"حكومة الإنقاذ" في إدلب... ذراع هيئة تحرير الشام لارتكاب الانتهاكات

24 نوفمبر 2018
احتجاجات متواصلة في إدلب ضد حكومة الهيئة(عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -
على وقع تواصل التوتر الميداني بين النظام وفصائل المعارضة في محافظة إدلب بالشمال السوري، حافظت التوترات الداخلية في المحافظة على وتيرتها العالية، تحديداً تلك المتعلقة بالفلتان الأمني وعمليات الاغتيال التي طاولت أخيراً أبرز الناشطين. كما تابعت "هيئة تحرير الشام" وحكومتها (الإنقاذ) تعدياتها، خصوصاً قرارها الأخير المتعلق بمصادرة أملاك المسيحيين الغائبين.


وقد طغى على أخبار إدلب، أمس الجمعة، اغتيال اثنين من أبرز الناشطين في المحافظة، إثر إطلاق النار عليهما من قبل مجهولين في مدينة كفرنبل بريف إدلب، وهما رائد الفارس وحمود جنيد. والفارس وجنيد من أبرز ناشطي حقوق الإنسان والحراك المدني الثوري في محافظة إدلب، فقد أسس الفارس راديو "فرش" الذي تعرض للإغلاق أكثر من مرة، إضافة إلى تأسيسه "اتحاد المكاتب الثورية في مدينة كفرنبل". كما أن جنيد من أوائل الناشطين الإعلاميين الذين وثقوا انتهاكات النظام في إدلب منذ الأيام الأولى للثورة السورية، وهو أحد الإعلاميين العاملين في "راديو فرش" الذي أسسه الفارس. وشكّل الثنائي فريقاً واحداً مع الناشط الإعلامي خالد العيسى الذي قضى بدوره في انفجار استهدف الفريق عام 2016.

وأتى مقتل جنيد والفارس وسط حالة من التضييق والانتهاكات بحق ناشطي الحراك المدني في إدلب، إضافة لتعرضهم لعمليات خطف وتعذيب، فقد طلب نشطاء الحراك المدني في إدلب مطلع الشهر الماضي من "هيئة تحرير الشام" الإفراج الفوري عن نشطاء الحراك، وذلك إثر قيام "الهيئة" باعتقال اثنين من الناشطين خلال وجودهما في بلدة كنصفرة بجبل الزاوية.

وعلى صعيد متصل، قضى قيادي سابق من الفصائل جراء إطلاق النار عليه من قبل مسلحين مجهولين أمام منزله في قرية باتبو، بريف حلب الغربي، مساء الخميس، فيما أعدمت "هيئة تحرير الشام"، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، ستة عناصر من تنظيم "داعش" في محافظة إدلب بتهمة تورطهم بتنفيذ عمليات اغتيال في المنطقة.

وقالت مصادر محلية إن "من بين العناصر الستة قياديان، أحدهما مسؤول عن تأمين العبوات الناسفة وأماكن تصنيعها وإيصالها إلى العناصر المنفذين، فأُعدم ثلاثة منهم الأربعاء، وثلاثة آخرون الخميس". ولفتت إلى أن "الهيئة ألقت القبض على هؤلاء العناصر بعد نصب كمائن لهم، بوصفهم مسؤولين عن تنفيذ عمليات اغتيال باستخدام عبوات ناسفة، أو مسدسات مزودة بكواتم صوت، أو غير ذلك". وسبق أن أعدمت "الهيئة" في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، تسعة عناصر من التنظيم في محافظة إدلب.



وتزامنت هذه التطورات مع هدوء حذر يسود مناطق الهدنة الروسية ــ التركية والمنطقة منزوعة السلاح في إدلب والشمال السوري، باستثناء استهداف قوات النظام بالرشاشات الثقيلة قرية الصخر بريف حماة الشمالي، فجر أمس الجمعة، فضلاً عن محيط بلدة اللطامنة وقرية الصخر بريف حماة الشمالي.

