"حق الولادة".. لليهود فقط
هذا برنامج صهيوني ناجح جدا. بدأ عام 1999، وتمكَّن من جلب نحو 400 شاب يهودي إلى فلسطين المحتلة حتى اليوم، 80% منهم من أميركا وكندا، وهذا كاف لمعرفة قوة علاقات إسرائيل بالجمعيات واللوبيات اليهودية في أميركا التي تقدِّم "المصالح الإسرائيلية" على المصالح الأميركية. وفي المحصلة لا فرق. فالمصلحتان تصبان في طاحونة واحدة. وكعادة أي نشاط صهيوني، يتموَّل هذا البرنامج الذي حشدت له إسرائيل نخبة من مؤرخيها وتربوييها وعقائدييها ومرشديها السياحيين، من أعمال اليهود حول العالم، وبالأخص الولايات المتحدة. فقد دفع المياردير اليهودي الأميركي، شيلدون أدليسون، صاحب صحيفة "إسرائيل هايوم" (إسرائيل اليوم)، وحده، نحو 250 مليون دولار أميركي لهذا البرنامج! هذا ممول واحد فقط. وتشير المعلومات المعلنة عن البرنامج إلى تضافر جهات وجمعيات صهيونية عديدة لتمويله، منها الوكالة اليهودية، صاحبة اليد الطولى في جلب اليهود إلى "أرض إسرائيل"، فضلا عن شركات مشروبات وأغذية، لها حصة كبيرة في السوق العربية، ولم تنفع كل حملات المقاطعة التي يقوم بها الناشطون العرب في تقليم أظافرها، دع عنك قطع دابرها. لن أسمي هذه الشركات التي تسمّم الشبان العرب بالسكريات والكولسترول، وتجعل منطقة، مثل الخليج العربي، الأعلى في العالم بمرض السكري والأمراض الخطيرة الناتجة عن السِمنة، لأني لست متأكداً من صحة الوثائق التي قرأتها على هذا الصعيد، وليستعن من يريد أن يعرف أكثر بـ "الصديق" غوغل.
هل كل الذين يأتون في إطار هذا البرنامج، خصوصا من دول "ديموقراطية"، يبتلعون الطُعم المغلَّف بشمس فلسطين وزيت زيتونها وبحرها المتوسط ومناخها المعتدل؟ لفتت نظري، على هذا الصعيد، قصة أوردتها صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، بالإنكليزية، تفيد بأن هناك من يرغب بالتفكير خارج الصندوق الذي يضعهم فيه البرنامج، وهو صندوق ضيّق، مفبرك، عنصري فوق ذلك. القصة تقول إن أحد الشبان الأميركيين الذي جاءوا في إطار البرنامج سمع من مرشد فريقه، عندما صعدوا إلى جبل مسعدة (أو ما تسميه إسرائيل مسادا الذي تُنْسَب إليه أسطورة الانتحار الجماعي اليهودي، رفضا للاستلام للرومان) كلاماً أذهله. تحدث المرشد عن أهمية "حياة اليهود" في مقابل أية حياة أخرى. وفي هذا السياق، قال: لدي جيران إيطاليون تربيت معهم، وهم رائعون، ولكن، إن كان عليّ أن أختار بين إنقاذ حياتهم وحياة شخص يهودي اختار اليهودي، وإذا كان عليّ أن أختار بين إنقاذ حياة مائة شخص غير يهودي وشخص يهودي واحد، أختار اليهودي!
على المشاركين في البرنامج أن لا يزورا الضفة الغربية، ولا قطاع غزة (بالتأكيد)، ولا حتى القدس الشرقية باستثناء "الحي اليهودي". هذا في أساس شروط الرحلة التي تخترع جغرافيا يهودية، لا ترى "آخر" غير اليهودي حتى في التاريخ القريب. ففي الصحيفة نفسها، يقول هذا الشاب الأميركي إن كلمة واحدة عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يتم التطرق إليها خلال مدة الرحلة. وفي اللقاء مع نخبة من الجيش الإسرائيلي، ذروة البرنامج وفحواه الحقيقية، يمضي الشاب في تساؤلاته عن العلاقة مع الفلسطينيين، فتقول له مجندة إسرائيلية: إني لا أفهم هل أنت في جانب العرب؟
السؤال: أي ملياردير فلسطيني، قبل أن يكون عربياً، يتفضل بتمويل مركز أبحاث، ولا أقول برنامجا يكلف مئات الملايين من الدولارات؟ هل هناك ربع شيلدون عربي؟ لا والله.