01 أكتوبر 2022
"حوار ساندرا"... العودة بآلة الزمن السياسية
يتذكّر جيلي جيداً الحوار الاستثنائي الذي أجراه حسني مبارك قبل انتخابات 2005، حين ظهر فجأة عماد الدين أديب، هذا الوجه الجديد الذي لا يعرفه العامة، كأنها رسالة ضمنية أنه يعرف عدم مصداقية كل الإعلاميين المعتادين.
لم يعد غريباً أن يكرّر التاريخ القريب نفسه، وهكذا ظهر عبد الفتاح السيسي مع ساندرا نشأت، المخرجة التي لم تعمل مذيعة أبداً أصلاً، مفضلاً إياها على جيش إعلامييه.
التشابه بين كلا الحوارين يشمل حتى الشكل، خلفية الحديقة الخضراء في أثناء الجلوس، المشي معاً، الملابس غير الرسمية.
يمتد التشابه إلى المحتوى، حيث تغيب تماماً كل الأسئلة التفصيلية، لا حديث عن أرقام الديون أو ساكني السجون... إلخ، بينما في المقابل تم التركيز على الجوانب الإنسانية التي يتعاطف معها المصريون.
تحدث مبارك عن أسرته طويلاً، وعن بداية زواجه، وكيف كانت أحوالهم المادية متواضعة. وبالمثل تحدث السيسي مراراً عن أسرته، ما تعلمه من والدته، والخاتم الذي أهداه له والده، وحكمة عمه المرحوم. ربما كان الاختلاف في النزعة الدينية الواضحة في حديث السيسي، رؤيته نفسه صاحب مسؤولية دينية.
من اللافت التشابه في رؤيتهما لـ "المواطن". واجهت ساندرا السيسي بفيديو لآراء المواطنين، وهم هنا "رجل الشارع" بلا وسيط، غطت كل الفئات أطفالا وشيوخا ورجال دين، لكن لا يوجد مطلقاً أحد من الأحزاب أو النقابات أو الاتحادات. كرّر عديدون منهم أنهم يخافون من الحبس لو تكلموا، أحدهم انتقده ثم قال "محدش يقول عليا اخواني أنا مبصليش". الغالبية اشتكوا من الأحوال الاقتصادية.
بدأ السيسي تعليقه بالتأكيد أنه لا مشكلة إطلاقاً في (الكلام)، لكن الممنوع هو "إنها تؤذي البلد بعمل عنيف". الترجمة هي: لو أنك فرد تتحدث في مقهى أو في المواصلات حتى لتسب شخص السيسي فلا مشكلة، يحدث هذا كل لحظة، هذه مصر لا سورية الأسد أو عراق صدام. بل لدينا حالات نزل فيها أفراد بمفردهم يحملون لافتات، فتم الاكتفاء بإنذارهم أو القبض عليهم ثم الإفراج بعد ساعات.
لكن لو أن هذا المواطن نفسه بدأ أصغر (عمل) جماعي سيُسحق. صدرت أحكام بالسجن سنوات على أفراد نظموا وقفة لا يتجاوز أفرادها العشرة. لو أن المواطن نفسه انضم إلى حزب أو حركة فقد أصبح فوراً تحت المنظار الأمني، ولو برز نشاطه قد يجد نفسه في لحظة بالسجن. هنا يختلف السيسي عن مبارك الذي سمحت سنواته الأخيرة بهوامش أوسع كثيراً من (العمل) وأيضاً من (الإعلام) الذي قال السيسي ضمنياً إنه يراه بلا جدوى، "واحد بتكلم ثلاث ساعات كل يوم، هيقول إيه"، منتقداً حتى التركيز على قضايا اجتماعية سلبية، والتي بالعكس كان نظام مبارك يفضلها أداة لشغل الرأي العام.
وكما كان الحال في خطاب نظام مبارك، أكد السيسي أنه كان يتمنى أن ينافسه آخرون لكن "إحنا لسه مش جاهزين"، وهي تكاد تكون حرفياً إجابة رئيس المخابرات العامة، عمر سليمان، في أثناء الثورة عن التوقيت المناسب للديمقراطية.
تتشابه الرؤية الاقتصادية أيضأً، حيث يذكر تفصيلياً "الأسعار الحقيقية" للوقود والسلع، متسائلاً عما سيحدث، لو لم تدعمها الدولة، مع إغفال مستوى الأجور الأقل عالمياً. أحد المتحدثين قال إن مرتبه 800 جنيه، أي حوالي 45 دولارا شهريأً.
في المقابل، أولى السيسي اهتماماً خاصاً لما كان يتجاهله مبارك في سنواته الأخيرة، تحدث عن مشاريع الإسكان الاجتماعي 700 – 800 ألف وحدة، وبرنامج تكافل وكرامة للدعم النقدي (2.2 مليون أسرة، باجمالي 9.3 ملايين مواطن)، كأنه يقدم نسخة عصرية من الصفقة الناصرية، المكتسبات مقابل السياسة. لكن الإشكالية أنها مكتسبات أقل بكثير، وفي زمن مختلف مع نظام مختلف يستلهم، في مواطن أخرى، التجربة الاقتصادية لجمال مبارك، بالتعويم والخصخصة وبرنامج صندوق النقد وأولوية الاستثمار الأجنبي، وهو ما لا يتماشى مع باقي الأركان السياسية، ليكون الناتج مزيجاً غير متجانس، ما زال يُجَرب في المواطنين المصريين، الذين بدورهم ما زالت أولويتهم كما قال أحدهم: "إحنا عايزين المَم".
