"حراطين" أدرار.. موروث استعماري للتمييز العنصري في جنوب الجزائر

29 مارس 2016
التقسيم الطبقي للمجتمع في أدرار موروث استعماري (فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن الشاب الجزائري، عبد القادر مبارك، يعلم أن مناداة زملائه له في المدرسة الابتدائية ووصفه بـ"الحرطاني" شتيمة تقلّل من قيمته بين أقرانه في بلده التي تبعد 2000 كيلومتر عن العاصمة الجزائر.

"لا زالت مظاهر التمييز ضد من يوصفون بالحراطين من ذوي البشرة السوداء قوية ومترسخة في ولاية أدرار التي يبلغ عدد سكانها قرابة 400 ألف نسمة، وفقا لآخر إحصاء سكاني أجري في الجزائر في العام 2008"، كما يقول عبد القادر، المحسوب على الحراطين والذي يدرس الإعلام في إحدى جامعات الغرب الجزائري، ما دفعه إلى إنجاز مشروع تخرجه حول هذا الموضوع.

يؤكد عبد القادر الذي يسكن في بلدية بودة التابعة لولاية أدرار في الجنوب الجزائري، أن التمييز ضد ذوي البشرة السوداء يعتبر خطا أحمر لا يتم تناوله إعلامياً بالشكل المناسب، بحجة الحفاظ على الوحدة الترابية، على الرغم من استمرار معاناة الحراطين الذين يمثلون 65 بالمائة من السكان في أدرار، وفقا لإحصاء هواري قدور، الأمين الوطني للملفات المتخصصة للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.

اقرأ أيضا: ملاعب الجزائر.. منشطات قاتلة تقضي على مستقبل اللاعبين

انقسام مجتمع أدرار إلى 4 طبقات

عبر جولة قام بها معد التحقيق في أدرار، وثّق انقسام المجتمع إلى 4 طبقات، أهمها "الشرفة"، وهم أعلى طبقة وينسبون إلى علي بن طالب، وتكون المناداة للرجال بلفظ مولاي متبوعا بالتسمية، أما النساء فينادين بـ"لالة" متبوعة بالتسمية، ويمتلك الشرفة الموارد الاقتصادية في الولاية، وتليهم فئة المرابطين وهم من ذوي البشرة البيضاء، كان أجدادهم يشكلون قادة الجند والمشرفين عليه، ويعملون في الزوايا والجوامع.

والطبقة الثالثة هم الأحرار وهم من البيض ممن استوطنوا المنطقة من قبل وبعضهم من الوافدين الجدد، بمن فيهم الذين جاؤوا مع الاستعمار الفرنسي، وبعضهم كانوا مساندين له، ويشتغلون في التجارة، والفئة الرابعة هم الحراطين وهم "أحرار السود الذين لم يستعبدوا"، كما يقول الدكتور لحسن زغيدي، الباحث في التاريخ والأستاذ بجامعة الجزائر، موضحا أن هذه التقسيمات جاءت نتيجة السياسة التي اتبعها الاستعمار الفرنسي. وتابع بالقول لـ"العربي الجديد": "التقسيمات التي يعرفها المجتمع الأدراري موروث استعماري خالص".

وجه آخر للتمييز العنصري

شرقي أدرار في بلدية بودة، تنتشر الأسواق العشوائية في كل مكان، ويعيش السكان بشكل مهمّش حيث تعرف هذه المنطقة العديد من مظاهر التمييز، كما يقول الشيخ الجزائري بحفيد، وهو أحد قاطني البلدية.

يروى بحفيد لمعد التحقيق حادثة يعتبرها نموذجا صارخا على التمييز وقعت في الإكمالي (المدرسة المتوسطة ما بعد المرحلة الإبتدائية)، والتي تسمى "أحمد بن علي"، إذ كانت المدرسة مسرحا لصراع عنصري بكل المقاييس بالنظر إلى تبعات الأمر، فبعد إطلاق اسم أحمد بن علي عليها أصبحت محل جدل ولغط كبيرين بعد تسميتها على اسم رئيس سابق للبلدية من الحراطين، كما يقول مبارك، الأمر الذي أثار حفيظة بقية طبقات المجتمع وجعل مدير المدرسة يعمل على تغيير اسمها إلى المنصور، لكن أولياء أمور التلاميذ من ذوي البشرة السوداء تحركوا ضد الأمر، معتبرين إياه مساسا بكرامتهم وتقليلا من قيمة أبناء جلدتهم، الأمر الذي كاد أن يصل إلى ما لا تحمد عقباه لولا تدخل بعض مسؤولي مديرية التربية وعقلاء المنطقة، وتمت إعادة تسميتها بالاسم القديم.



