15 نوفمبر 2024
"حدث مرّةً في هوليوود"
أما وأنه فيلم أميركي، وبطلاه نجمان شهيران، براد بيت وليوناردو دي كابريو، فهذان أول أسباب النجاح الجماهيري الواسع الذي يحقّقه "حدث مرّةً في هوليوود"، منذ بدأ يُشاهَد في العالم قبل نحو ثلاثة أسابيع، أحرز فيها إيراداتٍ تتجاوز 180 مليون دولار، فيما المتوقّع أن يجني أربعمائة مليون دولار، وعروضُه حاليا في غير بلد عربيٍّ تلقى إقبالا كبيرا. .. فيلم أميركي جدا، طويل ربما يبعث على بعض الملل العارض (160 دقيقة). أجواؤه صيف 1969 في لوس أنجليس. تلملم حكايتُه تفاصيل حقيقيةً وأخرى متخيّلة، تخلط بين ما قد جرى وما هو متوهّمٌ أنه جرى، عن ممثل مسلسلاتٍ تلفزيونيةٍ، شعبيةٍ، فاشلةٍ ورديئةٍ على الأغلب، خائبٍ ومُدمن، يتوسّل نجاحا وإعجابا، يحوز قليلا منهما، ويرغب بأكثر، فيرتحل شهورا إلى إيطاليا للعمل في أفلام متواضعة.
في الأثناء، يطل الفيلم، وهو التاسع لمخرجه، كوانتين تارانتينو (1963)، على مقطعٍ حرجٍ من المشهد الأميركي قبل خمسين عاما، حيث تجتمع فيه تفاصيلُ تحيل إلى ذلك المشهد، بمزاجٍ عابثٍ في بعض المواضع نوعا ما، وساخرٍ في أخرى إلى حد كبير، وشائقٍ في إيقاعه العام. والمقطع هذا عن مجموعةٍ هيبيةٍ تتْبع مجرما كان شهيرا في تلك الستينيات، اسمُه تشارلز مانسون، تُقدِم على ارتكاب جرائم قتل، استهدف بعضُها مشاهير، كان منهم الممثلة، المتواضعة الأهمية، شارون تيت، إبّان كانت زوجة المخرج رومان بولانسكي، وكانا يقيمان في فيلا مجاورة لفيلا الممثل الذي يقوم فيلم تارانتينو على حكايته وأحواله، واسمُه بيت دالتون، ويؤدّي دورَه ليوناردو دي كابريو.
لا يعتني "حدث مرّةً في هوليوود" بواقعة الاعتداء الحقيقية على فيلا بولانسكي (في غيابه وبوجود زوجته الحامل) كما حدثت. وإنما يصنع واقعة اعتداءٍ على فيلا الممثل دالتون المجاورة، والتي يستضيف فيها صديقَه الذي يؤدّي المشاهد الخطرة في أعماله، واسمُه كليف بوث، وهو براد بيت في فيلمنا، وشخصيّته مختلقة من عنديّات المخرج. ولا يُجازف صاحب هذا التعليق المرتجل في رأيه هنا إن "كان يا ما كان في هوليوود" (في ترجمةٍ أخرى)، لم يكن له أن يُصيب نجاحَه العريض لولا هذه الشخصية، الطريفة، الحميمة، البديعة (بنزرٍ طفيفٍ جدا من المبالغة)، والتي أدّاها براد بيت ببراعةٍ باهظة.
ليس من شيءٍ في القصة هذه، مع حواشيها ومتفرّعاتها، الأميركية الشديدة المحليّة، وذات الشّحنة السياسية الخافتة جدا (نيكسون وفيتنام و..)، يحْمل على الانجذاب إلى متابعتها، إلى حدّ يجعل الإقبال العالمي (دعك من الأميركي الداخلي) على مشاهدة هذا الفيلم، في روسيا وفرنسا وغيرهما، يصل إلى هذا المستوى البالغ، فلا هو فيلم مغامرات تجاري، ولا من أفلام مشاهد الجموع والأكشن والمعارك والحروب، ولا هو رومانسي أو عاطفي أو اجتماعي، أو درامي عموما، من النوع الذي تستطيب شرائحُ عريضةٌ من الجمهور التسليةَ بمشاهدته، ولا من أفلام الخيال والتقنيات العالية في صناعة الغرائب والعجائب. لا، هو فيلمٌ يكاد يكون تلفزيونيا، يقوم على الحوارات الكثيرة، (السوقيّة أحيانا)، وعلى حركةٍ متقطعةٍ في انتقالات المشاهد من شارع إلى شارع، ومن منزل إلى آخر، والأهم على إحالة المشاهد إلى مزاج أميركي، في أجواء تصوير أفلام ومسلسلات الويسترن الستينية، من خلال قصة ذلك الممثل المتواضع الأهمية. وأمام حقيقة "حدث مرّة في هوليوود" هذه التي لا تجعله تحفةً، ولا عملا سينمائيا استثنائيا، وأمام بديهيّة أن المشاهدين الذين تقاطروا إليه في العالم ليسوا على ثقافةٍ خاصّة بالسينما، ويعرفون نتاج كوانتين تارانتينو، فأرادوا الوقوف على جديدِه، بعد أفلامه الثمانية، وأحدها عن العبودية في أميركا في القرن الثامن عشر، وآخر عن أجواء الحرب العالمية الثانية، أمام هذا كله، ما هي مواطن الانجذاب الواسع إلى هذا الفيلم؟
لعل منها اجتماع الثنائي الطريف، الوديع، الطلق، براد بيت وليوناردو دي كابريو، في دوريْن يشيعان بهجةً مؤكّدة، مع عفوية السخرية الفائقة في صلتهما ببعضهما، وعلاقاتهما بمحيطهما، وكذا حضور آل باتشينو وستيف ماكوين (وبروس لي)، وغيرهما من نجوم، في مشاهد قليلة. كما ثمّة العنف، القاسي أحيانا، والقتل بلا حساسيّة، بل وحبّ القتل أحيانا. ذلكم كله من أسباب الحرارة الحاضرة في الفيلم، غير أن شيئا أقوى وأكثر نفاذا جعله فيلما جماهيريا، فيما هو ليس، هناك، في موضوعه وإيقاعه كله، ما يجعله كذلك، وهو أنه فيلم أميركي .. جدا.
