واقع مرير يعيشه التشكيليون في السودان في ظل تجاهل شريحة واسعة للمجتمع لفنّهم وعدم تقييمه بالطريقة التي يستحقها، الأمر الذي ينعكس عليهم شعورًا بالاغتراب الداخلي، إن جاز التعبير، ما دفع معظمهم إلى اختيار الانزواء أو الهجرة أو هجر الفن صوب مهن أخرى.
فقد قرّر مثلًا الفنان التشكيلي محمد، التقوقع داخل عالمه الخاص والابتعاد عن الناس لمدة تزيد على عشرة أعوام، إذ حبس نفسه في مرسمه الخاص في إحدى غرف المنزل؛ لا يكلّم أحدًا غير ريشته التي لا تفارق أصابعه حتى حين يخلد إلى النوم، فيرسم بالريشة حياةً لم يجدها على أرض الواقع.
اقرأ أيضًا: أصوات تولد من رحم الطفولة
عدّ أحد أصدقائه التشكيليين القدامى، حالته أمرًا طبيعيًا، من بعد ما أحس أن أحدًا لم يفهمه، فضلًا عن إصابته بنوع من "الصدمة النفسية" التي دفعته لشعور حاد بالاغتراب داخل وطنه، يوضح ذلك قائلًا :"شعور محمد قد يصيب أي فنان تشكيلي بسبب رفض المجتمع لأفكاره وفنّه، فضلًا عن إحساسه الخاصّ بأنه أكثر تقدمًا وموهبةً من المحيطين به".
لكن، مقابل حالة محمد، يحاول بعض الفنانين التشكيليين الجمع بين النغم واللون، عبر مبادرة أطلق عليها اسم "حوش ريش". فقد بادر الموسيقي السوداني صلاح مزمل أبو الريش إلى فتح أبواب بيته الواقع في أحد الأحياء القديمة بمدينة الخرطوم، أمام الموسيقيين والفنانين التشكيليين معًا، وحوّل البيت إلى فضاء خاص لفن الجداريات أو الغرافيتي، تصدح في جنباته الموسيقى أيضًا.
جدران المنزل مزدانة بلوحات مختلفة متنوعة، بعضها يحاكي الواقع المعتم الذي تعيشه مجموعة من الفنّانين السودانيين والموسيقيين من أجيال مختلفة. كذا تلتقي أوتار الكمان بضربات الريشة، فيرسمان معًا طريق التغيير في نظرة المجتمع السوداني المنشغل أبدًا بلقمة العيش، والعازف عن الفنّ، الناظر إليه كما لو أنه أمر خرافي غير واقعي، فضلًا عن تلك النظرة إلى التشكيليين التي ترى فيهم مجموعات خارجة عن القطيع.
عند مساء الخرطوم، يتحول منزل "أبو الريش" إلى ورشة عمل، فتجد مجموعة منهمكة في العزف على آلات مختلفة، وتتبادل بين الحين والآخر الملاحظات لأداء افضل، وفي زاوية هادئة من البيت يقبع فنانون ويرسمون.
الأصل في مبادرة "حوش ريش"، ورشة عمل هدفت إلى "سبر تأثير اللون والنغم في التكوين النفسي، بغية خلق بيئة فنية ترتبط بطرق التعبير موسيقية كانت أم فنية" هذا ما قاله أحمد الرضي، أحد مؤسسي المبادرة لـ "ملحق الثقافة". ويضيف أنه منذ فترة بسيطة غدا المنزل مفتوحًا أمام الراغبين من تشكيليين وموسيقيين لأربع وعشرين ساعة. ونظرًا إلى اختلاف الشرائح العمرية لهم، غدا المنزل أيضًا بؤرة انطلاق لأعمالهم الفنية من جهة، وبؤرة للتدريب وصقل المواهب من جهة أخرى.
اقرأ أيضًا: عميد التشكيليين السودانيين إبراهيم الصلحي
يقول الرضي معلّقًا على المكان :"هو بمثابة ملتقى للأجيال لتطوير الفن"، وعدّ الهدف الأساس من المبادرة، تحفيز البيئة الثقافية نفسيًا وإبراز الجمال كقيمة كبرى، باعتبار أن اللون والنغم يمثّلان غذاء الروح، فضلًا عن الارتقاء بالثقافة البصرية عبر التشكيل والنحت أيضًا وفن الغرافيتي.
