واحدة من الأخطاء التي نقع فيها حين نضع مسلسل "حرائر" في مواجهة مسلسلات مشابهة في "الدراما الشامية"، هي حين نسوّق له بوصفه رداً فنياً على الإساءات التي اقترفتها تلك المسلسلات بحقّ دمشق وناسها. وذلك لأنّنا نضع في جدول المقارنة ما يعود إلى مرجعيتين مختلفتين، فكرياً وفنياً.
مرجعية "حرائر" المختلفة
المرجعية الأولى هي تلك التي يمثلها مسلسل "حرائر". وهي تنتمي إلى الواقع وتنقله وتؤرّخ له أو تبني صورة طبق الأصل عنه. وفيها تختلط الرؤية الدرامية المتخيلة وشخصياتها، بشخصيات ووقائع تستند إلى خلفية تاريخية موثّقة من تاريخ العاصمة السورية. أي أنّها مرتبطة بالواقع ووفية له، ولا تشطح في الخيال إلا على قدر ما يتحمّل "التوثيق" أو "النقل" من تركيب أحداث تخدم الفكرة، وتركيب سيناريوهات تحمل "التاريخ" الحقيقي وتوضّبه على ألسنة شخصيات درامية.
مرجعية "باب الحارة"
أما المرجعية الثانية، التي تمثّلها أجزاء "باب الحارة" وإخوانه، فهي خيال يرتدي ثوب الواقع دون أن ينتمي إليه. فيبني حكايته على نحو مشابه لذلك الذي تعتمده حكايات الجدّات وقصص الخيال. تلك التي يبدو أبطالها كما لو أنّهم يشبهوننا، ويعيشون في بيئة بمعالم وملامح بيئتنا، لكنّهم منفلتون من شرط الواقع، ويوغلون في الخيال بقدرات وإمكانيات على نحو يخدم أهداف الحكاية بالنصح وأحذ العبرة. إضافة إلى إعلاء شأن فكرة نبيلة، غالباً لن تخرج من دائرة الوصايا القيمية التي تنشغل بها حكاية الجدّة عادة. تماماً كما هي قصص الأمانة والوفاء والإخاء والتعاون وسواها. وعلى هذا النحو ستبدو قاعدة مقارنتها مع مسلسل "حرائر" مختلّة، وساذجة أيضاً.
الخيال المنفصل عن الواقع
لنكن واقعيين، فحتّى صنّاع "باب الحارة" أنفسهم يعرفون، على سبيل المثال لا الحصر، أنّ صور البطولة التي رسموها لأهل حارة الضبع، وهم يواجهون بخناجرهم وبنادقهم البدائية دولة عظمى مثل فرنسا بآلياتها وجنودها، ليس سوى مقترح خيالي شبيه بصور البطل في أفلام الأكشن الأميركية. البطل الذي لا يفرغ مسدّسه من الرصاص ويقتل جيشاً به ولا يُقتل.
الاحتراف والإتقان
عود على بدء، تبدو دراما "حرائر" محكمة على صعيد الشكل والمضمون والأداء التمثيلي. وقد أنجزت في الطبقة الأولى من صناعة الدراما السورية، حيث كلّ شيء معدّ ومصنوع بإتقان بإدارة مخرج يمتلك أدواته الفنية كاملة، هو باسل الخطيب. وبيده نصّ للكاتبة عنود الخالد، التي نجحت في صياغة حكايات شامية تنهل من الواقع بوعي، وتتقاطع مع كتب التاريخ دون أن تتكئ عليها كلياً...
اقرأ أيضاً: "بانتظار الياسمين": الوجع السوري طبق الأصل
العمل يدعمه فريق تمثيلي متميز، كان الأبرز فيه الفنان أيمن زيدان في شخصية "الحج صبحي" والفنانة سلاف فواخرجي في شخصية "بسيمة"، إضافة إلى حضور مختلف وجديد للفنان مصطفى الخاني في شخصية "سعيد"، والفنانة حلا رجب في شخصية "ماري عجمي، والفنانة غادة بشور في شخصية "الحجة زهرية" والفنانة نورا رحال في شخصية "سليمة".
كلّ ذلك كان من شأنه أن يجعل من دراما "حرائر" عملاً سورياً متقناً، قد نختلف على بعض من تفاصيل حكايته أو في اختيار بعض ممثليه لأداء شخصيات معيّنة، لكنّ العمل يبقى، بالعين النقدية، ضمن المستوى الجيّد من الأعمال.
مشكلة "حرائر"
المشكلة الأساسية في مسلسل "حرائر" كانت في أنّه نصّب نفسه، بقصد أو من دون قصد، مدافعاً عن صورة دمشق وأهلها التي أساء إليها "باب الحارة" وإخوانه من المسلسلات الشامية. فكان حاله مثل حال "دون كيشوت" الذي قاد معركته ضدّ أعداء متخيّلين. الأمر الذي جعله ينحرف عن هدفه الحقيقي. أي أنّه انحرف عن تقديم صورة نساء دمشق في تلك الفترة الزمنية، إلى تصحيح صورتهنّ التي كرّسها مسلسل "باب الحارة" وإخوانه في العقد الأخير. والفارق بين الحالتين كبير، لمن يسأل عن الفارق بين تقديم الصورة وبين تصحيحها.
