يشعر الناشط الدنماركي يورغن هامستفيلد، المهتم بشؤون جماعات اليمين القومي في دول الشمال، بالخطر الشديد على اللاجئين والمهاجرين، منذ إعلان مجموعات يمينية متطرفة، في دول الشمال (آيسلندا والدنمارك والسويد وفنلندا والنرويج)، عن تأسيس ما يسمى بجيش أودين، إذ تنشر تلك المجموعات ثقافة العنف والاعتداء على المهاجرين، ما يعده هامستفيلد، عضو حزب اللائحة الموحدة اليساري، والمؤيد للقضايا العربية، شبه إعلان لحرب أهلية خفية يريد المتطرفون تأجيجها، ليصبح القادمون الجدد هدفا أساسيا للمتطرفين الذين يأججون المشاعر عبر استخدام آلهة قديمة مرتبطة بالحروب والمعارك.
ويعتبر "الإله أودين" (وفق المعتقدات النرويجية القديمة) والميثولوجيا النوردية، أبو الآلهة الكونية، واسمه تُشتق منه مصطلحات تدل على "الحماسة والغضب"، وعند المهتمين بالأدب، يعد أودين إله الحكمة والحرب والمعارك والنصر في معتقدات قديمة جدا ما تزال تجد صدى عند فئات شعبية ورسمية تعده رمزا لتاريخ القوة الممتد منذ ما قبل عصر محاربي الفايكنغ وبعده، في دول تلك المنطقة.
اقرأ أيضا: جنود إسرائيل الغربيون4.. تعبئة عسكرية علنية في اسكندنافيا
البداية من هيلسنكي
وفق ما وثّقه معد التحقيق، فإن ملامح التشنج الواضح في العلاقة بين المجتمعات الأوروبية في دول الشمال ومجموعات اللاجئين والمهاجرين، بدأت من العاصمة الفنلدية (هيلسنكي)، إذ جرى اتهام اللاجئين والمهاجرين، بشكل واضح وصريح منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عقب هجمات باريس، بـ"تخريب المجتمعات والثقافة الأوروبية" بواسطة سياسيين متطرفين ووسائل إعلام قريبة منهم، الأمر الذي تصاعد عبر استغلال أحداث كولونيا الألمانية (اعتدءات يزعم أن مجموعات من الرجال ارتكبتها ضد محتفلين)، من قبل كتل ومجموعات اليمين القومي المتطرف في عملية أسفرت عن الإعلان عن تأسيس مجموعات "القصاص الذاتي".
وبعد أن بدأت ملامح ذلك التأسيس تظهر في الدنمارك والنرويج والسويد، سبقت مجموعات اليمين المتطرف الفنلندية الجميع بالإعلان الصريح عن تسيير "دوريات" في المدن، تتكوّن من مواطنين مدنيين بحجة "حماية فنلندا ومواطنيها من اللاجئين"، وهو ما يعد استنساخا لتشكيلات مشابهة ظهرت في دوسلدورف الألمانية وارتكبت اعتداءات عشوائية على مهاجرين ولاجئين. ولا تخفي تلك المجموعات ميولها النازية. وخلال تظاهرة في الأسبوع الماضي، بمنطقة جونسو شرق البلاد، دعت مواطني فنلندا "في كافة المدن للانضمام إلى جنود أودين".
تنسيق بين مجموعات التطرف في الشمال وألمانيا
لا يتوقف خطر مجموعات أودين المتطرفة عند حدود حوالي 20 مدينة فنلندية يجري فيها تسيير دوريات، "بل اتسع بما يشبه تنسيقا مرعبا للبعض من مثقفي دول الشمال، بين مجموعات يمينية في تلك الدول"، كما يقول الكاتب والناشط اليساري الدنماركي، جون غرامستروب، لـ"العربي الجديد"، متابعا "هؤلاء من اليمين المتطرف يدغدغون المشاعر القومية تحت أعين وبصر السلطات الأمنية، بل ويدعون بأنهم سيكونون بمثابة عيون الشرطة. وهناك أدلة كثيرة نملكها عن تنسيق يجري بين هؤلاء المتطرفين في عدد من مدننا، ولا شيء خفي في أن الحركة النازية القوية في السويد والنرويج تنسّق معهم ومع الحركة الوطنية الديمقراطية النازية في مدن الدنمارك".