لكن هذه المبادرة الفردية، ستكون كمثيلاتها من جهة التمويل، إذ لا يخفى أن المال يقف عائقًا أمام تطويرها، لا سيما في ظلّ تجاهل الحكومة للفن التشكيلي والثقافة عمومًا، وعدم الاهتمام ولو بحد أدنى بها، في بلد يُحكم بنظام إسلامي، وينظر للفن التشكيلي خاصّة في شقه التصويري، باعتباره من المحرمات.
وقد أعلن الرضي أنه قدّم اقتراحًا لوزارة البيئة خاصّ بفن الغرافيتي، حيث يُصار إلى الرسم على المباني الكبيرة في العاصمة، وعلى الجسور أيضًا. وذكر أن ثمة ورشة عمل ستنطلق في السابع من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تحت عنوان "يلا نلوّن الخرطوم" بالتعاون مع المركز الثقافي الألماني في الخرطوم.
وبدا الرضي متفائلًا بتجاوب المجتمع مع الفن التشكيلي عمومًا، رغم إقراره بضعف الإقبال. وشرح أكثر قائلًا :"نعول على أن يلامس الفن الجميل المجتمع، رغم ما يعانيه الواقع الثقافي في البلاد من إشكاليات تتعلّق بطرح الرؤى، وبالصراع بين الأفكار، لدى شريحة المثقفين، فضلًا عن الوضع السياسي للبلد الذي يؤثّر بصورة كبيرة.
وأكّد أن "حوش ريش" غدا بمثابة حيّز خاص للفنانين، فيه يقومون بالتخطيط لمشاريع مختلفة :"قدرنا جمع فئات ورؤى مختلفة، فالطموح هو طرح رؤية تشكيلية جمالية، وتخطي حاجز القبول بالآخر المختلف".
تحديات كثيرة تواجه التشكيليين السودانيين، من بينها عزوف المجتمع عن أعمالهم، الأمر الذي ظهر جليًا في ضعف السوق المحلية، فعادة ما يقتني الأجانب أعمالهم. ومن بين العوائق أيضًا غياب صالات العرض، خلا تلك الصالات الملحقة بالمراكز الثقافية الأجنبية.
ولعلّ هذا الواقع هو الذي دفع التشكيليين السودانيين صوب الطريق والشارع، حيث يعرضون لوحاتهم أمام المارة غير المكترثين. هذه حال الفنان عمر، الذي يبدو واعيًا لصعوبات واقع الفنّ التشكيلي في السودان، ويضيف قائلًا : "من النادر أن تجد سودانيًا ذاهبًا إلى معرض تشكيلي في صالة ما، وعادة ما تكون دعواتنا محصورة بحلقة ضيقة من الأصدقاء وبعض طلاب الفنون الجميلة. الأمر الذي انعكس على أداء الفنانين التشكيليين سلبًا، فهجروا الريشة واللون واختاروا مهنًا أخرى".
اقرأ أيضًا: أصوات تولد من رحم الطفولة
عدّ أحد أصدقائه التشكيليين القدامى، حالته أمرًا طبيعيًا، من بعد ما أحس أن أحدًا لم يفهمه، فضلًا عن إصابته بنوع من "الصدمة النفسية" التي دفعته لشعور حاد بالاغتراب داخل وطنه، يوضح ذلك قائلًا :"شعور محمد قد يصيب أي فنان تشكيلي بسبب رفض المجتمع لأفكاره وفنّه، فضلًا عن إحساسه الخاصّ بأنه أكثر تقدمًا وموهبةً من المحيطين به".
لكن، مقابل حالة محمد، يحاول بعض الفنانين التشكيليين الجمع بين النغم واللون، عبر مبادرة أطلق عليها اسم "حوش ريش". فقد بادر الموسيقي السوداني صلاح مزمل أبو الريش إلى فتح أبواب بيته الواقع في أحد الأحياء القديمة بمدينة الخرطوم، أمام الموسيقيين والفنانين التشكيليين معًا، وحوّل البيت إلى فضاء خاص لفن الجداريات أو الغرافيتي، تصدح في جنباته الموسيقى أيضًا.
جدران المنزل مزدانة بلوحات مختلفة متنوعة، بعضها يحاكي الواقع المعتم الذي تعيشه مجموعة من الفنّانين السودانيين والموسيقيين من أجيال مختلفة. كذا تلتقي أوتار الكمان بضربات الريشة، فيرسمان معًا طريق التغيير في نظرة المجتمع السوداني المنشغل أبدًا بلقمة العيش، والعازف عن الفنّ، الناظر إليه كما لو أنه أمر خرافي غير واقعي، فضلًا عن تلك النظرة إلى التشكيليين التي ترى فيهم مجموعات خارجة عن القطيع.
