"خطّة معركة" أوروبية شاملة لمكافحة الإرهاب

22 فبراير 2015
تشديد الإجراءات على المسافرين وطالبي اللجوء والإقامات (محمدت كمان/الأناضول)
+ الخط -
بعد اجتماعات متتالية تخللتها نقاشات بين وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي، وُلدت الخطة الأمنية لمكافحة الإرهاب التي أقرّها قادة الاتحاد الأوروبي قبل حوالي أسبوع؛ وكانت مُحكمة من مختلف النواحي، ووصفت بـ"خطة المعركة".

وكان لافتاً عدم الإعلان عن تفاصيل تلك الخطة باستثناء بعض التسريبات الإعلامية. غير أنّ إجراءاتها تُظهر أنها مزيج من الخطوات السياسية والتدابير العملية، بدءاً من توفير الخدمات الأساسية والتعاون الأمني والاجتماعي، ومواجهة الدعاية الإعلامية للتنظيمات الإرهابية وصولاً إلى تجفيف مصادر التمويل ومكافحة الخطر الناجم عن عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم الأوروبية، ومراقبتهم ومداهمة أماكن تواجدهم عبر خطط الرصد المتبعة، يضاف إلى ذلك مراقبة الحدود.
وقدّمت الخطة أيضاً تمويلاً إضافياً للعامين المقبلين قيمته مليار يورو. وتجمع الاستراتيجية الجديدة المبادرات التي يتم التخطيط لها داخل الكتلة الأوروبية بهدف تعزيز حضورها في مجال جهود الإغاثة وتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة، إلى جانب التصدي لتهديد الجماعات الإرهابية عبر اعتماد دعاية مضادة للجماعات "الجهادية"، يقع في سياقها بث مقابلات لمقاتلين تائبين عائدين من سورية والعراق ومناطق نزاع أخرى.

ونصّت الخطة الأوروبية على إنشاء مجموعة استشارية جديدة للدول الأعضاء، ومقرّها بلجيكا دورها توفير "إجابات فورية" لأسئلة حول أشخاص مشتبه بهم، وهذا ما كشفه في تصريح صحافي منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، جيل دي كيرشوف.

على المستوى الإلكتروني، كرّست الخطة مراقبة شبكات الإنترنت ومنها محرك البحث "غوغل"، إضافة إلى وسائل الاتصال المجانية عبر الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي. وقد بدأت المفوضية الأوروبية بتنفيذ الخطة عبر الاجتماع مع ممثلي تلك الشبكات وموزعي الخدمات من أجل إغلاق حسابات "المقاتلين" وحذف الصور الدعائية لهذه الجماعات والتي يتم اعتمادها من أجل استقطاب الشباب وتجنيدهم. وأُنيطت هذه المهمة بالشرطة الجنائية الأوروبية "يوروبول"، مشددين على ضرورة التحرك ككتلة واحدة وليس بصورة فردية.

إلى جانب ذلك، تضمنت الخطة زيادة التعاون المعلوماتي، وذلك عبر تعزيز جمع وتبادل المعلومات داخل الاتحاد الأوروبي وجعل مراقبة مواطنيه إلزامية لدى مغادرتهم مجال شينغن ودخولهم إليه، وتسهيل أعمال المراقبة العشوائية داخل أراضي الاتحاد ووضع سجل أوروبي لمعطيات ركاب الطائرات بهدف  متابعة تنقلات المشتبه بهم.
غير أن هذا الموضوع قابله تحفظات من القضاء والنواب الأوروبيين واصفين الأمر بـ"المهزلة". وهذا ما دفع قادة الاتحاد إلى التعهد بالقيام بكل ما هو ممكن "لوضع ملف أوروبي للركاب الجويين مع نهاية العام". لكنهم طلبوا من الحكومات أن تضمن حماية كافية للبيانات الشخصية. وهو ما أشار إليه الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بقولها إن "وضع سجل أوروبي لمعطيات المسافرين أمر عاجل ومشروع، أرادت تنفيذه الدول الأعضاء لكنه معطل منذ 2011 من قبل البرلمان الأوروبي".

