تشرح نلوفر غول عالمة الأنثروبولوجيا التركية الأصل ومديرة الأبحاث في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في فرنسا، كيف أن الفضاء العام في تركيا وفرنسا يمكن أن يصبح مكانا لـ "معيارية الأداء الإسلامي" من خلال إظهار علامات في اللباس بكونها تنتهك بها القواعد العلمانية للنظام العام. وعلى الجانب الآخر من هذا الفهم تناقش إميلي لورونار في كتابها "النساء والفضاءات العامة في السعودية"، كيف أن دولا متعددة تمثل النموذج المعاكس تماما، باعتبار أن المرجعية الإسلامية هي أساس القواعد المنظمة للفضاء العام فيها، وأن الفتيات هن من ينتهكن تلك القواعد بفرض معايير جديدة على المجتمع، أو إزاحة ما هو موجود تدريجيا. ففي السعودية يُفرض نوع من اللباس على النساء يجب أن يفي بشروط ثلاثة: إخفاء جسد المرأة (مبدأ الحشمة)، تأكيد الهوية الإسلامية (أي ألا يكون تقليدا للغرب)، وأخيرا تأكيد هوية المرأة الجندرية (أي ألا يكون تقليدا للرجال).
وتنتشر أشرطة كاسيت ومنشورات دعوية توزع من قبل رجال الدين ونسائه، في الفضاءات الإسلامية والمؤسسات تدين وضع العباءة على الكتف لأنها تفصل الجسد، وتؤكد أن "المرأة التقية حقا" هي تلك التي تضع عباءتها على رأسها وتكون فضفاضة على جسدها وبالتالي تسير في طريق الجنة، في حين أن المرأة "غير الصالحة" والتي تضع عباءتها على كتفيها، تسير نحو نار جهنم. وتستكمل هذه الدعوات جهودها حين تعدد "شروط حجاب المرأة المسلمة" كأن يكون سميكا، ساترا، عريضا، وخاليا من الزينة، وأن توضع العباءة فوق الرأس. إلا أن إميلي التي عايشت التجربة السعودية عن قرب، تشير في كتابها إلى خروقات اللباس التي يقوم بها جيل الشابات الجديد، وهو أمر ملاحظ في المراكز التجارية المتخصصة حصرا للنساء. فالعباءات أصبحت أضيق، وتنفتح على كثير من الملابس الشفافة، والبناطيل الضيقة، والألوان البراقة، وهو ما كان ممنوعا ومحرما في السابق. وتجتهد الكثير من الفتيات السعوديات اللواتي قابلتهن المؤلفة، لتبرير هذا السلوك أو انتهاك القواعد الصارمة المحيطة باللباس في السعودية، فنرى ندى، 28 عاما، وهي أمينة تنفيذية في مركز تدريب نسائي في السعودية تحاول الدفاع عن لباسها الضيق بشكل غير مباشر، بكونها "تقيم الصلوات الخمس التي تعتبرها واجبة، والباقي كله ثانوي".
أما سعاد، 25 عاما، وتعمل مرشدة اجتماعية فتقول "من ناحية الإيمان والعقيدة فأنا متدينة، ولكن ذلك لا يبدو على مظهري الخارجي. هنا عندما نهتم بالسياسة نهتم بالدين. وتبعا لذلك بفضل السياسة، يصبح أي شخص ملتزم دينيا. أنا غير محجبة ولا يهمني أن يظهر شعري، ولكني في داخلي أشعر بقرب شديد من الله".
وترى إميلي في تلك السلوكيات التي أصبحت معتمدة في العلن من قبل الفتيات السعوديات، أن الهدف منها هو التشكيك في النموذج النسائي الإسلامي المسوق من قبل خطاب الخصوصية السعودية.
بيد أن وجهة نظر ندى وسعاد قد تعكس رأي الكثير من الفتيات في العالم العربي، فكما شهدنا موجة من ارتداء الحجاب في السنوات الأخيرة، شهدنا أيضا ولو بشكل أقل اتجاها لخلعه. وقد تكون الدعوة التي طالبت بها النساء المصريات بمليونية لخلع الحجاب الشهر الماضي في ساحة التحرير، دليلا على توجهات معينة لا تثير اهتمام كثيرين.