ويضيف غرامستروب "ثمة مؤشرات خطيرة على استغلال حدث كولونيا ليتسع التنسيق مع الحركة النازية الجديدة في ألمانيا. وإذا أخذت بعين الاعتبار التصريحات التي تصدر عن سياسيين ووزراء من يمين الوسط والمتطرف في عدد من الدول، سواء في أوروبا الشرقية، أو الغربية، فأنت أمام حالة تجعل التربة خصبة لغض الطرف عن تلك المجموعات التي أعلن عن مثيل لها أيضا في ألمانيا".
اقرأ أيضا: الأئمة في أوروبا [3-5].. اتهامات بإعاقة الاندماج في الدنمارك
ناشطة مندسة
يستخدم اليمين المتطرف والأقرب إلى المجموعات النازية الجديدة، وسائل التواصل الاجتماعي "المغلقة" على الأعضاء لتنظيم تحركاتهم، وفق ما ذكرته لـ"العربي الجديد"، ناشطة دنماركية شابة عرّفت نفسها بـ"يوهانا".
انضمت يوهانا إلى مجموعة متطرفة في فنلندا، بعد أن أوهتمهم أنها معهم، وتشاركهم أفكارهم، وترغب في تعاون يشمل السويد والدنمارك أيضا. تقول يوهانا لـ"العربي الجديد": "أنا ناشطة في مجموعات مكافحة النازيين ونتعاون مع مجموعات شبابية تنتشر وتنتقل بين المدن الشمالية، وتسافر حتى إلى النمسا للاحتجاج على اليمين وتحركاته، وما قمت به هدفه التعرف على طريقة وخطط هؤلاء لمكافحتهم".
كيف يفكر اليمين المتطرف؟
لا يخفي مسؤول الحركة اليمينية المتطرفة في فنلندا "الفنلنديون الحقيقيون"، سيبستيان تونكنين، ما تعنيه تحركاتهم الجديدة وتأسيس تلك المجموعات المشكّلة من شبان عنيفين ومعروفين باعتداءات جسدية على من يخالفهم من مواطنين ولاجئين ومهاجرين يحملون أفكارا أخرى، إذ يقول للصحافة المحلية: "الشرطة ليست لها عيون كافية، وهم يحتاجون لنا بحيث تصبح القضية مسؤولية المواطنين الذين يجب أن يأخذوا الأمر على عاتقهم بدوريات أسبوعية".
وتعتمد دعاية سيبستيان على الحديث عن "وجود أكثر من 30 ألف طالب لجوء في بلادنا منذ العام الماضي، وهؤلاء جاؤوا للقيام بأعمال عنف واغتصاب"، وهو يدعي بأن بلاده "شهدت تصاعدا في أعمال العنف والاعتداءات الجنسية. المواطنون باتوا يفقدون الثقة بالسلطات ويشعرون بخوف ونحن سنحميهم". يروج سيبستيان ورفاقه المتطرفين، نظرة تعميمية وبدون دليل، ما يجعل المستهدف عند "الفنلنديين الحقيقيين" هو كل من ليس بفنلندي أو أوروبي، بحسب الناشط الحقوقي الدنماركي، المحامي هيليا راتزر.
ويخشى راتزر من أن "تفلت الأمور وأن لا تتدخل الأجهزة الأمنية والقضائية في وضع حد للتغوّل المتطرف". ويضيف راتزر، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "إذا نظرنا لتصاعد النبرة اليمينية المتطرفة، ودعوتها أخيرا لاستخدام العنف وتبريره ضد اللاجئين، فهي مترافقة مع تشديدات قانونية في استقبال اللاجئين والمهاجرين، وهي تبدو وكأنها مسايرة لهذا المعسكر، وهذا أمر ينطوي على مخاطر جمة على قضية التعايش والاندماج ويخلق المزيد من التهميش والفرز المجتمعي".
ولا يبتعد عن ذلك الرأي الناشط الفلسطيني مالك البطران، إذ يقول لـ"العربي الجديد": "بت ألحظ تأثير التصريحات السياسية على المجموعات المتطرفة، وخصوصا ذات الجذور النازية، إذ أصبحت لديهم جرأة في طرح الانتقام وكأنه طبيعي في مجتمعات تضع العدالة فوق الجميع، بسبب تصريحات سياسيين متطرفين داعمين لهم".
