعض وسائل الإعلام الفيديو، وكان أبرزها قناة "فوكس نيوز" الأميركيّة، والتي برّرت الأمر بأنّه "فضح لإرهاب المسلمين". وكان الإعلام الأردني أكثر إنسانيّة في تغطية الموضوع، فأطلق أردنيّون صرخات لمنع انتشار الفيديو، احتراماً لمشاعر ذوي الكساسبة.
لكنّ جريمة قتل 21 مصرياً قبطياً في ليبيا، قلبت المعايير المهنيّة رأساً على عقب. بدا الإعلام منفعلاً لأنّ الضحايا كانوا من المسيحيين، وليس لأنهم بشرًا، ولا لأنها جريمة وحشية. وفي مصر، تعرّف الإعلام لأوّل مرة على "جرائم داعش"... ذلك التنظيم الذي نشر بطشه في كُلّ الدول العربية، وعانى السوريون والعراقيون كثيراً من ممارساته، لم يتعرف عليه الإعلام المصري إلا بعد أن مسّته الحادثة.
عقب ذلك، انتشر "جنون" العودة إلى عهد عبدالناصر. فجأةً، أصبح الإعلام المصري حربياً. اجتمع كُلّ مقدمي البرامج على الفضائيّات المصريّة على السخرية الواضحة من مطالب المصريين الاقتصاديّة، وبالعيش الكريم، ليتحدثوا عن "الحرب على الإرهاب".
وكان لافتاً أنّ هؤلاء الإعلاميين، قالوا: "أنا لو جيشي طلب منّي هشارك فوراً في الحرب على الإرهاب"... حربٌ خاضها هؤلاء عبر فضائيّات عرضت فيديو الذبح بوحشيّته، ونشرت الرعب بين المصريين - تماماً كما يُخطّط التنظيم عندما يرفع هذه الفيديوهات على الشبكة. فكانت تلك التصرفات، بمثابة خدمة مباشرة للتنظيم في نشر دعايته.
هذا الجنون، وصل أيضاً إلى المواقع الإلكترونيّة. بعضها قرّر نشر روابط فيديو الذبح. البعض الآخر، ذهب إلى التحليل. أحد المواقع المصريّة، نشر خبراً عن "8 أشياء تؤكد أن "داعش" صنيعة أميركيّة". موقع آخر، حدّثنا عن "الأسباب النفسيّة وراء صمت وهدوء الضحايا قبل إعدامهم"... متناسياً ربّما أنّ هؤلاء محاطون بمجرمين مدجّجين بالسلاح، وينتظرون ذبحهم. كما نشر أحد المواقع خبراً عن أنّ "داعش" يُخطّط لإعدام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في محاكاةٍ لنظريّة المؤامرة بشكل مباشر وحصري.
هنا أيضاً، برزت مواقع إلكترونيّة غير معروفة، فنشر مثلاً أحد المواقع خبراً عن "تحديد موقع ذبح المصريين" من خلال صور مقتطعة من الفيديو، وتُظهر وجود شجرة نخيل واحدة خلف مُوجّه الرسالة من التنظيم. فجزم الموقع الإلكتروني أنّ ذلك حصل في مدينة سرت. الموقع نفسه، حدّثنا عن أنّ فتاةً شاركت "داعش" في ذبح المصريين، معتمداً على صورة أحد عناصر التنظيم "الأقل رجولةً بمظهره" عن زملائه الإرهابيين! وتناسى الموقع طبعاً، أنّ "داعش" تعتمد شريعة تُحرّم على النساء الاختلاط بالرجال بهذه الطريقة.
وكانت السقطة الكبرى، حينما انتشر خبر يقول إنّ التنظيم "أعدم عدداً من مقاتليه بعدما مارسوا العادة السرية بيدهم اليُسرى". خبرٌ مضحك وساذج انتشر بسرعة على الشبكة، وحاز اهتمام المستخدمين، لتنطلق السخرية من الإعلام والتنظيم في آن واحد.