لم يعد غريباً أن يكرّر التاريخ القريب نفسه، وهكذا ظهر عبد الفتاح السيسي مع ساندرا نشأت، المخرجة التي لم تعمل مذيعة أبداً أصلاً، مفضلاً إياها على جيش إعلامييه.
التشابه بين كلا الحوارين يشمل حتى الشكل، خلفية الحديقة الخضراء في أثناء الجلوس، المشي معاً، الملابس غير الرسمية.
يمتد التشابه إلى المحتوى، حيث تغيب تماماً كل الأسئلة التفصيلية، لا حديث عن أرقام الديون أو ساكني السجون... إلخ، بينما في المقابل تم التركيز على الجوانب الإنسانية التي يتعاطف معها المصريون.
تحدث مبارك عن أسرته طويلاً، وعن بداية زواجه، وكيف كانت أحوالهم المادية متواضعة. وبالمثل تحدث السيسي مراراً عن أسرته، ما تعلمه من والدته، والخاتم الذي أهداه له والده، وحكمة عمه المرحوم. ربما كان الاختلاف في النزعة الدينية الواضحة في حديث السيسي، رؤيته نفسه صاحب مسؤولية دينية.
من اللافت التشابه في رؤيتهما لـ "المواطن". واجهت ساندرا السيسي بفيديو لآراء المواطنين، وهم هنا "رجل الشارع" بلا وسيط، غطت كل الفئات أطفالا وشيوخا ورجال دين، لكن لا يوجد مطلقاً أحد من الأحزاب أو النقابات أو الاتحادات. كرّر عديدون منهم أنهم يخافون من الحبس لو تكلموا، أحدهم انتقده ثم قال "محدش يقول عليا اخواني أنا مبصليش". الغالبية اشتكوا من الأحوال الاقتصادية.
بدأ السيسي تعليقه بالتأكيد أنه لا مشكلة إطلاقاً في (الكلام)، لكن الممنوع هو "إنها تؤذي البلد بعمل عنيف". الترجمة هي: لو أنك فرد تتحدث في مقهى أو في المواصلات حتى لتسب شخص السيسي فلا مشكلة، يحدث هذا كل لحظة، هذه مصر لا سورية الأسد أو عراق صدام. بل لدينا حالات نزل فيها أفراد بمفردهم يحملون لافتات، فتم الاكتفاء بإنذارهم أو القبض عليهم ثم الإفراج بعد ساعات.
لكن لو أن هذا المواطن نفسه بدأ أصغر (عمل) جماعي سيُسحق. صدرت أحكام بالسجن سنوات على أفراد نظموا وقفة لا يتجاوز أفرادها العشرة. لو أن المواطن نفسه انضم إلى حزب أو حركة فقد أصبح فوراً تحت المنظار الأمني، ولو برز نشاطه قد يجد نفسه في لحظة بالسجن. هنا يختلف السيسي عن مبارك الذي سمحت سنواته الأخيرة بهوامش أوسع كثيراً من (العمل) وأيضاً من (الإعلام) الذي قال السيسي ضمنياً إنه يراه بلا جدوى، "واحد بتكلم ثلاث ساعات كل يوم، هيقول إيه"، منتقداً حتى التركيز على قضايا اجتماعية سلبية، والتي بالعكس كان نظام مبارك يفضلها أداة لشغل الرأي العام.
وكما كان الحال في خطاب نظام مبارك، أكد السيسي أنه كان يتمنى أن ينافسه آخرون لكن "إحنا لسه مش جاهزين"، وهي تكاد تكون حرفياً إجابة رئيس المخابرات العامة، عمر سليمان، في أثناء الثورة عن التوقيت المناسب للديمقراطية.
تتشابه الرؤية الاقتصادية أيضأً، حيث يذكر تفصيلياً "الأسعار الحقيقية" للوقود والسلع، متسائلاً عما سيحدث، لو لم تدعمها الدولة، مع إغفال مستوى الأجور الأقل عالمياً. أحد المتحدثين قال إن مرتبه 800 جنيه، أي حوالي 45 دولارا شهريأً.
في المقابل، أولى السيسي اهتماماً خاصاً لما كان يتجاهله مبارك في سنواته الأخيرة، تحدث عن مشاريع الإسكان الاجتماعي 700 – 800 ألف وحدة، وبرنامج تكافل وكرامة للدعم النقدي (2.2 مليون أسرة، باجمالي 9.3 ملايين مواطن)، كأنه يقدم نسخة عصرية من الصفقة الناصرية، المكتسبات مقابل السياسة. لكن الإشكالية أنها مكتسبات أقل بكثير، وفي زمن مختلف مع نظام مختلف يستلهم، في مواطن أخرى، التجربة الاقتصادية لجمال مبارك، بالتعويم والخصخصة وبرنامج صندوق النقد وأولوية الاستثمار الأجنبي، وهو ما لا يتماشى مع باقي الأركان السياسية، ليكون الناتج مزيجاً غير متجانس، ما زال يُجَرب في المواطنين المصريين، الذين بدورهم ما زالت أولويتهم كما قال أحدهم: "إحنا عايزين المَم".