تمييز في كل مكان

يذهب يوسف حنطابي، أستاذ علم الاجتماع الديني بجامعة البليدة، بعيدا، إذ يقول إن سكان الجنوب وأدرار باتوا يعتبرون هذا التمييز واقعا يتعايشون معه. وأوضح لـ"العربي الجديد": "أن المساجد والزوايا مرتبطة بهذا التمييز.. الأمر بات من المسلّمات عند أهل المنطقة، ولو أن العكس يحدث في المساجد التي تبنيها الدولة التي تتميّز بالتساوي بين جميع الفئات".

وتعرف مساجد أدرار وزواياها عديدا من مظاهر التمييز، فالقاعدة في العديد من المساجد هي أن الجلوس في الصف الأول أو الصلاة فيه يخص فقط البيض ولا يستثني المؤذن، حتى وإن كان من السود، كما أن شيوخ الزوايا والمدارس القرآنية في غالبيتهم يتحدّرون من البيض أو الأشراف، فيما يقتصر عمل السود على تدريس القرآن أو كمؤذنين في المساجد ولا يتولون الإمامة إلا عند الضرورة القصوى أو يقومون بكل هذه الأعمال في المصليات الصغيرة المحسوبة عليهم، والتي قاموا ببنائها.

اقرأ أيضا: البطاطا في الجزائر.. المزارعون يعانون من وفرة الإنتاج

البساتين والأراضي

حسب الدا محمد، وهو أحد اعيان مدينة تيميمون، أقصى الجنوب الجزائري بالقرب من موريتانيا، فإن البساتين والواحات ملك لفئة قليلة من البيض، ولا يمتلك السود سوى نسب قليلة جدا من الأراضي لا تفوق نسبة 05 في المائة، في الوقت الذي لا يملك البعض الآخر من السود ولو مترا واحدا.

ويستنكر محمد، المحسوب على ذوي البشرة السوداء، استمرار التهميش محذرا من مغبته، إذ يجد ذوي البشرة السوداء أنفسهم مجبرين على العمل في بساتين البيض، كخماسة، كما يُطلق عليهم (عمال يتقاضون أجرا من غلّة الأرض)، وحتى وإن تمكنوا من شراء بعض الأراضي فإنهم مجبرون أيضا على طلب المياه وفقا لنظام "الفقارة"، وهو عبارة عن تحكّم صاحب الأرض الغني في المياه عبر سواقٍ صغيرة.

الزواج المحرّم

يؤكد سعيد أحمد (اسم مستعار)، لطبيب من منطقة بودة أنه كسر القاعدة في المنطقة بزواجه من فتاة من البيض بعد قصة حب طويلة يعرفها الخاص والعام في شمال أدرار، وتعتبر قضية الزواج بين البيض والسود في المنطقة من المظاهر التي يتجلى فيها هرم الطبقية، إذ يرفض البعض الزواج المختلط بحجة صفاء النسب.

ويوضح سعدي الهادي، أستاذ علم الاجتماع الديني بجامعة الجزائر، لـ"العربي الجديد"، أن هذا الانغلاق يجعل الطرف الآخر، يقصد ذوي البشرة البيضاء، مرتاحين إلى تميّز هويتهم عن غيرهم. وتابع: "رفض زواج ذوي البشرة البيضاء بنظرائهم من ذوي البشرة السوداء في المنطقة نابع من كونهم يرون في الأمر محافظة على نقاء دم الأسرة الكبيرة والمحافظة على القبيلة". يضيف الدكتور سعدي أن المجتمع الأدراري ما زال قبليا وفيه توجهات اجتماعية موغلة في القدم وبعيدة عن الحداثة.