إلا أنّ السخرية على الشبكة، في ما يعتبره البعض "كوميديا سوداء"، ذهب إلى منحى آخر، كان فيه قلّة احترام موصوفة لضحايا التنظيم الإرهابي. فاستعمال الكوميديا نفسها التي تُستخدم ضد الأنظمة أمر غير مضحك، ولا يؤدي نفس الدور.
على سبيل المثال، انتشر شريط فيديو على "فيسبوك"، على صفحة I think Magazine، يسخر من تصوير "داعش" لذبح الرهائن. هكذا، صوّر الفيديو أحد عناصر "داعش" وأحد الضحايا الذي يرتدي البدلة البرتقاليّة - بدلة الإعدام - وهو يُخطئ في النصّ، ويتلعثم في لفظ الكلمات باللغة الإنكليزيّة، فيقطع المخرج المشهد عليه، بينما يُساعد أحد الضحايا، جلاّده، في لفظ الكلمات ليتمّ تصوير المشهد. ثم يُحاول عنصر "داعش" في الفيديو ذبح الرهينة، لكنّه يجرح إصبعه بالسكين.
رسوم كاريكاتوريّة انتشرت أيضاً في المجال نفسه. فكانت صورة تُحاكي الرسوم الكارتونيّة "تان تان وميلو" في العراق وسورية، بينما يكون "تان تان" رهينةً بيد "داعش" ويرتدي بدلة الإعلام. أما ذروة تلك الرسوم، فكانت مع أحد الرسامين المصريين، الذي رسم علم مصر يُمسك إرهابياً من "داعش"، بينما النسر في علم مصر يُزيل ملابس الإرهابي، ليكشف عن مؤخّرته.
على المقلب الآخر، انتشر شريط فيديو لمنصّة "جو تيوب"، يسخر فيه من كلام الإعلام المصري، ليقول "نحن لا نسمح لإرهابي أن يقتلنا.. نحن المصريين نقتل بعضنا فقط"، ويضيف: "الجيش المصري بدل ما يضرب الإرهاب في سيناء، راح ضربه في ليبيا".
ما حصل بعد قتل "داعش" للرهائن المصريين، في الإعلام وعلى الشبكة، كان جنوناً موصوفاً، ولم يكن فيه حسابات لأبعاد ما نُشر وما قيل. الأمر هذا، لم يحصل عندما قتلت "داعش" رهائن من الجيش اللبناني، حينما لم ينشر الإعلام الفيديوهات، كما لم تنتشر السخرية من التنظيم، بل الغضب من أفعاله.
ربّما، قد يبدو للبعض، من السذاجة القول إن عدم نشر فيديوهات "داعش" سيقلّل من إرهابه. فعدم نشر الفيديوهات لا يعني أنّ الإرهاب ليس موجوداً... لكنّ من المهين أيضاً رمي كل هذا العنف على الشاشات ومواقع التواصل إن لم يكن مقاطعة لـ"داعش"، فعلى الأقل، احتراماً لأرواح الضحايا.
كُلّ هذا يعيدنا إلى نقطة البداية، حيث الأسئلة عن دور الإعلام في العالم العربي، ومحاربته لأفكار التنظيم الإرهابيّة ورسائله، بدل من أن يخدم دعايته... أمرٌ، يبدو أنّ الإعلام لم يُفكّر فيه بعد، ولم يطرح تساؤلات جديّة لدى المشاهدين، ومستخدمي الشبكة، أو الناشطين الساخرين.
أمام كُلّ هذا، تعاطى الإعلام العالمي مع الموضوع بخفّة. فبدل أن تنتشر دعاية إعلاميّة مقابلة ومجابهة لدعاية "داعش"، ساهم الإعلام في نشر دعاية التنظيم.
مع قتل الرهينة الأميركي، الصحافي جايمس فولي، بثّت وسائل إعلاميّة حول العالم الفيديو. البعض منها سرعان ما عرف الخطأ الفادح الذي اقترفه، فتراجع عن نشر الصور والفيديوهات، وذهب إلى نشر المشاهد الأقل عنفاً مع إعدام الرهائن الآخرين، واستضافة محلّلين إعلاميين ونفسيين وخبراء بموضوع الإرهاب. واختارت بعض وسائل الإعلام عدم استعمال كلمة "إرهاب" للإشارة إلى التنظيم، مع العلم أنّ نفس هذه الوسائل استخدمت التعبير للإشارة إلى العراقيين خلال الاجتياح الأميركي للعراق، وكذلك استخدمته ضد الفلسطينيين رغم الجرائم الإرهابيّة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي ضدّهم.