في غضون ذلك، توالت ردود الفعل المنددة بقرار "حكومة الإنقاذ" المقربة من "هيئة تحرير الشام" والعاملة في محافظة إدلب بمصادرة أملاك المسيحيين في مدينة إدلب ممن هم خارج سورية، إضافة إلى اعتقالها عدداً من أعضاء مجلس مدينة إدلب السابق المنتخب وذلك بعد مداهمة بيوتهم.

وأصدر ناشطون بياناً دعوا فيه للتظاهر ضد "حكومة الإنقاذ". وجاء في البيان أنه "بعد سلسلة من الإجراءات التي أقدمت عليها حكومة الإنقاذ من الاستيلاء على الأموال العامة والخاصة، وآخرها أموال المسيحيين والتضييق على المدنيين والسكوت عن حالات الخطف والفدية وعدم اتخاذ أي إجراء بحقها والحالة الأمنية السيئة والاقتصادية المنهارة، لجأت أخيراً في بغيها لأسلوب آخر هو إسقاط كل رمز وطني وشعبي وخدمي وتشويه سمعة الشرفاء باستخدام أذرعها الأمنية والقضائية".

وأشار الناشطون إلى أنه "من ضمن الممارسات الأخيرة لحكومة الإنقاذ قيامها بتلفيق تهم بحق مجلس المدينة القديم المنتخب، واعتقال وملاحقة كوادر منظمة (بنفسج) بهدف إسقاط هذه المنظمة لما تقدمه من خدمات جليلة لأهالي المنطقة، مما أدى لحرمان الشعب من عشرات آلاف السلل الغذائية الشهرية وبعدها لتوقف أعمالها بشكل كامل، وقيام أذرعها المسلحة بمداهمة واقتحام منازل شرفاء الثورة بلا رادع، وإن الهدف من تصرفاتها إسقاط كل رمز وطني شعبي".

واختتم الناشطون بيانهم بالإشارة إلى أنهم صبروا وتحملوا كثيراً "تصرفات هؤلاء الجهلة والتي لم يراعوا فيها إلاً ولا ذمة"، داعين إلى وقفة احتجاجية، اليوم السبت، الساعة العاشرة صباحاً أمام مبنى وزارة العدل في إدلب.

وكانت مصادر من داخل إدلب قد ذكرت أن "وزارة الإدارة المحلية التابعة لحكومة الإنقاذ، قررت مصادرة أملاك المسيحيين في المدينة، وألغت الكفالات التي منحها هؤلاء إلى أشخاص موجودين في إدلب. كما طلبت وجود مالك العقار ليستلم عقاره أو تصادره". ولفتت المصادر إلى أن "قرار حكومة الإنقاذ لا يشمل المسيحيين الموجودين حالياً في إدلب، وإنما فقط من هم خارج المدينة".



ويقيم المسيحيون في محافظة إدلب في حي وسط المدينة، وفي بعض أحياء جسر الشغور وقرى الجديدة واليعقوبية والقنية والغسانية وحلوز، وكانت أعدادهم تقدر بآلاف عدة من طوائف مختلفة، أكبرها الروم الأرثوذكس والأرمن.

وفي إطار ممارسات "هيئة تحرير الشام" وحكومتها في إدلب، اعتقل عناصر من "الهيئة" قبل يومين، مجموعة من المدرسين بعد استدعاء إدارة المدرسة التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" لهؤلاء العناصر من أجل فض اعتصام جرى فيها. وقال ناشطون إن "المدرسين وطالبات المدرسة اعتصموا، يوم الأربعاء الماضي، احتجاجاً على عدم موافقة إدارة المدرسة على السماح لهم بتدريس المنهاج الجديد الذي يدرّس في مناطق نظام الأسد". وأكدوا أن "الطالبات يردن الدراسة بهذا المنهاج من أجل تقديم امتحان شهادة الثانوية في مناطق النظام".

