"خطبة الأحد" ومصيدة "الأقليات"

02 يونيو 2015
رندا مداح / سورية
+ الخط -

"دعمًا للأقليات المستضعفة في الشرق". بهذه الكلمات، عُرّف عَمل "خطبة الأحد" (غناء أميمة خليل وكلمات مروان مخول)، ليكون مغناة ضد محاولات مؤسسة الاحتلال الإسرائيلي تجنيد الشباب المسيحيين العرب لجيش الاحتلال وترسيخًا لأقليات الشرق في أوطانهم، كما رُوّج للعمل في وسائل الإعلام.

في بداية الفيديو المصوّر للعمل، الممتد لمدة تسع دقائق، تستقبل المُشاهد جملة وكأنها المقولة المختصرة للعمل: "في الشرق، تنهش الوحوش الإرهابية لحم الأقليات، فينتهز الصهيوني الفرصة ويحاول تحميل تلك الأقليات البنادق، كي تصوّبها نحو نفسها، في الأساس".

إذًا مقولة العمل جاهزة للمشاهد منذ الثانية الأولى. إلا أن ما يعنينا، هي المقولة نفسها، التي تقول بكل بساطة في الشق الأول منها، إن "داعش" وأشباهه يستهدفون الجماعات الدينية المختلفة، فيكون رد إسرائيل في الشق الثاني للمقولة بتجنيدها للشباب المسيحيين في جيشها، بهدف أن تقتل الأقلية المسيحية ذاتها كما يُفهم من الشق الثالث للمقولة.

تقع هذه العبارة في تناقض واضح بين ما تدعيه، وبين نوايا أصحاب العمل في مناهضة محاولات إسرائيل في العامين الأخيرين لتجنيد المواطنين الفلسطينيين المسيحيين في أذرعها الأمنية. فخطاب الأقليات، واعتبار المسيحيين أقلية مستهدفة من قبل وحوش إرهابية، هو بالتحديد ما تحاول أن تقوم به إسرائيل من خلال مشروعها القديم الجديد في سلخ المسيحيين العرب عن شعبهم الفلسطيني وأمتهم العربية، على اعتبار أنهم أقلية ملاحقة من قبل الأكثرية المسلمة في المنطقة، وأنها هي التي تحميهم من هذه الوحوش التي تنهش لحمهم، كما نجحت أن تفعل سابقًا إلى حد كبير مع العرب الدروز في فلسطين المحتلة.

استعمال خطاب الأقليّات والتأكيد أن المسيحيين أقلية، لا جزء من الأكثرية العربية، هو ما تُروّج له إسرائيل كي تحقق مقولتها أعلاه، ويتشارك معها في هذه المقولة، في شقّها الأول على الأقل، الأنظمة العربيّة التي تدعي العلمانية، كجزء من كسب تأييد لها في أوساط جماعات دينية، فتلعب على وتر التخويف من الأغلبية الدينية الأخرى.

مع الإشارة إلى أن الوحوش الإرهابية والمشار إليها بـ"داعش" في المغناة، لا تستهدف المسيحيين فقط، بل استهدفت وقتلت من المسلمين أكثر بكثير من "الأقليات" الدينية الأخرى إذا كنا سندخل في هذه التقسيمات والأرقام.

فما يحصل للمسيحيين يحصل لغيرهم وربما أكثر، وليس فقط في أعوام "داعش" الأخيرة، فبراميل بشار الأسد لم تُفرق بين مسجد وكنيسة في حلب، كما أن وحشية قمع المجلس العسكري الحاكم في مصر كانت نفسها في شارع محمد محمود وشارع ماسبيرو، ولم يكن أحد يسأل عن هوية المعتقلين السياسيين في السجون العربية الذين حظيوا بتحية دائمة في كل مرة غنّت أميمة خليل "عصفور طل من الشباك"، فأُهدت إلى الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الأنظمة.

ليست المشكلة في أن يُبادَر إلى أعمال تّحذّر من استغلال إسرائيل لما يجري في الوطن العربي، وسياسة فرق تسد التي تسير على هديها. المشكلة في أن نستعمل هذا الخطاب من حيث لا ندري، فالإنسان قد ينتمي إلى جماعة دينية ذات أقلية عددية، لكنه من يقرر حدود انتمائه وخياله وخطابه وعلاقته مع الأكثرية.

* كاتب من فلسطين/ حيفا 

دلالات
المساهمون