"جائزة حسن الحوراني": البحث لم يكن كافياً

19 أكتوبر 2016
("بناء وهمي" لـ سومر سلام/ فلسطين)
+ الخط -

ابتعد المنتَج الفني البصري في معظمه في العقد الأخير عن محطيه المجتمعي؛ عبر إنتاج لغة فنية متعالية خاصة بمجتمع الفنانين وغريبة في الوقت نفسه عن المواطن-الإنسان، يجري هذا في المجتمعات العربية التي تعيش في معظمها تحوّلات قاسية وفي المجتمع الفلسطيني خصوصاً، الذي ما زال خاضعاً لاحتلال استعماري ومحاولات مستمرة للقضاء عليه.

ومن هنا يمكن أن تشكل الأعمال الفنية البصرية التسعة التي شاركت مؤخّراً في مسابقة الفنان الشاب- حسن الحوراني (تعرف أيضاً بالـ اليايا YAYA) في دورتها الأخيرة، نموذجاً على ذلك.

استندت المسابقة التي أعلنت نتائجها مؤخراً إلى ثيمة "بينالي قلنديا الدولي" 2016، المتمثّلة في إعادة تخيّل التصور الفني البصري لـ "العودة"، عبر إنتاج أعمال بصرية معاصرة ذات صلة بـ الإعادة، والتكرار، والأنماط، والإيقاع، والتمرين، والحركة، كشكل وكتخيّل. وهي ثيمة رغم مقاربتها موضوعاً وطنياً هاماً بمستوى موضوع العودة، إلا أنها تجيء ضمن صياغة غير مستوفية للأبعاد التاريخية والسياسية والوجدانية.

عمر القطان، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "عبد المحسن القطان" الجهة المنظمة والمانحة للجائزة، تساءل عند إعلان النتائج، حول ما قدّمته الفنون البصرية للمجتمعات العربية عموماً، والفلسطيني خصوصاً، تلك الغارقة في حروب وانقسامات وشروخ سياسية، كما تساءل عن الظروف التي أدّت بالفنان إلى إنتاج لغة فنية بصرية باتت في معظمها مغتربة تماماً عن هموم المواطن العادي، وعن تناسي المؤسسات الأكاديمية الفنية في فلسطين التركيز على التعليم الحرفي للفنون، في إشارة ضمنية الى ضعف في تنفيذ الأعمال الفنية البصرية التركيبية.

هذه التساؤلات لا تنفصل عن البيان الذي صدر عن لجنة تحكيم المسابقة، وشعورها أن البحث، لم يكن كافياً كما ينبغي في جميع هذه الأعمال، في الوقت الذي يعتبر البحث جزءاً أساسياً من عملية إنتاج الفنون البصرية المعاصرة.

توّقع كثيرون حجب الجائزة هذا العام، خاصةً أن معظم الأعمال لم ترتق إلى مستوى تلك التي قُدّمت في السنوات الماضية، لكن النتائج أتت بفوز ثلاثة أعمال كلها أنتجت هذا العام، وهي: "نيموسين"، فيديو تركيبي، لـ إيناس حلبي بالجائزة الأولى، وهو يتناول قصة نُدبة على جبين جد الفنانة الراحل، حيث قامت بالطلب من أفراد عائلتها بإعادة سرد قصة الندبة، ما راكم فسيفساء من القصص التي تأتي أحياناً مناقضة لبعضها بعضاً.

"بناء وهمي" – فن فيديو، تركيب لـ سومر سلام اللاجئة في سورية، ثم الجزائر، حاز على الجائزة الثانية، وهو عمل يقوم على توريط المتلقين وتحويلهم إلى جزء منه؛ إذ يصوّر عملية غزل لحاف وفك خيوطه الصوفية بشكل متكرّر، حيث وصفته سومر بالقول: "أنسج ملاذي الآمن وحلمي بحياة طبيعية، يُسحب الخيط ويتهدم بنائي هذا كلما تهجرت ولجأت من مكان لمكان ,لأعيد البناء مراراً وتكراراً".

"الوطن هو..." صوت- أداء لـ أسمى غانم، نال الجائزة الثالثة، وهو عرض أدائي بني على أصوات الحرب عبر مراحل السكون والعلو التي يمرّ بها. بالصوت عبّرت الفنانة عن خيبة الأمل التي رافقت "اتفاقية أوسلو"، محمّلة أداءها الفني تساؤلاً عما إذا كان باستطاعتنا التفكير عبر الموسيقى، حيث فلسطين نفسها "دولة" تحت الإنشاء وتحت الاحتلال في الوقت ذاته.

التقشف ومحدودية الوسائل والأدوات كانت السمة المشتركة بين الأعمال الثلاثة الفائزة في الجائزة، ما يثبت "إمكانية حدوث الفن في ظل سيادة الندرة" حسب تعبير لجنة التحكيم، تجدر الإشارة الى استمرار معرض "تمييز الأنماط" حتى 31 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، في "بيت الصاع" في البلدة القديمة برام الله.


دلالات
المساهمون