التجربة بحدّ ذاتها مهمّة: منح جائزة باسم النقّاد السينمائيين لأفلام عربية معروضة خلال عام واحد. الأفلامُ عربيةٌ، إنتاجًا ومواضيع وصانعين وعاملين. النقّاد عربٌ وأجانب معنيون بالسينما العربية، ومتابعون لمساراتها وجمالياتها ونتاجاتها. هذا نوعٌ من تواصل، وإنْ يكن غير مباشر، بين نقّاد يُقيمون في دول مختلفة، ويستندون ـ في مشاهداتهم وكتاباتهم ونقاشاتهم ـ إلى ثقافات وأساليب وهواجس وأمزجة عديدة. تواصل غير مباشر عبر مشاهدة النتاجات الحديثة، واختيار "الأفضل" في 6 فئات: أفضل فيلمين طويلين، روائي ووثائقي، وأفضل إخراج وسيناريو، بالإضافة إلى أفضل ممثل وممثلة.
لن يكون أمر إعلان النتائج النهائية خلال دورات سنوية لمهرجان "كانّ" السينمائي سببًا لانتقادٍ سلبي. ربما هذا أفضل، كي لا يقع مانحو الجوائز في مشكلة الجغرافيا والحساسيات والانتماءات السلطوية في الدول العربية. لذا، فليكن الإعلان الرسمي في "كانّ "، لأن المهرجان الدولي حيّز سينمائيّ متحرّر من غلبة التمزّقات العربية؛ علمًا أن لا علاقة للمهرجان بهذه الجوائز، التي سيُعلن عنها ـ للمرة الثانية ـ في جناح "مركز السينما العربية" في "السوق السينمائية"، خلال الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018).
التجربة مهمّة، وإنْ تبقى المتابعة الدقيقة لأحوال الصناعة السينمائية العربية أهمّ وأفضل. الناقد المعنيّ بجوهر الصناعة وسجالاتها وأشكالها غير مكترثٍ بتفاصيل، بعضها مرتبط بالتكريم، المتمثّل بمنح الجوائز، وإنْ يَعتَبر الجوائز تكريمًا ما لجهدٍ واشتغالٍ. تفضيلُ فيلمٍ على آخر، أو ممثل/ ممثلة على آخر/ أخرى، أو سيناريو على آخر، إلخ.. جزء من لعبة مُتَداولة في أنحاء مختلفة من العالم، لكنها لن تحول أبدًا دون متعة المُشاهدة والمناقشة والحوار، أو دون عيش المتعة السينمائية، بشكلها العام.
الأفلام العربية حديثة الإنتاج، المنضوية في اللائحة القصيرة، تُشكِّل، وإن بتفاوتٍ متنوّع، بعض الواقع العربي، إنسانيًا واجتماعيًا. تُشكِّل انعكاسًا لاختبارات جمالية في مقاربة أحوال بيئات مضطربة، وأفراد مرتبكين. الأساليب جزءٌ من المتابعة: كيف يُمكن تحويل الأسلوب إلى كشفٍ وبوح واعتراف، أو إلى اغتسال وتنبّه؟ لكن، ألن يكون هذا دور الفيلم وصانعه: منح المُشاهد ما يجعله يعثر على نفسه في عمق ما يُشاهده، دافعًا إياه إلى اختراق البنيان السينمائي المتكامل، كي يتمكّن من التماهي به؟
اقــرأ أيضاً
السؤالان طبيعيّان ومشروعان. أفلامٌ عربية مُختارة في اللائحة القصيرة لـ"الجوائز السنوية للنقّاد السينمائيين العرب" تبدو نوعًا من ترجمة بصرية لقولٍ كهذا.