وفي سياق هذه الاحتجاجات على قرارات صادرة عن "هيئة تحرير الشام"، أوقفت منظمة "بنفسج" الإغاثية العاملة في محافظة إدلب، عدداً من نشاطاتها اعتراضاً على احتجاز أحد كوادرها من قبل "حكومة الإنقاذ". وكانت القوة الأمنية التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" قد اعتقلت، يوم الاثنين الماضي، مدير مشروع الإغاثة في منظمة "بنفسج" عبد الرزاق عوض، في مدينة إدلب، واتهمته لاحقاً بالاختلاس. كما اعتقلت القوة الأمنية التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" قبل أسابيع في مدينة إدلب، الإعلامي عضو مجلس المدينة سابقاً، أحمد غنجر، إثر انتقاده لقرارات الحكومة. وانتقد غنجر على صفحته في "فيسبوك"، قراراً للحكومة حددت بموجبه موعد قطاف الزيتون مطلع الشهر الحالي، وهددت بمعاقبة كل من يقوم بالقطاف قبل هذا التاريخ.

وقبل يومين، قامت عشرات النساء القاطنات في مخيمي "الإيمان وعائشة"، شمال محافظة إدلب، بوقفة احتجاجية تنديداً بسلوك إدارة المهجرين التابعة لحكومة الإنقاذ والذي أدى إلى قيام منظمة وقف الديانة التركية بإيقاف دعم المدنيين داخلهما بعد تعرُّضها لتضييقٍ كبيرٍ من قِبَل "حكومة الإنقاذ".

وتوجد نحو 300 عائلة موزعة ما بين (عوائل شهداء - أرامل) داخل مخيمي الإيمان وعائشة، تعيش أوضاعاً إنسانية صعبة، خصوصاً بعد توقُّف كل أنواع المساعدات عنها. كما سيطرت حكومة الإنقاذ في 6 نوفمبر الحالي على المقار والمستودعات والمطاحن والأفران في إدلب، التي تديرها "المؤسسة العامة للحبوب" التابعة لوزارة المالية والاقتصاد في "الحكومة السورية المؤقتة" التابعة للائتلاف الوطني السوري.

وقالت مصادر محلية إن "عناصر من الهيئة رافقوا مسؤولين في مديرية الإمداد والتموين التابعة للإنقاذ، ووضعوا يدهم على جميع المواقع بالقوة، وتم تكليف عناصر بحراسة المقار المُصادرة". كما لاقى قرار "حكومة الإنقاذ" باعتماد راية جديدة لإدلب ردود فعل رافضة داخل المحافظة. ويتألف العلم الجديد من أربعة ألوان، وهو خليط بين علم الثورة السورية والراية الإسلامية.

ولعل أكثر القرارات التي لاقت استياء داخل المحافظة، هو طلب "حكومة الإنقاذ" من المنظمات الإنسانية العاملة في محافظة إدلب بضرورة تسجيل السيارات التابعة لها كي لا تكون عرضة للاحتجاز. وجاء هذا القرار بعد أشهر من تعميم للحكومة طلبت فيه من المواطنين في إدلب، تسجيل سياراتهم في مديرية النقل لضبطها ومعرفة أرقامها. وأرجعت "الحكومة" حينها السبب إلى كثرة الاغتيالات وحالات الخطف المتكررة وزرع العبوات اللاصقة، وحرصاً على استتباب الأمن والأمان، غير أن ناشطين رجحوا أن يكون سبب ذلك هو جمع الأموال من جانب حكومة الإنقاذ.

وكان ناشطون في إدلب قد دعوا إلى حل حكومتي "الإنقاذ" القريبة من "هيئة تحرير الشام" و"الحكومة المؤقتة" القريبة من الائتلاف، بسبب الانفلات الذي تعيشه المحافظة، وفشلهما في تقديم أي خدمات للمدنيين أو تحسين الوضع المعيشي، فضلاً عن عمليات الإقصاء والتسلط والتضييق على الفعاليات الشعبية والمنظمات والمجالس المحلية واحتكار العمل المدني لأكثر من عام من قبل "حكومة الإنقاذ".