"جوجو رابيت"... سينما أم سياسة؟

22 فبراير 2020

تدور أحداث الفيلم في ألمانيا النازية (فيسبوك)
+ الخط -
أحد أكثر الأمور مفاجأة في جوائز هوليوود يتمثّل بالتقدير الذي ناله فيلم "جوجو رابيت" Jojo Rabbit، للكاتب والمخرج تايكا واتيتي الذي بلغ ذروته بفوزه بـ"أوسكار" أفضل سيناريو مقتبس (واتيتي نفسه عن رواية بعنوان Le Ciel En Cage للنيوزيلاندية البلجيكية كريستين لونَنْس)، في النسخة الـ92 لتلك الجوائز (10 فبراير/ شباط 2020).

فالفيلم، المعروِض في الولايات المتحدة الأميركية بدءاً من 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 (قبل أن تتّسع مساحة عرضه الأميركي إلى 798 صالة، بدءاً من 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019)، عمل كوميدي تجاري، يتناول النازية بشكلٍ هزلي، يختلف قليلاً عن السينما الأميركية، لكن من دون مُنجز كبير، تحديداً على مستوى السيناريو، يدفعه إلى تلك المكانة، فيكون بذلك أكثر أفلام 2019 التي يؤثّر فيها طغيان المزاج السياسي على التقدير السينمائيّ.


تدور أحداث الفيلم في ألمانيا النازية لحظة هيمنة أدولف هتلر على كلّ شيء، ويتناول هزلياً معسكرات الأطفال الذين يُدرَّبون فيها منذ بلوغهم 10 أعوام، ليُصبحوا "جنوداً". جوجو (رومان غريفن ديفيس)، الطفل الصغير، أحد هؤلاء. يسيطر هتلر (أداء هزلي ممتاز للمخرج نفسه، واتيتي) على مخيّلته إلى درجة يُصبح فيها صديقه الخيالي. مُقتنعٌ هو بتفوّق الجنس الآري، وبكون اليهود كائنات مختلفة تعيش في الكهوف وتأكل الأطفال. أفكار نازية كتلك يتشرّبها كحقائق مُسلّم بها، قبل أن يهتز عالمه باكتشافه أنّ أمه روزي (سكارليت جوهانسن، في دور صغير ومؤثر) مُعارضة للنظام، وتخبّئ مراهقة يهودية تدعى إلسا (توماسان ماكّينزي) في بيتهما، فيُصاب بحيرة شديدة إزاء ما يتوجّب عليه فعله.
أبرز ما في "جوجو رابيت" قدرته على ابتكار عالم سينمائي طفولي في لحظة عنيفة وكابوسية في التاريخ. ذكاء اختيارات تايكا واتيتي للديكورات والملابس وخيال المَشاهد التي يتحدّث فيها جوجو مع هتلر الخيالي، جعل الفيلم مميّزاً من تلك الناحية، ولطيفاً مع أداء مُحبّب ومناسب لنوعه قدّمه الممثلون جميعهم من دون استثناء.
لكنّ الغريب أنّ أضعف عناصر الفيلم هو السيناريو، لسببٍ بسيط يتمثّل بأنّ الشكل الهزلي المُختار، وإنْ يكن جديداً نسبياً على السينما الأميركية، مُنتشر في أوروبا، وأقرب مثل إليه هو "وفاة ستالين" The Death Of Stalin الذي أنجزه أرماندو إيانوتشي عام 2017. كما أنّه مُتوقّع تماماً، إذْ يُعرف إلى أين سينتهي، بعد ربع ساعة على بدايته، وكيف سيتعرّض جوجو لصدمة كبيرة، وكيف أنّ علاقته بالفتاة ستغيّر أفكاره، وأنّه سيطرد أدولف هتلر من مخيّلته.
السيناريو لا يفاجئ بشيء مختلف، ولا يملك مُحرّكاً درامياً غير متوقّع. ربما لم يكن هذا مطلوباً، لكن تلك هي المسألة، فحين يُتوَّج بـ"أوسكار" أفضل سيناريو مقتبس، يجب أن يمتلك ما هو أكبر من فكرة جاذبة وتناول هزلي.
 ما يفسّر التقديرَ المبالغ به للفيلم سياقه، والاشتباك الحاصل فيه مع السياسة والاجتماع. في جوهره، يتحدّث عن قائد يميني مُختلّ يدفع الناس (والأطفال بينهم) إلى الاعتقاد بتفوّق عِرقهم، وبكون الأعراق الأخرى غير آدميّة يجب الخوف منها.
إلى أيّ حدّ يُشبه هذا اللحظةَ المُعاصرة في أميركا؟ لهذا تحديداً احتلّ الفيلم المسلّي واللطيف مكانةً أكبر ممّا يحتمل.
المساهمون