ويتوقع أن يبدأ تعقب المطلوبين في أماكن النزاع، ومنها العراق وسورية واليمن وشمال أفريقيا، عبر فتح قنوات للتعاون الاستخباري وتبادل المعلومات مع دول المنطقة حول المقاتلين الأجانب.
وكان هناك طلب لمراجعة اتفاقيات الاتحاد الأوروبي وأبرزها اتفاقية "شنغن"، التي تمنع فرض المراقبة المنهجية، ووضع تعديلات أو تفسيرات للتدابير والقوانين القائمة حالياً، إذ تسعى الدول إلى فرض مراقبة على حدود دول "شنغن" الـ26، خصوصاً في المطارات. غير أن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، اعتبر أن هذا الموضوع  حساس، وأكد أن "شنغن جزء من الحل وليس جزءاً من المشكلة"، معتبراً أنه يجب أولاً "استغلال التدابير الموجودة إلى أقصى حد ممكن، بدون إضافة قواعد أو تدابير جديدة إلى الاتفاقيات". وكان للرئيس الفرنسي  فرانسوا هولاند  رأي آخر مؤكداً أنه "إذا أردنا الاحتفاظ بشنغن يجب أن تكون الحدود الخارجية وسيلة لمراقبة حركة الدخول والخروج". وأقرّ بأن "تغيير تلك القواعد يستغرق وقتاً".
وتطرقت الخطة إلى إعادة فهم وتعريف وضوابط إنشاء ونشاط الجمعيات الإسلامية الناشطة في أوروبا، بعدما تبين أن العديد منها تجاوزت حدود النشاط المسموح به ضمن قانون الجمعيات، وإعادة تصويب عملها.
وشددت الخطة على أهمية مراجعة القوانين والقرارات التي تحد من عمل أجهزة الأمن لمراقبة المطلوبين أو المحتمل أن يكونوا إرهابيين، وإعطائهم هامشاً أوسع للتحرك، خصوصاً أن المعلومات تصل بالتواتر وأصبح من الواجب التعاطي معها بحزم. وهذاما لفت إليه وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف منتقداً تحرك الأوروبيين تجاه محاربة الإرهاب بالقول "كان تحركنا بطيئاً للغاية"، في إشارة إلى معارضة بريطانيا لتعديل وتفسير التشريعات والقوانين المعمول بها ضمن الاتحاد الأوروبي لا سيما إنشاء سجل أوروبي لمعلومات الركاب.

وسيتم التضييق من خلال الخطة على طالبي اللجوء والإقامة عبر فرض إجراءات جديدة، بعدما تبين أن هناك بعض الأشخاص ينشطون لصالح تلك المجموعات الإرهابية. إضافة إلى اتخاذ إجراءات استباقية استخباراتية في تعقب المشتبه بهم وخطوات  تنفيذية ضدهم، وإعادة النظر بمهام دوريات الشرطة.
 وستكون أجهزة الاستخبارات الأوروبية في صلب عمل الخطة، بحيث يتم التركيز على تعزيز أمن المعلومات لتحصينها ضد الاختراق والتسريب، بعدما شهدت هولندا فضيحة تسريب وثائق تخص جهاديين ونشرت على الإنترنت من قبل الجماعات "الجهادية" نفسها.
ويقدّر الاتحاد الأوروبي عدد مواطنيه الذين انضموا إلى صفوف الحركات المسلّحة في سورية والعراق ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف شخص.
وكانت الحكومة الألمانية قد وافقت قبل أكثر من أسبوعين على مشروع قانون ينص على تجريم عمليات تمويل الإرهاب وسفر المتشددين إلى معسكرات التدريب على الإرهاب، وذلك للحؤول دون وصول الدعم المادي والبشري للجماعات الإرهابية.