لم تزل قوافل المهاجرين العرب تتقاطر صوب "الجنة الأوروبية" نتيجة الحروب، وخاصة بمنطقة الربيع العربي، بعدما وقف جلّ "العالم الديمقراطي" بوجه تلك الشعوب التي تسعى لنيل قسط من حريتها وحقوقها كمواطنين، لا كرعايا، بحسب ما تصفهم قيادات بلدانهم، لتأتي الأسباب الاقتصادية ومحاولات تفقير الشعوب لئلا "تشبع وتتطلع للسياسة"، كما عرّف الحكام العرب ثاني الأسباب، وتتالى أسباب لاحقة، من قبيل الاضطهاد لبعض المكونات الدينية أو العرقية والتطلع لمواقع سياسية ومالية، بعيداً عن بلدان تحدد من يقودها، سياسياً واقتصادياً، وإن اضطرت للتوريث.
بيد أن السؤال الذي يتوثب على الشفاه دوماً: هل يجد الهاربون ضالتهم بالقارة العجوز، حيث تتعالى فيها أصوات أحزاب اليمين المتطرف لطرد اللاجئين، أو حصرهم بجغرافيا ومهن محددة على الأقل، فضلاً عن تراجع مستوى المعيشة ومعاناة دولها من ضائقة وأزمة اقتصادية.
من الأهمية الإشارة إلى أن الهاربين من المشرق هم بازدياد، رغم إغلاق الحدود الأوروبية ومحاصرة الطامحين بحياة مختلفة بالشمال المتحضر. فأن يصل للدول الأوروبية في 2017، ورغم كل محاولات المنع، أكثر من 140 ألف مهاجر عربي، فهذا يدلل على استمرار تلاشي الأمل بأن تشهد المنطقة العربية بارقة أمل، وإن على المستوى البعيد، بل وحتى المجازفة بالحياة، بعد غرق ما يزيد على 2500 عربي العام الفائت، خلال محاولتهم الهروب من واقع حروب وكبت حريات، يبدو أنه لن ينتهي بالأفق القريب.
نهاية القول: ربما قضية خسارة الكفاءات من أوجع المشاكل التي يعيشها العرب اليوم، وسيدفعون ثمنها وعلى الصعد كافة غداً، بيد أن مسألتين جديرتين بالذكر وإن على عجالة.
الأولى، ذاك النجاح الذي حققه بعض اللاجئين العرب ببلدان لجوئهم الجديدة. فأن تسمع عن شارع مطاعم سورية ببرلين وعن تفوق طلاب عرب ببلجيكا أو بدء تنامي رأس المال العربي بعموم البلدان الجاذبة للمهاجرين، فذاك يدلل على "حسرات" كثيرة، ربما كفاءة الإنسان العربي أولاً، والذي تحول الأنظمة المستبدة دون ظهوره ونجاحاته.
وأما الأمر الآخر، فهو زيادة اللاأمل بعودة المهاجرين العرب، بعد ما وجدوه من الحريات والديمقراطية والأفق المفتوح، وهو ما كانوا يفتقرون إليه في بلدانهم، رغم بعض المضايقات التي بدأت تظهر من بعض الجماعات والأحزاب اليمينية والقومية الأوروبية.