اقرأ أيضا: توت عنخ آمون.. تشويه قناع الملك بالمتحف المصري
استفزاز الشباب المهاجرين
يبدي الإمام الدنماركي، عبد الله إسماعيل، المهتم بشؤون الشباب العرب والمسلمين من المهاجرين في عدد من دول الشمال، اندهاشه من أن الاعتداء الجسدي الذي تعرضت له مجموعة من اللاجئين خلال اليومين الماضيين لم يثر ضجة كما يثير أي تصرف مرفوض وفردي من مسلمين أو أجانب عموما.
ويقول إسماعيل، لـ"العربي الجديد": "ها نحن الآن نرى كيف يجري التحريض علانية على هؤلاء، ونتلقى يوميا عشرات التهديدات بأسماء مجموعات لا تأخذها الأجهزة الأمنية على محمل الجد".
ويضيف إسماعيل: "صحيح أن مهمتنا تجد صعوبة في الطلب من الشبان التزام الهدوء وعدم الانجرار للاستفزازات، لكن حلقة مفقودة في الحوار بين مواطنين شبان مسلمين كبروا في هذه البلاد والسلطات التي تسمح بتصنيفهم تحت مظلة التعميمات التي جرت منذ الكشف عن حادثة كولونيا المرفوضة تماما من جهتنا. الخروج من المأزق هو بمزيد من الحوار وإظهار السلطات القضائية جدية في وجه الاعتداءات وهذه الدعوات العلنية المقرونة بالعنف بدل التركيز على ما يتفوّه به البعض من المسلمين وكأنه أخطر من العنف المُمارس بحقهم".
اقرأ أيضا: سورية: انتعاش تهريب الآثار... والمعارضة والنظام متهمان
خطورة مجموعات "القصاص الذاتي"
يرى الصحافي في جريدة "هوفدستادس بلاديت" الفنلندية الناطقة بالسويدية، بيتر بوشر، أن تلك الادعاءات والأعمال التي تقوم بها "مجموعات الاقتصاص الذاتي" "لن تجلب في الحقيقة سوى المزيد من القلاقل وأعمال مضادة لأفعالهم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تصادم بينهم وبين طالبي اللجوء".
في المقابل أيضا يؤكد الناشط الدنماركي مارك، عضو مجموعة "الحركة المعادية للفاشية" في الدول الإسكندنافية، والتي تضم يساريين راديكاليين وشبان من الحركة الفوضوية، بأنه مع زملائه "لن يتركوا المتطرفين يهيمنون على المدن الشمالية"، قائلا لـ"العربي الجديد": "نحن مستعدون للتنقل بين الدول الإسكندنافية كما نفعل عادة لمواجهة هؤلاء الفاشيين".
وكانت صدامات فعلية بين تلك المجموعات الفاشية والنازية وشبان وشابات من المجموعات الرافضة لهم قد جرت في مناطق عدة من دول الشمال الأوروبي. لكن مع بداية تشكل ما يشبه مجموعات اقتصاص واعتداء على المهاجرين واللاجئين، يخشى آخرون بأن يقوم الأخيرون، وخصوصا من الشبان الذين كبروا في تلك المجتمعات، بتأسيس مجموعات مضادة وعنفية لمواجهة ما يعتبره المهاجر العربي إلى الدنمارك طارق، خطرا يهدد عائلاتهم، قائلا لـ"العربي الجديد": "هم يريدون منّا أن نصبح تحت رحمة عنفهم واعتبارنا أجانب والاستفراد بالفتيات والشبان، وهذا أمر لن نسمح به وسندافع عن أنفسنا في كل مدينة ومع أية محاولة اعتداء".
يخشى الكثيرون من الناشطين في دول الشمال من تحوّل شوارعهم إلى ساحة لعمليات انتقام من اللاجئين والمهاجرين، الذين لا علاقة لهم بما ينسب إليهم وما يمكن أن يستدعيه ذلك من عنف مضاد قد يجعل تلك المجتمعات المعروف عنها سلميتها أكثر عنفا تجاه الأجانب "الدفاع عن البلاد"، وخصوصا بإقحام فكر نازي وخلطه بميثولوجيا دينية عن "الإله أودين" للإشارة إلى مخاطر صدام ديني وثقافي بات يتجلى بالإعلان الصريح عن أن مواطنين عاديين يسيّرون دوريات انتقام وحماية في نهاية كل أسبوع.
-------
اقرأ أيضا:
بالفيديو.. 10 نهايات تراجيدية لسياسيين وجنرالات في المغرب