أعاد إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تبنيه لمحاولة تفجير انتحاري استهدف مركزا للأمن وسط مدينة قسنطينة، بعد تبنيه لاغتيال شرطي في نفس المدينة في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طرح تساؤلات عن حقيقة تواجد خلايا موالية لتنظيم "داعش" في البلاد، وما إذا كان التنظيم يحاول حجز مكان له وسط الجماعات المسلحة في الجزائر.
وكان تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، حتى سبتمبر/أيلول 2014، التنظيم المسلح الوحيد الذي استمر بنشاطه في الجزائر، بعدما نشأ على أنقاض الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وبعد أن انذثرت تنظيمات صغيرة كتنظيم "حماة الدعوة السلفية"، الذي كان نشاطه محدودا في منطقة الغرب الجزائري.
وفي هذه الفترة كان تنظيم "داعش" يتمدد في عدة دول، بما فيها الدول التي لم تكن تشهد "أنشطة إرهابية"، لكن الصراع المعلن بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" انعكس على ساحة التنظيمات المسلحة في الجزائر أيضا، حيث شكلت سيطرة تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، في العقد الأخير، على ساحة نشاط الجماعات المتطرفة في المنطقة، عائقاً أمام بروز تنظيمات أخرى كتنظيم "داعش".
ومقارنةً بالدول التي شهدت وجود تنظيمات فرعية موالية لـ"داعش"، فالجزائر لم تعرف وجوداً لـ"داعش" حتى سبتمبر/أيلول 2014، حين أعلنت مجموعة مسلحة محدودة العدد كانت تنتمي إلى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" انشقاقها عن التنظيم بسبب ما وصفته بـ"حياد التنظيم عن النهج الجهادي"، لتعلن عن تأسيس تنظيم "جند الخلافة"، وتعلن عن موالاتها لتنظيم "داعش" ومبايعتها زعيمه أبو بكر البغدادي.
ولم يمر أكثر من أسبوعين على إعلان "جند الخلافة" الانشقاق عن "القاعدة"، حتى نفّذ التنظيم أول عملية له في منطقة البويرة (120 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائرية)، إذ أقدم في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 على اختطاف الفرنسي، هيرفي غوردال، الذي كان يقوم بتدريب رياضيين جزائريين في رياضة تسلق الجبال، قبل أن يعلن "جند الخلافة" عن إعدامه في وقت لاحق، في طريقة كانت تحاول محاكاة طريقة تنظيم "داعش" في إعدام رهائنه.
إعلان "جند الخلافة" عن نفسه وتنفيذ أولى عملياته، أتاح الفرصة لقوات الجيش والأمن لتحديد مناطق تمركز هذا التنظيم وتوجيه ضربة قاصمة له، ففي مارس/آذار عام 2015، قضت قوات الجيش على الجسم الرئيس لهذا التنظيم، حيث قتلت 24 مسلحا من التنظيم، بينهم أميره عبد المالك قوري.
ولم ينجح التنظيم في بناء أية صلة مع"داعش" في الخارج، ولم يتح الضغط العسكري الفرصة له للتحرك على صعيد الدعاية وتجنيد الشباب، في ظل الرقابة الأمنية والاستخباراتية المشددة عل شبكات التجنيد والمساجد ومواقع الإنترنت، إذ ساهمت التجربة الدامية في الجزائر قبل نحو عقدين في ردع الشباب عن الالتحاق بصفوف التنظيم أو بصفوف تنظيم "داعش" في سورية وليبيا وغيرها.
بحسب أرقام رسمية أعلن عنها وزير الخارجية الجزائري، رمضان لعمامرة، فإن عدد الجزائريين الذين التحقوا بتنظيم "داعش" لا يزيد عن 100 شاب، أغلبهم جزائريون كانوا يقيمون في دول غربية، كما أن تمركز كتيبة "عقبة بن نافع" الموالية لتنظيم "القاعدة" في منطقة الشعانبي في تونس، وتمركز تنظيم "المرابطون" الموالي لتنظيم "القاعدة" في منطقة الجنوب، أغلق أيضا الباب أمام الموالين لـ"داعش" لبناء أية صلات لهم شرقا وجنوبا.
كما منع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تنظيم "جند الخلافة"، من الخروج من منطقة تركزه الأولى في البويرة (120 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائرية).
وبالتالي أخفق تنظيم "داعش" في بناء جسم تنظيمي له في الجزائر، في مقابل استمرار تنظيم "القاعدة" بتفرده بساحة التنظيمات المتطرفة في الجزائر، الأمر الذي دفع تنظيم "داعش" إلى الاعتماد على "ذئاب منفردة" أو خلايا صغيرة محدودة العدد في نشاطه في الجزائر، إذ يمكن لتنظيم "داعش" تجنيد عدد محدود من العناصر عبر الإنترنت.
وتكشف التحقيقات الأمنية وجود ثلاث خلايا محدودة لا يتجاوز عدد عناصرها الثلاثة اكتشفت في مدن شرقي الجزائر، حيث تم اكتشاف خلية في مدينة باتنة التي تم بها اعتقال عنصرين اثنين، وخلية في مدينة عنابة حيث تم إحباط محاولة استهداف كنيسة أوغسطين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إضافة إلى الخلية التي تتحرك في منطقة قسنطينة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقد يكون لتمركز هذه الخلايا المحدودة العدد في مناطق عنابة وباتنة وقسنطينة، والتي تقع كلها شرقي الجزائر قرب الحدود مع تونس وليبيا، صلة بمسألة تزودها بالأسلحة من تونس أو ليبيا.
ولا توجد تخوفات في الجزائر من وجود نشاط جدي لتنظيم "داعش"، وتبدو بيانات تبنيه لبعض العمليات في الفترة الأخيرة، أقرب إلى الدعاية ومحاولة إعلان وجوده، من كونها إثباتاً فعليا على تواجده في الساحة، خاصة أن الجزائر تتوجه في السنتين الأخيرتين نحو إنهاء وتفكيك نهائي للمجموعات المسلحة المتطرفة.