يستمرّ هذا السجال بالتعاظم، وخصوصاً بعد بثّ فيديوهات قتل رهائن عرب، من غير السوريين، وكذلك لم يتفاعل الإعلام مع إعدام التنظيم لعراقيين - وهو ما يحصل يومياً تقريباً.
وبعد بثّ "داعش" الفيديو الوحشي لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً، عرضت بعض وسائل الإعلام الفيديو، وكان أبرزها قناة "فوكس نيوز" الأميركيّة، والتي برّرت الأمر بأنّه "فضح لإرهاب المسلمين". وكان الإعلام الأردني أكثر إنسانيّة في تغطية الموضوع، فأطلق أردنيّون صرخات لمنع انتشار الفيديو، احتراماً لمشاعر ذوي الكساسبة.
لكنّ جريمة قتل 21 مصرياً قبطياً في ليبيا، قلبت المعايير المهنيّة رأساً على عقب. بدا الإعلام منفعلاً لأنّ الضحايا كانوا من المسيحيين، وليس لأنهم بشرًا، ولا لأنها جريمة وحشية. وفي مصر، تعرّف الإعلام لأوّل مرة على "جرائم داعش"... ذلك التنظيم الذي نشر بطشه في كُلّ الدول العربية، وعانى السوريون والعراقيون كثيراً من ممارساته، لم يتعرف عليه الإعلام المصري إلا بعد أن مسّته الحادثة.
عقب ذلك، انتشر "جنون" العودة إلى عهد عبدالناصر. فجأةً، أصبح الإعلام المصري حربياً. اجتمع كُلّ مقدمي البرامج على الفضائيّات المصريّة على السخرية الواضحة من مطالب المصريين الاقتصاديّة، وبالعيش الكريم، ليتحدثوا عن "الحرب على الإرهاب".
وكان لافتاً أنّ هؤلاء الإعلاميين، قالوا: "أنا لو جيشي طلب منّي هشارك فوراً في الحرب على الإرهاب"... حربٌ خاضها هؤلاء عبر فضائيّات عرضت فيديو الذبح بوحشيّته، ونشرت الرعب بين المصريين - تماماً كما يُخطّط التنظيم عندما يرفع هذه الفيديوهات على الشبكة. فكانت تلك التصرفات، بمثابة خدمة مباشرة للتنظيم في نشر دعايته.
هذا الجنون، وصل أيضاً إلى المواقع الإلكترونيّة. بعضها قرّر نشر روابط فيديو الذبح. البعض الآخر، ذهب إلى التحليل. أحد المواقع المصريّة، نشر خبراً عن "8 أشياء تؤكد أن "داعش" صنيعة أميركيّة". موقع آخر، حدّثنا عن "الأسباب النفسيّة وراء صمت وهدوء الضحايا قبل إعدامهم"... متناسياً ربّما أنّ هؤلاء محاطون بمجرمين مدجّجين بالسلاح، وينتظرون ذبحهم. كما نشر أحد المواقع خبراً عن أنّ "داعش" يُخطّط لإعدام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في محاكاةٍ لنظريّة المؤامرة بشكل مباشر وحصري.
هنا أيضاً، برزت مواقع إلكترونيّة غير معروفة، فنشر مثلاً أحد المواقع خبراً عن "تحديد موقع ذبح المصريين" من خلال صور مقتطعة من الفيديو، وتُظهر وجود شجرة نخيل واحدة خلف مُوجّه الرسالة من التنظيم. فجزم الموقع الإلكتروني أنّ ذلك حصل في مدينة سرت. الموقع نفسه، حدّثنا عن أنّ فتاةً شاركت "داعش" في ذبح المصريين، معتمداً على صورة أحد عناصر التنظيم "الأقل رجولةً بمظهره" عن زملائه الإرهابيين! وتناسى الموقع طبعاً، أنّ "داعش" تعتمد شريعة تُحرّم على النساء الاختلاط بالرجال بهذه الطريقة.
