يتطلّبُ التجوّل برفقة محمد أبو عميرة في أحياء عمّان الشرقية وحاراتها، التحرّر من أي التزامات أخرى، إذ إن من يرافقه سيكون مجبراً على التوقف مراراً للاستماع إلى نقاشاته مع السكان حول سير العمل في ترميم الجدران وإصلاح الأرصفة وتشجير الطرقات. وبعد جولة طويلة، قد تظن أن الرجل مسؤول في إحدى المؤسسات الخدماتية أو نائباً. ليس هذا ولا ذاك. هو صاحب فكرة اجتهد في خلال السنوات العشر الأخيرة للترويج لها، وهي تشجيع السكان على إصلاح حاراتهم القديمة وتجميلها.
بدأ أبو عميرة العمل على تطوير فكرته عام 2005، وقد حوّلها إلى مبادرة تحمل اسم "حارة". في ذلك الوقت، كان الرجل قد استقال من عمله في وزارة التخطيط كمستشار في مجال تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وعاد إلى حارته الواقعة في منطقة الأشرفية في عمّان الشرقية، والتي كان قد غادرها لفترة طويلة نتيجة ظروف عمله. يقول: "بعدما عدت إلى الحارة، استفزّني واقعها. كانت الأسوار متآكلة أو مهدمة، والنفايات مرمية في الأحياء، والجيران يتشاجرون على مواقف السيارات". حال الحارة أقلق أبو عميرة، فحثّ الأهالي على الاهتمام بها. ويوضح أنه غالباً ما كان الحوار مع جيرانه يصل إلى طريق مسدود، لاقتناعهم أن أي اصلاح تتحمل الدولة مسؤوليته.
بعد تسعة أشهر من الحوار، وافق أحد سكان الحارة على ترميم مدخل منزله وتنظيفه، الأمر الذي شجّع المقيمين فيها والذين يتوزّعون في 75 عائلة، على القيام بالمثل. وعام 2006، صارت الحارة أشبه بورشة مفتوحة، وعمل السكان على تجميل بيوتهم والأحياء. وكان السكان يعملون مساء بعد الانتهاء من وظائفهم.
استغرق الانتهاء من العمل في الحارة نحو عام ونصف العام. ويوضح أبو عميرة أن العمل كان يسير بحسب أوقات فراغ السكان، بالإضافة إلى توفر المواد اللازمة. وبعد الانتهاء من الترميم، عمل السكان على تشجيرها، وترتيب مواقف السيارات وتوزيعها بين السكان. أيضاً، عملوا على بناء شبكة لسقاية الأشجار مستغلين "المياه الرمادية"، من خلال أنابيب لتنقية المياه واستخدامها في الري وتنظيف الحارة.
اقرأ أيضاً: غياب العدالة الاجتماعية يحفّز عمل الأطفال في الأردن
ويرى أبو عميرة أن الهدف من المبادرة ليس ترميم الجدران والأرصفة، بل توطيد العلاقات بين السكان بشكل أساسي. ويوضح أن جميع السكان كانوا يشاركون في الاجتماعات الدورية لوضع الخطط للترميم، قبل أن يتولى فريق يتألف من مهندسين تطوير هذه الأفكار، ما جعلهم ينهون الخلافات التي كانت قائمة بينهم. يتابع أن التعاون اليومي بين السكان حوّلهم إلى أسرة واحدة، لتحقق الحارة إنجازاً استثنائياً من خلال الوصول إلى نتيجة "صفر عنف" في خلال 92 شهراً متواصلاً. ويقول إن ذلك ما كان ليتحقق من دون ترميم العلاقات الإنسانية بين السكان، لافتاً إلى أن المبادرة تولّت أيضاً حل الخلافات بين السكان قبل أن تتطور إلى شجار.
وتتميز الحارة بنشاطاتها الاجتماعية، كاللقاءات الدورية والإفطارات الجماعية في خلال شهر رمضان وتبادل الملابس والتسوّق وغيرها. أيضاً، استحدثت برنامجاً لتعليم الأمهات وأبنائهن اللغة الإنجليزية بالتعاون مع مدرسة قريبة، ما يجعل الوالدة قادرة على متابعة أبنائها خلال وتدريسهم بشكل أفضل.
وتجدر الإشارة إلى أن المبادرة حصلت في عام 2010 على جائزة أفضل مشروع اجتماعي ريادي على مستوى الشرق الأوسط (تقدمها منظمة أشوكا للتنمية). كذلك فإن نجاحها أدّى إلى تعيين أبو عميرة في عام 2006 مستشاراً لأمين عمّان للتنمية الاجتماعية والتطوير، إلا أنه استقال بعد شهرين عازياً السبب إلى عدم رغبته في البقاء في مكتب، موضحاً أنه كان يرغب في البقاء بين سكان الحارات من أجل تعميم التجربة.
ونجح أبو عميرة في تعميم التجربة على ست حارات أخرى، علماً أنه في كل حارة مسؤولون عن متابعة أمورها مع المجلس المجتمعي الذي يتكون من أبناء الحارة. هو يحلم أن تصل المبادرة إلى جميع حارات المملكة. ويقول إن الحارة دولة صغيرة قائمة بذاتها، فيها قادة وجامعيون وتجار وفقراء ومجرمون ومهمشون. برأيه، يكمن التحدي وسط هذه التعقيدات. يضيف أنه يُعدّ غريباً في الحارات الأخرى، الأمر الذي يتطلب جهداً إضافياً لإقناع السكان، وتحديداً بعد العثور على القادة الشعبيين القادرين على تحفيز الناس.
ويؤكّد أبو عميرة: "أطمحُ إلى ترميم المنازل والحارة والمدينة وأخيراً الدولة، من خلال برامج اجتماعية واقتصادية وتعليمية وصحية يشارك السكان في صياغتها، ليصبحأطمحُ إلى ترميم المنازل والحارة والمدينة وأخيراً الدولة، وا أكثر حرصاً على تطبيقها". وهو مصرّ على عدم التنازل عن حلمه.
اقرأ أيضاً: حقوقُ المفطرين في الأردن