يحيلنا هذا النقاش إلى الجدال الذي لا ينتهي حول صحة فرض الحجاب على النساء من عدمه. وبعيدا عن زحمة الأدبيات المتراكمة وسط هذا الجدل، نتابع الكاتبة نزهة براضة مؤلفة كتاب "الأنوثة في فكر ابن عربي"، دار الساقي، في ملاحقتها لمقولات ونظرات محي الدين ابن عربي حول اللباس. تستقوي المؤلفة بالصوفي الشهير في اقتناعها بأن الحجاب لا يشكل أصلا من أصول الدين، بل أملته شروط بشرية متغيرة، كما يؤكد ابن عربي "فلو كان الستر لها أصلا لما قيل لها في الإحرام لا تستري وجهك".
تقول نزهة براضة أنه لطالما فُسر فرض الخمار والنقاب والحجاب على النساء خوفا على الرجال من فتنة غير منتظمة، وتم استغلال حجاب المرأة ومعه ضعف الوازع الأخلاقي لدى الرجال في سياق الدفاع عن وجه الحيوانية في الإنسان. وباسم الدين ألزمت النساء بالحجاب، فأصبح جسد المرأة عورة ومدنسا، وهذا ما ينكره ابن عربي "أما مذهبنا فليست العورة في المرأة أيضا إلا السوءتين كما قال تعالى "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" فسوّى بين آدام وحواء في ستر السوءتين وهما العورتان.
يُدهشنا أيضا صاحب كتاب "الفتوحات" بتفسير مثير للاهتمام عن المعنى الباطني لتغطية المرأة رأسها، ويبين أن حجاب الرأس يحيل إلى تغطية ما في النفس البشرية من حب الرياسة والملك. إذ أُمرت النفس أن تغطي رأسها أي تستر رياستها، فلهذا أمرت النفس المملوكة أن تغطي رأسها في الصلاة. واقترن الحجاب في ظاهر الكلام بالنساء، لأن النفس تدل على الأنوثة في كل إنسان. ومن ثم فإن القول الخاص بـ "حجاب المرأة" يخاطب نفوس الرجال والنساء الذين يحبون الظهور والغلبة والملك، وتستعبدهم الرياسة، فيحثهم الخطاب الإلهي على تغطية حب الرياسة. فالنفس التي تحب مقامها ومقام ربها، ولا تطلب الرياسة على غيرها تحتجب بتواضعها، وبهذا فإن الآية الخاصة بحجاب النساء توجه في حقيقتها إلى نفوس غالبية الرجال لتقاتلهم من أجل السلطة والظهور والقهر، إذ يأمرهم الله بتغطية ما بنفوسهم من حب الملك والسلطة، ومطامنة كبريائهم، وطلب حجاب العبودية.
وتنتشر أشرطة كاسيت ومنشورات دعوية توزع من قبل رجال الدين ونسائه، في الفضاءات الإسلامية والمؤسسات تدين وضع العباءة على الكتف لأنها تفصل الجسد، وتؤكد أن "المرأة التقية حقا" هي تلك التي تضع عباءتها على رأسها وتكون فضفاضة على جسدها وبالتالي تسير في طريق الجنة، في حين أن المرأة "غير الصالحة" والتي تضع عباءتها على كتفيها، تسير نحو نار جهنم. وتستكمل هذه الدعوات جهودها حين تعدد "شروط حجاب المرأة المسلمة" كأن يكون سميكا، ساترا، عريضا، وخاليا من الزينة، وأن توضع العباءة فوق الرأس. إلا أن إميلي التي عايشت التجربة السعودية عن قرب، تشير في كتابها إلى خروقات اللباس التي يقوم بها جيل الشابات الجديد، وهو أمر ملاحظ في المراكز التجارية المتخصصة حصرا للنساء. فالعباءات أصبحت أضيق، وتنفتح على كثير من الملابس الشفافة، والبناطيل الضيقة، والألوان البراقة، وهو ما كان ممنوعا ومحرما في السابق. وتجتهد الكثير من الفتيات السعوديات اللواتي قابلتهن المؤلفة، لتبرير هذا السلوك أو انتهاك القواعد الصارمة المحيطة باللباس في السعودية، فنرى ندى، 28 عاما، وهي أمينة تنفيذية في مركز تدريب نسائي في السعودية تحاول الدفاع عن لباسها الضيق بشكل غير مباشر، بكونها "تقيم الصلوات الخمس التي تعتبرها واجبة، والباقي كله ثانوي".