مثلٌ أول: "واجب" للفلسطينية آن ـ ماري جاسر (3 ترشيحات: أفضل فيلم روائي، وأفضل سيناريو لجاسر، وأفضل ممثل لمحمد بكري). يومٌ كاملٌ يمضيه أبٌ وابنه العائد حديثًا من إيطاليا، لتوزيع بطاقات دعوة إلى حضور عرس الابنة/ الشقيقة. الناصرة حيّز جغرافيّ، لكنها تبدو أشبه بشخصية درامية في سياقٍ يعكس شيئًا من أحوال ناسها في يومياتهم العادية. مثلٌ ثانٍ: "وليلي" للمغربي فوزي بنسعيدي (ترشيحٌ واحد في فئة أفضل فيلم روائي): قسوة الانشقاق في البناء الاجتماعي المغربي منعكسٌ ـ سلبًا ـ على أفراد يعانون عنف التسلّط المبني على مزيج الأمن والمال والبورجوازية. مثلٌ ثالث: الفيلمان التونسيان "على كفّ عفريت" لكوثر بن هنيّة و"بنزين" لسارة عبيدي، المُرشّحان في فئة أفضل ممثلة: مريم الفرجاني في الأول وسندس بلحسن في الثاني. فيلمان مأخوذان من وقائع حقيقية في بلدٍ مرتبك، يُعاني كثيرون فيه تخبّط الأحوال كلّها بعد "ثورة الياسمين" (2010 ـ 2011).
وماذا عن الأفلام الوثائقية الـ3، المتنافسة على جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل: "طعم الإسمنت" للسوري زياد كلثوم، و"اصطياد أشباح" للفلسطيني رائد أنضوني، و"آخر الرجال في حلب" للسوري فراس فياض؟ ألن تكون صُوَرها، المأخوذة من وقائع وحقائق ويوميات وتفاصيل، انعكاسات ما لأحوال أناسٍ معنيين بهموم مشتركة، وتأمّلات متشابهة، وانفعالات متبادلة؟
هناك أيضًا 3 مُرشّحين لجائزة أفضل إخراج: المغربي هشام العسري عن "ضربة رأس"، والجزائرية صوفيا جامة عن "السعداء"، واللبناني زياد دويري عن "قضية رقم 23". هذا الأخير مُرشَّح أيضًا في فئات أفضل فيلم روائي وأفضل سيناريو لدويري وجويل توما وأفضل ممثل لعادل كرم. الفئة الأخيرة (أفضل ممثل) تضمّ أيضًا المصري عمرو سعد عن دوره في "مولانا" لمجدي أحمد علي، في حين أن زهرة غندور مُرشَّحة لجائزة أفضل ممثلة عن دورها في "الرحلة" للعراقي محمد الدراجي.
هذه نماذج تندرج في إطار التنقيب الدرامي والإنساني لأناس تائهين في ذاكرة الألم والتمزّق، أو في راهن الخراب والفوضى، أو في انعدام أفق المستقبل. فالأفراد يواكبون انقلابات حادة وغير واضحة، ويسعون إلى خلاصٍ معلَّق، في أفلام تمتلك تنويعات سينمائية لافتة للانتباه ومثيرة للمتابعة والنقاش.
لن يكون أمر إعلان النتائج النهائية خلال دورات سنوية لمهرجان "كانّ" السينمائي سببًا لانتقادٍ سلبي. ربما هذا أفضل، كي لا يقع مانحو الجوائز في مشكلة الجغرافيا والحساسيات والانتماءات السلطوية في الدول العربية. لذا، فليكن الإعلان الرسمي في "كانّ "، لأن المهرجان الدولي حيّز سينمائيّ متحرّر من غلبة التمزّقات العربية؛ علمًا أن لا علاقة للمهرجان بهذه الجوائز، التي سيُعلن عنها ـ للمرة الثانية ـ في جناح "مركز السينما العربية" في "السوق السينمائية"، خلال الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018).
التجربة مهمّة، وإنْ تبقى المتابعة الدقيقة لأحوال الصناعة السينمائية العربية أهمّ وأفضل. الناقد المعنيّ بجوهر الصناعة وسجالاتها وأشكالها غير مكترثٍ بتفاصيل، بعضها مرتبط بالتكريم، المتمثّل بمنح الجوائز، وإنْ يَعتَبر الجوائز تكريمًا ما لجهدٍ واشتغالٍ. تفضيلُ فيلمٍ على آخر، أو ممثل/ ممثلة على آخر/ أخرى، أو سيناريو على آخر، إلخ.. جزء من لعبة مُتَداولة في أنحاء مختلفة من العالم، لكنها لن تحول أبدًا دون متعة المُشاهدة والمناقشة والحوار، أو دون عيش المتعة السينمائية، بشكلها العام.