اقرأ أيضا: الأئمة في أوروبا [1-5].. مشايخ فرنسا يواجهون خطر الترحيل

سيدي مولاي

يعتبر الدكتور يوسف حنطابي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة البليدة، أن كلمة عنصرية أو تمييز مبالغ فيها بعض الشيء في وصف ما يجري في أدرار، قائلا لـ"العربي الجديد": "في حقيقة الأمر هناك شريحتين من المجتمع، أصبحت كل شريحة مرتبطة بعاداتها وتقاليدها على مر الزمان، حتى التمييز تقبّلته الشريحة الثانية وأصبحت جزءًا منه، لاعتبارات ثقافية واجتماعية"، وتابع "الخروج من هذه الحتمية الاجتماعية أمر صعب".

ومع أن عهد التمييز على أساس لون البشرة قد ولى، إلا أن المجتمع الأدراري ما زال يكرسه ولو بأبسط الأشياء، كالأسماء والألقاب التي تسبق الأسماء والتي تدل على المكانة والانتماء الاجتماعي للفرد، كما يقول بوجمعة، الطالب في معهد الصحافة بالجزائر العاصمة، والذي ينتمي إلى أدرار، متابعا أن الأمر دخل في مجال الاستفزاز، إذ يتم وصف البيض ويلقبون "بالشريف"، أو بـ"مولاي"، "سيدي مولاي"، و"الشريفة"، بـ"اللاشريفة"، "مولاتي"، "لالا"، ويلقب المنتمي للمرابطين والأحرار بـ:"سي المرابط"، "المرابط"، "سي"، "سيدي"، "سيدنا"، "المرابطة"، "لالا"، "اللا"... أما بالنسبة للسود، فينادون بأسمائهم فقط، أو لقب "الدا" عند الإشارة إلى كبار السن أو الأسلاف المتوفين أو لقب "الحرطاني"، وهو يستخدم للاستصغار والنبذ عند الحاجة. أما بالنسبة للنساء فيلقبن بلفظ "النا" أو "نانة".

مشاكل في الجنوب

ينفي أحمد بوخاري، النائب في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان الجزائري)، عن حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، عن ولاية غرداية، وجود أي نوع من التمييز العنصري في أدرار، معترفا فقط بوجود ما سمّاه "بعض المشاكل في الجنوب بشكل عام"، وقال بوخاري لـ"العربي الجديد": "كل ولايات الجنوب وبدون أي استثناء حصلت على تنمية واسعة من الدولة دون أي تمييز. الجزائر أكدت تواجدها في الصحراء عبر مشاريع كبيرة خصصت للمواطنين هناك. الجزائري في الشمال يشتغل في الجنوب والعكس، ويجب على الجميع مراعاة خصائص الصحراء، لأن الطبيعة فيها قاسية على الجميع سواء أكانوا بيضا أم سودا".

لكن الدكتور ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر العاصمة، يؤكد أن مظاهر التمييز في أدرار حقيقة مرة لن يتم القضاء عليها بسهولة، معتبرا أن المسؤولية يتقاسمها الجميع، قائلا لـ"العربي الجديد": "إن التمييز على أساس البشرة في الجزائر بصفة عامة وفي أدرار بصفة خاصة أمر يعلمه الجميع والقضاء عليه يتطلب إرادة حقيقية"، مبديا اندهاشه من موقف الدولة التي ترفض وجود تمييز في الجزائر، قائلا "لا يجب أن نكذب على أنفسنا، فمظاهر التمييز موجودة في وقتنا الراهن، فالسود غائبون عن المراكز الحساسة والهيئات الكبرى في الدولة، حتى في ميدان الصحافة نلاحظ نقص عددهم في النشرات في القنوات التلفزيونية، سواء الخاصة أو العمومية وإن وُجدوا فهم يعدون على أصابع اليد الواحدة"، وعلى نهجه سار الدكتور الهادي سعدي، الذي تأسف لعدم مساعدة مجتمع أدرار والجنوب الجزائري عبر وسائل الاتصال والتواصل الحديثة للتحرر من انغلاقه التقليدي.
دلالات