"خطر" المهاجرين يستنفر بريطانيا: هل يدخل الجيش "الحرب"؟

05 اغسطس 2015
بريطانيا وفرنسا فشلتا في إيجاد حلّ للأزمة (فرانس برس)
+ الخط -

 

وجد رئيس الحكومة ديفيد كاميرون حدود بلاده مهددة من "زحف أسراب" من المهاجرين المستعدين للموت على طريق الوصول إلى "ملاذ آمن" في بريطانيا، متحدثاً عن ضرورة التحرك لحماية الحدود في وجه خطر خارجي، في واحدة من المرات القليلة التي يتحدث فيها رئيس وزراء بريطاني عن خطر كهذا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويُشكّل إعلان منظمة الهجرة الدولية عن مقتل أكثر من ألفي مهاجر هذا العام، تأكيداً على حجم هذه المشكلة التي تواجهها الدول الأوروبية خصوصاً. وقال المتحدث باسم منظمة الهجرة ايتاري فيري، أمس الثلاثاء، للصحافيين في جنيف، "إن أكثر من ألفي مهاجر ولاجئ لقوا حتفهم بحلول نهاية الأسبوع الماضي اثناء محاولتهم عبور المتوسط فيما تم انقاذ حوالى 188 ألف شخص هذا العام".

كاميرون الذي تعهّد بمواجهة هذا "الزحف" من اللاجئين غير الشرعيين المتسربين من الحدود الفرنسية، وجد نفسه في مواجهة ضغوط داخلية، تزيد من ورطته، منها ما يطالبه بنشر الجيش لمساعدة قوات الشرطة وأجهزة الأمن في ضبط الحدود وتأمين "نفق المانش" الرابط بين الجزيرة البريطانية وفرنسا، ومنها من يعتبر أن حكومة لندن تبالغ في مواجهة أزمة لم تصل إلى حد التهديد المباشر أو الحقيقي للأمن القومي، وبالتالي لا تستدعي كل هذا الاستنفار السياسي والأمني.

ومع فشل الحكومتين البريطانية والفرنسية في إيجاد حل جذري لما بات يُعرف إعلامياً بـ"أزمة كاليه"، نسبة إلى معبر كاليه (شمال فرنسا)، حيث يتجمع المئات من المهاجرين الأفارقة والعرب والآسيويين بانتظار اللحظة المناسبة للتسلل على متن ناقلات الشحن والباصات التي تعبر قناة نفق المانش متجهة إلى بريطانيا، تعالت أصوات سياسية وأمنية وإعلامية في لندن تطالب حكومة كاميرون بالدفاع عن الحدود وحماية حركة النقل للأشخاص والمسافرين بين بريطانيا وفرنسا بكافة الوسائل بما فيها نشر وحدات من الجيش على طرفي الحدود بين فرنسا وبريطانيا.

وقد دعا نائب حزب المحافظين ديفيد ديفيز إلى إرسال قوات من الجيش البريطاني إلى كاليه. وقال مخاطباً رئيس الحكومة: "عليك أن تفوق عدد المهاجرين عند المعبر إذا كنت تريد السيطرة عليهم". كذلك دعا زعيم حزب "الاستقلال" نايجل فاراج، حكومة كاميرون للضغط على نظيرتها الفرنسية لاتخاذ المزيد من الإجراءات لتسويه الوضع، في حين دعت الزعيمة المؤقتة لحزب "العمال" هارييت هارمان، حكومة المملكة المتحدة لضبط النفس.

الكاتبة في صحيفة "إندبندنت"، ماري ديجفسكي، كانت أكثر صراحة بالدعوة إلى الاستعانة بالجيش لمواجهة الهجرة غير الشرعية، على اعتبار أن حماية الحدود وحماية أرواح الناس هي في صلب مهام الجيش. وقالت الكاتبة إنه "لا يمكن لأي جهة سيادية أن تتجاهل انتهاك الحدود البريطانية، فحماية الحدود هي في أساس الأمن القومي الذي هو من أول مهام الجيش". وتساءلت: "كيف لنا أن نفهم إرسال الطائرات المقاتلة للقصف في العراق وسورية، بينما نقف عاجزين عن حماية حدودنا من خطر بضع مئات من المتسللين؟".

واعتبرت الكاتبة أن نشر بعض الوحدات من الجيش قد يكون الحل الأمثل للأزمة، لأن التواجد العسكري يردع اللاجئين من اقتحام الشوارع الدولية وتهديد حركة سلامة المسافرين وناقلات الشحن التجاري بين فرنسا وبريطانيا.