الأفلام العربية حديثة الإنتاج، المنضوية في اللائحة القصيرة، تُشكِّل، وإن بتفاوتٍ متنوّع، بعض الواقع العربي، إنسانيًا واجتماعيًا. تُشكِّل انعكاسًا لاختبارات جمالية في مقاربة أحوال بيئات مضطربة، وأفراد مرتبكين. الأساليب جزءٌ من المتابعة: كيف يُمكن تحويل الأسلوب إلى كشفٍ وبوح واعتراف، أو إلى اغتسال وتنبّه؟ لكن، ألن يكون هذا دور الفيلم وصانعه: منح المُشاهد ما يجعله يعثر على نفسه في عمق ما يُشاهده، دافعًا إياه إلى اختراق البنيان السينمائي المتكامل، كي يتمكّن من التماهي به؟
السؤالان طبيعيّان ومشروعان. أفلامٌ عربية مُختارة في اللائحة القصيرة لـ"الجوائز السنوية للنقّاد السينمائيين العرب" تبدو نوعًا من ترجمة بصرية لقولٍ كهذا.
مثلٌ أول: "واجب" للفلسطينية آن ـ ماري جاسر (3 ترشيحات: أفضل فيلم روائي، وأفضل سيناريو لجاسر، وأفضل ممثل لمحمد بكري). يومٌ كاملٌ يمضيه أبٌ وابنه العائد حديثًا من إيطاليا، لتوزيع بطاقات دعوة إلى حضور عرس الابنة/ الشقيقة. الناصرة حيّز جغرافيّ، لكنها تبدو أشبه بشخصية درامية في سياقٍ يعكس شيئًا من أحوال ناسها في يومياتهم العادية. مثلٌ ثانٍ: "وليلي" للمغربي فوزي بنسعيدي (ترشيحٌ واحد في فئة أفضل فيلم روائي): قسوة الانشقاق في البناء الاجتماعي المغربي منعكسٌ ـ سلبًا ـ على أفراد يعانون عنف التسلّط المبني على مزيج الأمن والمال والبورجوازية. مثلٌ ثالث: الفيلمان التونسيان "على كفّ عفريت" لكوثر بن هنيّة و"بنزين" لسارة عبيدي، المُرشّحان في فئة أفضل ممثلة: مريم الفرجاني في الأول وسندس بلحسن في الثاني. فيلمان مأخوذان من وقائع حقيقية في بلدٍ مرتبك، يُعاني كثيرون فيه تخبّط الأحوال كلّها بعد "ثورة الياسمين" (2010 ـ 2011).
وماذا عن الأفلام الوثائقية الـ3، المتنافسة على جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل: "طعم الإسمنت" للسوري زياد كلثوم، و"اصطياد أشباح" للفلسطيني رائد أنضوني، و"آخر الرجال في حلب" للسوري فراس فياض؟ ألن تكون صُوَرها، المأخوذة من وقائع وحقائق ويوميات وتفاصيل، انعكاسات ما لأحوال أناسٍ معنيين بهموم مشتركة، وتأمّلات متشابهة، وانفعالات متبادلة؟
هناك أيضًا 3 مُرشّحين لجائزة أفضل إخراج: المغربي هشام العسري عن "ضربة رأس"، والجزائرية صوفيا جامة عن "السعداء"، واللبناني زياد دويري عن "قضية رقم 23". هذا الأخير مُرشَّح أيضًا في فئات أفضل فيلم روائي وأفضل سيناريو لدويري وجويل توما وأفضل ممثل لعادل كرم. الفئة الأخيرة (أفضل ممثل) تضمّ أيضًا المصري عمرو سعد عن دوره في "مولانا" لمجدي أحمد علي، في حين أن زهرة غندور مُرشَّحة لجائزة أفضل ممثلة عن دورها في "الرحلة" للعراقي محمد الدراجي.
هذه نماذج تندرج في إطار التنقيب الدرامي والإنساني لأناس تائهين في ذاكرة الألم والتمزّق، أو في راهن الخراب والفوضى، أو في انعدام أفق المستقبل. فالأفراد يواكبون انقلابات حادة وغير واضحة، ويسعون إلى خلاصٍ معلَّق، في أفلام تمتلك تنويعات سينمائية لافتة للانتباه ومثيرة للمتابعة والنقاش.