وكانت السقطة الكبرى، حينما انتشر خبر يقول إنّ التنظيم "أعدم عدداً من مقاتليه بعدما مارسوا العادة السرية بيدهم اليُسرى". خبرٌ مضحك وساذج انتشر بسرعة على الشبكة، وحاز اهتمام المستخدمين، لتنطلق السخرية من الإعلام والتنظيم في آن واحد.
إلا أنّ السخرية على الشبكة، في ما يعتبره البعض "كوميديا سوداء"، ذهب إلى منحى آخر، كان فيه قلّة احترام موصوفة لضحايا التنظيم الإرهابي. فاستعمال الكوميديا نفسها التي تُستخدم ضد الأنظمة أمر غير مضحك، ولا يؤدي نفس الدور.
على سبيل المثال، انتشر شريط فيديو على "فيسبوك"، على صفحة I think Magazine، يسخر من تصوير "داعش" لذبح الرهائن. هكذا، صوّر الفيديو أحد عناصر "داعش" وأحد الضحايا الذي يرتدي البدلة البرتقاليّة - بدلة الإعدام - وهو يُخطئ في النصّ، ويتلعثم في لفظ الكلمات باللغة الإنكليزيّة، فيقطع المخرج المشهد عليه، بينما يُساعد أحد الضحايا، جلاّده، في لفظ الكلمات ليتمّ تصوير المشهد. ثم يُحاول عنصر "داعش" في الفيديو ذبح الرهينة، لكنّه يجرح إصبعه بالسكين.
رسوم كاريكاتوريّة انتشرت أيضاً في المجال نفسه. فكانت صورة تُحاكي الرسوم الكارتونيّة "تان تان وميلو" في العراق وسورية، بينما يكون "تان تان" رهينةً بيد "داعش" ويرتدي بدلة الإعلام. أما ذروة تلك الرسوم، فكانت مع أحد الرسامين المصريين، الذي رسم علم مصر يُمسك إرهابياً من "داعش"، بينما النسر في علم مصر يُزيل ملابس الإرهابي، ليكشف عن مؤخّرته.
على المقلب الآخر، انتشر شريط فيديو لمنصّة "جو تيوب"، يسخر فيه من كلام الإعلام المصري، ليقول "نحن لا نسمح لإرهابي أن يقتلنا.. نحن المصريين نقتل بعضنا فقط"، ويضيف: "الجيش المصري بدل ما يضرب الإرهاب في سيناء، راح ضربه في ليبيا".
ما حصل بعد قتل "داعش" للرهائن المصريين، في الإعلام وعلى الشبكة، كان جنوناً موصوفاً، ولم يكن فيه حسابات لأبعاد ما نُشر وما قيل. الأمر هذا، لم يحصل عندما قتلت "داعش" رهائن من الجيش اللبناني، حينما لم ينشر الإعلام الفيديوهات، كما لم تنتشر السخرية من التنظيم، بل الغضب من أفعاله.
ربّما، قد يبدو للبعض، من السذاجة القول إن عدم نشر فيديوهات "داعش" سيقلّل من إرهابه. فعدم نشر الفيديوهات لا يعني أنّ الإرهاب ليس موجوداً... لكنّ من المهين أيضاً رمي كل هذا العنف على الشاشات ومواقع التواصل إن لم يكن مقاطعة لـ"داعش"، فعلى الأقل، احتراماً لأرواح الضحايا.
كُلّ هذا يعيدنا إلى نقطة البداية، حيث الأسئلة عن دور الإعلام في العالم العربي، ومحاربته لأفكار التنظيم الإرهابيّة ورسائله، بدل من أن يخدم دعايته... أمرٌ، يبدو أنّ الإعلام لم يُفكّر فيه بعد، ولم يطرح تساؤلات جديّة لدى المشاهدين، ومستخدمي الشبكة، أو الناشطين الساخرين.