اقرأ أيضاً: الاعتراضات الفرنسية تعرقل الخطة الأوروبية لاحتواء المهاجرين

في المقابل، اعتبرت افتتاحية صحيفة "التايمز" أن أزمة كاليه، وعلى الرغم من أنها تكلّف الاقتصاد البريطاني نحو 250 مليون جنيه إسترليني يومياً، إلا أنها لا تستدعي استنفاراً استثنائياً، فليس هناك اجتياح يهدد الأمن الوطني، وبالتالي على الحكومة أن تحافظ على ضبط النفس ومقاومة النداءات المطالبة بنشر الجيش، وتوجيه جهودها للضغط على الحكومة الفرنسية لضبط الحدود، مع تقديم أي مساعدات فنية قد تحتاجها الجهات الفرنسية.

أما الكاتب في صحيفة "إندبندنت" كيم سينغيوبتا، فقد حذر من مغبة إقحام الجيش في جبهة جديدة، لا سيما أن هذا الجيش يحاول التكيّف مع أوضاعه الجديدة بعد أن خفضت الحكومة ميزانية الدفاع إلى حدود 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما قلّص عدد القوات المسلحة إلى نحو 82 ألف فرد، وانعكس كذلك على القدرات التسليحية لمختلف قطاعات الجيش البريطاني. واعتبر الكاتب أن الدفع بالجيش نحو "جبهة كاليه" ليس هو الحل الأمثل لمواجهة أزمة المهاجرين المتسللين نحو بريطانيا.

كاميرون، الذي تعهّد خلال الأشهر الماضية بمواجهة ملف الهجرة والمهاجرين ولو كلّفه الأمر الخروج من الاتحاد الأوروبي، يجد نفسه في مواجهة "أزمة كاليه"، لا سيما أن وسائل الإعلام البريطانية لا تكف عن استثارة الرأي العام البريطاني بنشر التقارير التي تُظهر طوابير المهاجرين المُعسكرين في جنبات ميناء "كاليه" الفرنسي بانتظار فرصة ومنفذ نحو بريطانيا.

ويُرجّح المراقبون أن تدفع "أزمة كاليه" برئيس الوزراء البريطاني لاتخاذ إجراءات متسارعة ومتزامنة على أربعة مستويات. أول هذه الإجراءات رفع التنسيق الأمني مع الجانب الفرنسي مع رصد المزيد من الأموال اللازمة لتعزيز السياج ونشر المزيد من الفرق الأمنية المزوّدة بالكلاب لمساعدة الشرطة الفرنسية في عمليات ضبط اللاجئين على الطرف الفرنسي. ثانياً تسريع وتيرة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول التعديلات التي تطالب بها لندن بخصوص تنقّل الأفراد بين أقطار الاتحاد، وربما تعجيل موعد إجراء الاستفتاء الشعبي حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه إلى العام المقبل بدلاً من خريف العام 2017.

أما الإجراء الثالث فيتمثّل في تكثيف الجهود العسكرية والسياسية البريطانية بالتحالف مع الشركاء الدوليين للتوصّل إلى حلول للأزمات في ليبيا وسورية والعراق ومناطق أخرى من أفريقيا، على اعتبار أن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في هذه البلدان هو العامل الأساسي لتدافع المهاجرين نحو أوروبا. ورابعاً تكثيف حملات قصف مواقع عصابات تهريب البشر في شمال إفريقيا، لا سيما في ليبيا، التي باتت نقطة انطلاق للقوارب المحمّلة بآلاف المهاجرين نحو الشواطئ الجنوبية لأوروبا.

وعلى المستوى الداخلي، باشرت الحكومة البريطانية بإعداد مشروع قانون لتقديمه إلى البرلمان في الخريف المقبل، ينصّ على معاقبة أصحاب البيوت الذين يؤجرونها للمهاجرين غير الشرعيين، وعلى فرض عقوبة بالسجن على من يخالف القانون بعد إقراره لمدة يمكن أن تصل إلى خمس سنوات. ويمكن أيضاً، حسب المشروع، مصادرة رواتب العاملين بطريقة غير قانونية في البلد الذي تشكّل فيه الهجرة إحدى القضايا الأساسية.

اقرأ أيضاً: تدفق المهاجرين غير الشرعيين يزلزل الاتحاد الأوروبي