فخّ التصحيح
باختصار، فإنّه حين انشغل مسلسل "حرائر" بتصحيح الصورة التي قدّمها باب الحارة عن نساء دمشق، حرص بالتالي، عن قصد أو من دون قصد، على إعلاء شأن شخصية "بسيمة" على حساب الخطّ الدرامي الخاص بشخصيتي "ماري عجمي" و"نازك العابد". وذلك على اعتبار (أو هكذا نفترض) أنّ شخصية "بسيمة" هي نموذج مشابه لنساء باب الحارة من الناحية الفكرية والاجتماعية، إلى سواهما من الظروف المحيطة. وبالتالي تبدو المقارنة بين صورتهما "المشوّهة"، وبين صورة بسيمة "الصحيحة"، عن نساء دمشق في تلك الفترة من التاريخ الحديث، تبدو سهلة وبسيطة على المشاهد، خلافاً للأمر الذي قد لا يكون يسيراً عند مقارنة نساء "باب الحارة" بنساء مثل نازك العابد وماري عجمي.
التقديم
ذلك كان تصحيحاً للصورة... أما تقديم الصورة ذاتها، أي تقديم صورة النساء الدمشقيات وإبراز أدوارهنّ في المجتمع السوري ونضالاته في تلك المرحلة، فقد كان يتطلب، بالضرورة، توسيع الخطّ الدرامي الخاصّ بشخصيتي ماري عجمي ونازك العابد، ليكون هو الخطّ الرئيسي للحكاية. وذلك على اعتبار، أو افتراض، أن دائرتهما التنويرية ستشمل نماذج نسائية أوسع وأكثر تنوّعاً من الدائرة التي قدمتها شخصية "بسيمة" ومحيطها.
اقرأ أيضاً: انتهى مسلسل "حرائر"... واندلع الخلاف بين الكاتبة والمخرج
وقتها، وبلا أدنى شكّ، سيقدّم العمل عشرات النساء اللواتي يشبهن "بسيمة" إضافة إلى نساء أخريات من دوائر حياتية أخرى خارج دائرة بسيمة، فكرياً واجتماعياً، سبق أن وقفنَ مع أو خلف أو أمام "عجمي" و"العابد" وبرزنَ في مجالات أخرى من مجالات الحياة.
المؤكد أنّ واقع "بسيمة" لم يكن هو القاعدة العامة الشاملة لحال النساء في دمشق، ولم تكن نازك العابد وماري عجمي الاستثناءين الوحيدين بين نساء دمشق.
مرجعية "حرائر" المختلفة
المرجعية الأولى هي تلك التي يمثلها مسلسل "حرائر". وهي تنتمي إلى الواقع وتنقله وتؤرّخ له أو تبني صورة طبق الأصل عنه. وفيها تختلط الرؤية الدرامية المتخيلة وشخصياتها، بشخصيات ووقائع تستند إلى خلفية تاريخية موثّقة من تاريخ العاصمة السورية. أي أنّها مرتبطة بالواقع ووفية له، ولا تشطح في الخيال إلا على قدر ما يتحمّل "التوثيق" أو "النقل" من تركيب أحداث تخدم الفكرة، وتركيب سيناريوهات تحمل "التاريخ" الحقيقي وتوضّبه على ألسنة شخصيات درامية.
مرجعية "باب الحارة"
أما المرجعية الثانية، التي تمثّلها أجزاء "باب الحارة" وإخوانه، فهي خيال يرتدي ثوب الواقع دون أن ينتمي إليه. فيبني حكايته على نحو مشابه لذلك الذي تعتمده حكايات الجدّات وقصص الخيال. تلك التي يبدو أبطالها كما لو أنّهم يشبهوننا، ويعيشون في بيئة بمعالم وملامح بيئتنا، لكنّهم منفلتون من شرط الواقع، ويوغلون في الخيال بقدرات وإمكانيات على نحو يخدم أهداف الحكاية بالنصح وأحذ العبرة. إضافة إلى إعلاء شأن فكرة نبيلة، غالباً لن تخرج من دائرة الوصايا القيمية التي تنشغل بها حكاية الجدّة عادة. تماماً كما هي قصص الأمانة والوفاء والإخاء والتعاون وسواها. وعلى هذا النحو ستبدو قاعدة مقارنتها مع مسلسل "حرائر" مختلّة، وساذجة أيضاً.
الخيال المنفصل عن الواقع
لنكن واقعيين، فحتّى صنّاع "باب الحارة" أنفسهم يعرفون، على سبيل المثال لا الحصر، أنّ صور البطولة التي رسموها لأهل حارة الضبع، وهم يواجهون بخناجرهم وبنادقهم البدائية دولة عظمى مثل فرنسا بآلياتها وجنودها، ليس سوى مقترح خيالي شبيه بصور البطل في أفلام الأكشن الأميركية. البطل الذي لا يفرغ مسدّسه من الرصاص ويقتل جيشاً به ولا يُقتل.