أما سعاد، 25 عاما، وتعمل مرشدة اجتماعية فتقول "من ناحية الإيمان والعقيدة فأنا متدينة، ولكن ذلك لا يبدو على مظهري الخارجي. هنا عندما نهتم بالسياسة نهتم بالدين. وتبعا لذلك بفضل السياسة، يصبح أي شخص ملتزم دينيا. أنا غير محجبة ولا يهمني أن يظهر شعري، ولكني في داخلي أشعر بقرب شديد من الله".
وترى إميلي في تلك السلوكيات التي أصبحت معتمدة في العلن من قبل الفتيات السعوديات، أن الهدف منها هو التشكيك في النموذج النسائي الإسلامي المسوق من قبل خطاب الخصوصية السعودية.
بيد أن وجهة نظر ندى وسعاد قد تعكس رأي الكثير من الفتيات في العالم العربي، فكما شهدنا موجة من ارتداء الحجاب في السنوات الأخيرة، شهدنا أيضا ولو بشكل أقل اتجاها لخلعه. وقد تكون الدعوة التي طالبت بها النساء المصريات بمليونية لخلع الحجاب الشهر الماضي في ساحة التحرير، دليلا على توجهات معينة لا تثير اهتمام كثيرين.
يحيلنا هذا النقاش إلى الجدال الذي لا ينتهي حول صحة فرض الحجاب على النساء من عدمه. وبعيدا عن زحمة الأدبيات المتراكمة وسط هذا الجدل، نتابع الكاتبة نزهة براضة مؤلفة كتاب "الأنوثة في فكر ابن عربي"، دار الساقي، في ملاحقتها لمقولات ونظرات محي الدين ابن عربي حول اللباس. تستقوي المؤلفة بالصوفي الشهير في اقتناعها بأن الحجاب لا يشكل أصلا من أصول الدين، بل أملته شروط بشرية متغيرة، كما يؤكد ابن عربي "فلو كان الستر لها أصلا لما قيل لها في الإحرام لا تستري وجهك".
تقول نزهة براضة أنه لطالما فُسر فرض الخمار والنقاب والحجاب على النساء خوفا على الرجال من فتنة غير منتظمة، وتم استغلال حجاب المرأة ومعه ضعف الوازع الأخلاقي لدى الرجال في سياق الدفاع عن وجه الحيوانية في الإنسان. وباسم الدين ألزمت النساء بالحجاب، فأصبح جسد المرأة عورة ومدنسا، وهذا ما ينكره ابن عربي "أما مذهبنا فليست العورة في المرأة أيضا إلا السوءتين كما قال تعالى "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" فسوّى بين آدام وحواء في ستر السوءتين وهما العورتان.
يُدهشنا أيضا صاحب كتاب "الفتوحات" بتفسير مثير للاهتمام عن المعنى الباطني لتغطية المرأة رأسها، ويبين أن حجاب الرأس يحيل إلى تغطية ما في النفس البشرية من حب الرياسة والملك. إذ أُمرت النفس أن تغطي رأسها أي تستر رياستها، فلهذا أمرت النفس المملوكة أن تغطي رأسها في الصلاة. واقترن الحجاب في ظاهر الكلام بالنساء، لأن النفس تدل على الأنوثة في كل إنسان. ومن ثم فإن القول الخاص بـ "حجاب المرأة" يخاطب نفوس الرجال والنساء الذين يحبون الظهور والغلبة والملك، وتستعبدهم الرياسة، فيحثهم الخطاب الإلهي على تغطية حب الرياسة. فالنفس التي تحب مقامها ومقام ربها، ولا تطلب الرياسة على غيرها تحتجب بتواضعها، وبهذا فإن الآية الخاصة بحجاب النساء توجه في حقيقتها إلى نفوس غالبية الرجال لتقاتلهم من أجل السلطة والظهور والقهر، إذ يأمرهم الله بتغطية ما بنفوسهم من حب الملك والسلطة، ومطامنة كبريائهم، وطلب حجاب العبودية.