لا يعتني "حدث مرّةً في هوليوود" بواقعة الاعتداء الحقيقية على فيلا بولانسكي (في غيابه وبوجود زوجته الحامل) كما حدثت. وإنما يصنع واقعة اعتداءٍ على فيلا الممثل دالتون المجاورة، والتي يستضيف فيها صديقَه الذي يؤدّي المشاهد الخطرة في أعماله، واسمُه كليف بوث، وهو براد بيت في فيلمنا، وشخصيّته مختلقة من عنديّات المخرج. ولا يُجازف صاحب هذا التعليق المرتجل في رأيه هنا إن "كان يا ما كان في هوليوود" (في ترجمةٍ أخرى)، لم يكن له أن يُصيب نجاحَه العريض لولا هذه الشخصية، الطريفة، الحميمة، البديعة (بنزرٍ طفيفٍ جدا من المبالغة)، والتي أدّاها براد بيت ببراعةٍ باهظة.
ليس من شيءٍ في القصة هذه، مع حواشيها ومتفرّعاتها، الأميركية الشديدة المحليّة، وذات الشّحنة السياسية الخافتة جدا (نيكسون وفيتنام و..)، يحْمل على الانجذاب إلى متابعتها، إلى حدّ يجعل الإقبال العالمي (دعك من الأميركي الداخلي) على مشاهدة هذا الفيلم، في روسيا وفرنسا وغيرهما، يصل إلى هذا المستوى البالغ، فلا هو فيلم مغامرات تجاري، ولا من أفلام مشاهد الجموع والأكشن والمعارك والحروب، ولا هو رومانسي أو عاطفي أو اجتماعي، أو درامي عموما، من النوع الذي تستطيب شرائحُ عريضةٌ من الجمهور التسليةَ بمشاهدته، ولا من أفلام الخيال والتقنيات العالية في صناعة الغرائب والعجائب. لا، هو فيلمٌ يكاد يكون تلفزيونيا، يقوم على الحوارات الكثيرة، (السوقيّة أحيانا)، وعلى حركةٍ متقطعةٍ في انتقالات المشاهد من شارع إلى شارع، ومن منزل إلى آخر، والأهم على إحالة المشاهد إلى مزاج أميركي، في أجواء تصوير أفلام ومسلسلات الويسترن الستينية، من خلال قصة ذلك الممثل المتواضع الأهمية. وأمام حقيقة "حدث مرّة في هوليوود" هذه التي لا تجعله تحفةً، ولا عملا سينمائيا استثنائيا، وأمام بديهيّة أن المشاهدين الذين تقاطروا إليه في العالم ليسوا على ثقافةٍ خاصّة بالسينما، ويعرفون نتاج كوانتين تارانتينو، فأرادوا الوقوف على جديدِه، بعد أفلامه الثمانية، وأحدها عن العبودية في أميركا في القرن الثامن عشر، وآخر عن أجواء الحرب العالمية الثانية، أمام هذا كله، ما هي مواطن الانجذاب الواسع إلى هذا الفيلم؟
لعل منها اجتماع الثنائي الطريف، الوديع، الطلق، براد بيت وليوناردو دي كابريو، في دوريْن يشيعان بهجةً مؤكّدة، مع عفوية السخرية الفائقة في صلتهما ببعضهما، وعلاقاتهما بمحيطهما، وكذا حضور آل باتشينو وستيف ماكوين (وبروس لي)، وغيرهما من نجوم، في مشاهد قليلة. كما ثمّة العنف، القاسي أحيانا، والقتل بلا حساسيّة، بل وحبّ القتل أحيانا. ذلكم كله من أسباب الحرارة الحاضرة في الفيلم، غير أن شيئا أقوى وأكثر نفاذا جعله فيلما جماهيريا، فيما هو ليس، هناك، في موضوعه وإيقاعه كله، ما يجعله كذلك، وهو أنه فيلم أميركي .. جدا.