الاحتراف والإتقان
عود على بدء، تبدو دراما "حرائر" محكمة على صعيد الشكل والمضمون والأداء التمثيلي. وقد أنجزت في الطبقة الأولى من صناعة الدراما السورية، حيث كلّ شيء معدّ ومصنوع بإتقان بإدارة مخرج يمتلك أدواته الفنية كاملة، هو باسل الخطيب. وبيده نصّ للكاتبة عنود الخالد، التي نجحت في صياغة حكايات شامية تنهل من الواقع بوعي، وتتقاطع مع كتب التاريخ دون أن تتكئ عليها كلياً...
اقرأ أيضاً: "بانتظار الياسمين": الوجع السوري طبق الأصل
العمل يدعمه فريق تمثيلي متميز، كان الأبرز فيه الفنان أيمن زيدان في شخصية "الحج صبحي" والفنانة سلاف فواخرجي في شخصية "بسيمة"، إضافة إلى حضور مختلف وجديد للفنان مصطفى الخاني في شخصية "سعيد"، والفنانة حلا رجب في شخصية "ماري عجمي، والفنانة غادة بشور في شخصية "الحجة زهرية" والفنانة نورا رحال في شخصية "سليمة".
كلّ ذلك كان من شأنه أن يجعل من دراما "حرائر" عملاً سورياً متقناً، قد نختلف على بعض من تفاصيل حكايته أو في اختيار بعض ممثليه لأداء شخصيات معيّنة، لكنّ العمل يبقى، بالعين النقدية، ضمن المستوى الجيّد من الأعمال.
مشكلة "حرائر"
المشكلة الأساسية في مسلسل "حرائر" كانت في أنّه نصّب نفسه، بقصد أو من دون قصد، مدافعاً عن صورة دمشق وأهلها التي أساء إليها "باب الحارة" وإخوانه من المسلسلات الشامية. فكان حاله مثل حال "دون كيشوت" الذي قاد معركته ضدّ أعداء متخيّلين. الأمر الذي جعله ينحرف عن هدفه الحقيقي. أي أنّه انحرف عن تقديم صورة نساء دمشق في تلك الفترة الزمنية، إلى تصحيح صورتهنّ التي كرّسها مسلسل "باب الحارة" وإخوانه في العقد الأخير. والفارق بين الحالتين كبير، لمن يسأل عن الفارق بين تقديم الصورة وبين تصحيحها.
فخّ التصحيح
باختصار، فإنّه حين انشغل مسلسل "حرائر" بتصحيح الصورة التي قدّمها باب الحارة عن نساء دمشق، حرص بالتالي، عن قصد أو من دون قصد، على إعلاء شأن شخصية "بسيمة" على حساب الخطّ الدرامي الخاص بشخصيتي "ماري عجمي" و"نازك العابد". وذلك على اعتبار (أو هكذا نفترض) أنّ شخصية "بسيمة" هي نموذج مشابه لنساء باب الحارة من الناحية الفكرية والاجتماعية، إلى سواهما من الظروف المحيطة. وبالتالي تبدو المقارنة بين صورتهما "المشوّهة"، وبين صورة بسيمة "الصحيحة"، عن نساء دمشق في تلك الفترة من التاريخ الحديث، تبدو سهلة وبسيطة على المشاهد، خلافاً للأمر الذي قد لا يكون يسيراً عند مقارنة نساء "باب الحارة" بنساء مثل نازك العابد وماري عجمي.
التقديم
ذلك كان تصحيحاً للصورة... أما تقديم الصورة ذاتها، أي تقديم صورة النساء الدمشقيات وإبراز أدوارهنّ في المجتمع السوري ونضالاته في تلك المرحلة، فقد كان يتطلب، بالضرورة، توسيع الخطّ الدرامي الخاصّ بشخصيتي ماري عجمي ونازك العابد، ليكون هو الخطّ الرئيسي للحكاية. وذلك على اعتبار، أو افتراض، أن دائرتهما التنويرية ستشمل نماذج نسائية أوسع وأكثر تنوّعاً من الدائرة التي قدمتها شخصية "بسيمة" ومحيطها.
اقرأ أيضاً: انتهى مسلسل "حرائر"... واندلع الخلاف بين الكاتبة والمخرج
وقتها، وبلا أدنى شكّ، سيقدّم العمل عشرات النساء اللواتي يشبهن "بسيمة" إضافة إلى نساء أخريات من دوائر حياتية أخرى خارج دائرة بسيمة، فكرياً واجتماعياً، سبق أن وقفنَ مع أو خلف أو أمام "عجمي" و"العابد" وبرزنَ في مجالات أخرى من مجالات الحياة.
المؤكد أنّ واقع "بسيمة" لم يكن هو القاعدة العامة الشاملة لحال النساء في دمشق، ولم تكن نازك العابد وماري عجمي الاستثناءين الوحيدين بين نساء دمشق.