عند مساء الخرطوم، يتحول منزل "أبو الريش" إلى ورشة عمل، فتجد مجموعة منهمكة في العزف على آلات مختلفة، وتتبادل بين الحين والآخر الملاحظات لأداء افضل، وفي زاوية هادئة من البيت يقبع فنانون ويرسمون.
الأصل في مبادرة "حوش ريش"، ورشة عمل هدفت إلى "سبر تأثير اللون والنغم في التكوين النفسي، بغية خلق بيئة فنية ترتبط بطرق التعبير موسيقية كانت أم فنية" هذا ما قاله أحمد الرضي، أحد مؤسسي المبادرة لـ "ملحق الثقافة". ويضيف أنه منذ فترة بسيطة غدا المنزل مفتوحًا أمام الراغبين من تشكيليين وموسيقيين لأربع وعشرين ساعة. ونظرًا إلى اختلاف الشرائح العمرية لهم، غدا المنزل أيضًا بؤرة انطلاق لأعمالهم الفنية من جهة، وبؤرة للتدريب وصقل المواهب من جهة أخرى.
اقرأ أيضًا: عميد التشكيليين السودانيين إبراهيم الصلحي
يقول الرضي معلّقًا على المكان :"هو بمثابة ملتقى للأجيال لتطوير الفن"، وعدّ الهدف الأساس من المبادرة، تحفيز البيئة الثقافية نفسيًا وإبراز الجمال كقيمة كبرى، باعتبار أن اللون والنغم يمثّلان غذاء الروح، فضلًا عن الارتقاء بالثقافة البصرية عبر التشكيل والنحت أيضًا وفن الغرافيتي.
لكن هذه المبادرة الفردية، ستكون كمثيلاتها من جهة التمويل، إذ لا يخفى أن المال يقف عائقًا أمام تطويرها، لا سيما في ظلّ تجاهل الحكومة للفن التشكيلي والثقافة عمومًا، وعدم الاهتمام ولو بحد أدنى بها، في بلد يُحكم بنظام إسلامي، وينظر للفن التشكيلي خاصّة في شقه التصويري، باعتباره من المحرمات.
وقد أعلن الرضي أنه قدّم اقتراحًا لوزارة البيئة خاصّ بفن الغرافيتي، حيث يُصار إلى الرسم على المباني الكبيرة في العاصمة، وعلى الجسور أيضًا. وذكر أن ثمة ورشة عمل ستنطلق في السابع من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تحت عنوان "يلا نلوّن الخرطوم" بالتعاون مع المركز الثقافي الألماني في الخرطوم.
وبدا الرضي متفائلًا بتجاوب المجتمع مع الفن التشكيلي عمومًا، رغم إقراره بضعف الإقبال. وشرح أكثر قائلًا :"نعول على أن يلامس الفن الجميل المجتمع، رغم ما يعانيه الواقع الثقافي في البلاد من إشكاليات تتعلّق بطرح الرؤى، وبالصراع بين الأفكار، لدى شريحة المثقفين، فضلًا عن الوضع السياسي للبلد الذي يؤثّر بصورة كبيرة.
وأكّد أن "حوش ريش" غدا بمثابة حيّز خاص للفنانين، فيه يقومون بالتخطيط لمشاريع مختلفة :"قدرنا جمع فئات ورؤى مختلفة، فالطموح هو طرح رؤية تشكيلية جمالية، وتخطي حاجز القبول بالآخر المختلف".
تحديات كثيرة تواجه التشكيليين السودانيين، من بينها عزوف المجتمع عن أعمالهم، الأمر الذي ظهر جليًا في ضعف السوق المحلية، فعادة ما يقتني الأجانب أعمالهم. ومن بين العوائق أيضًا غياب صالات العرض، خلا تلك الصالات الملحقة بالمراكز الثقافية الأجنبية.
ولعلّ هذا الواقع هو الذي دفع التشكيليين السودانيين صوب الطريق والشارع، حيث يعرضون لوحاتهم أمام المارة غير المكترثين. هذه حال الفنان عمر، الذي يبدو واعيًا لصعوبات واقع الفنّ التشكيلي في السودان، ويضيف قائلًا : "من النادر أن تجد سودانيًا ذاهبًا إلى معرض تشكيلي في صالة ما، وعادة ما تكون دعواتنا محصورة بحلقة ضيقة من الأصدقاء وبعض طلاب الفنون الجميلة. الأمر الذي انعكس على أداء الفنانين التشكيليين سلبًا، فهجروا الريشة واللون واختاروا مهنًا أخرى".