تمضي السلطات المصرية في مخطط تمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتي تقضي بالتنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير"، من خلال لجوئها إلى تصويت في مجلس نيابي تمتلك فيه الأكثرية. لكن ظهرت محاولات لرافضي الاتفاقية داخل مجلس النواب من أجل عدم الموافقة عليها، وصفها مراقبون بـ"الهشة"، في إطار التعويل على غضب شعبي قد يأتي عقب المواقفة على التنازل عن الجزيرتين.
وأصدر مجلس الوزراء المصري تقريراً أكد فيه أن اتفاقية نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية تنهي فقط الجزء الخاص بالسيادة ولا تنهي مبررات وضرورات حماية مصر للجزيرتين. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر قوله إن الحكومة أرسلت التقرير يوم السبت إلى مجلس النواب، قبل بدء لجنته التشريعية مناقشة الاتفاقية. وجاء في التقرير الذي يحمل تاريخ يونيو/حزيران 2017، أن المصريين لن يحتاجوا لتأشيرة للذهاب إلى تيران وصنافير في حال التصديق على الاتفاقية وإقرارها.
ويعتمد مخطط النظام الحالي لتمرير الاتفاقية على أغلبية موالية للرئيس عبد الفتاح السيسي، تتمثل في ائتلاف "دعم مصر"، والذي انبثق عن قائمة "في حب مصر". والبرلمان يخضع لسيطرة الدائرة الأمنية الاستخباراتية التي يقودها نجل رئيس الجمهورية، محمود السيسي، والتي مارست تأثيراً حاسماً في اختيار المرشحين على قائمة النظام الحالي في الانتخابات البرلمانية عام 2015، فضلاً عن السماح بقدر من وجود معارضة شكلية غير مؤثرة على اتخاذ القرار.
وتمثل طبيعة تشكيل مجلس النواب الحالي عامل الضعف الأساسي الذي يقف حائلاً أمام تعطيل تمرير الاتفاقية، بما يعني أن النظام إذا لم يكن متأكداً من الموافقة على التنازل عن الجزيرتين ما كان ليقدم على طرحها في الوقت الحالي. وكشفت مصادر برلمانية قريبة من دوائر اتخاذ القرار، عن أن النظام الحالي تحرك لعدم تكرار سيناريو رفض الأغلبية، الممثلة في ائتلاف "دعم مصر" وخلال دور الانعقاد الأول، لقانون الخدمة المدنية، ما أسفر عن تأجيله لدور الانعقاد الحالي، بعد غضب شعبي وتظاهرات غاضبة خرجت لرفضه. وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن هناك 4 اتجاهات أساسية لرفض اتفاقية "تيران وصنافير" داخل مجلس النواب، وتم التغلب على ثلاثة منها. وأوضحت أن الاتجاه الأول هو الرفض التام للتنازل عن الجزيرتين، باعتبارهما أراضي مصرية ولا يجوز التفريط فيها، لا سيما بعد صدور حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وأصحاب هذا الموقف يسعون للتواصل مع عدد من النواب الآخرين لتشكيل جبهة لمعارضة تمرير الاتفاقية، إذ وصل عدد النواب الرافضين لها إلى ما يزيد عن 100 نائب حتى الآن. وأشارت المصادر إلى أن الاتجاهات الثلاثة المتبقية تم التعامل معها، بما يضمن تمريراً سلساً للاتفاقية، إذ إن الاتجاه الثاني يتمثل في بعض النواب الذين لم يحسموا موقفهم حتى الآن من الموافقة أو رفض الاتفاقية، في ظل عدم تكوين قناعة تامة بأن الجزيرتين مصريتان أم سعوديتان، وفي انتظار ما ستسفر عنه جلسات مناقشة الاتفاقية داخل اللجنة التشريعية، ومقارنة الوثائق والخرائط التي تعتمد عليها الدولة وفي المقابل التي يستند إليها رافضو الاتفاقية، وفق ما ذكرت المصادر. وأكدت أن الاتجاه الثالث يرى أن الوقت غير مناسب لمناقشة اتفاقية "تيران وصنافير"، خاصةً في شهر رمضان، فضلاً عن عدم وجود داعٍ للإسراع في هذه الخطوة خلال الفترة الحالية، وإتاحة الفرصة أمام مزيد من الدراسة والبحث حول الأمر. وشددت على أن الاتجاه الرابع جاء بسبب ضغوط على بعض النواب في دوائرهم الانتخابية لعدم الموافقة على التنازل عن "تيران وصنافير".
في المقابل، قال عضو مجلس النواب، هيثم الحريري، إن أعضاء تكتل "25-30" أعلنوا موقفهم الصريح من رفض الاتفاقية منذ بداية توقيعها العام الماضي، وسيكون هناك تواصل أكثر مع عدد من النواب خلال نظر الاتفاقية بلجنة الشؤون التشريعية. وأضاف الحريري، في تصريحات خاصة، أنه كان أولى بالنظام الحالي تأجيل نظر الاتفاقية إلى فترة لاحقة حتى تأخذ حقها في المناقشة تحت القبة، مع ضرورة إتاحة الفرصة أمام الرافضين لها من هيئة الدفاع عن مصرية الجزيرتين، بتقديم كل ما لديهم من وثائق، وفق قوله. وتابع أن رئيس البرلمان، علي عبد العال، وعد بإذاعة جلسات مناقشة الاتفاقية منذ بدايتها، لكن هذا الأمر لا حديث عنه حتى الآن داخل أروقة المجلس، بحسب تأكيده. وسلط الضوء على خطأ مناقشة البرلمان قضية محل نزاع قضائي، إعمالاً بمبدأ الفصل بين السلطات وفقاً لما نص عليه الدستور، معتبراً أن الإصرار على عرض الاتفاقية أمر مريب، على حد وصفه.
من جهته، قال الخبير السياسي، محمد عز، إن النظام الحالي ما كان سيطرح اتفاقية بهذه الحساسية على البرلمان إلا بضمان الموافقة عليها. وأضاف لـ"العربي الجديد" أن تشكيلة البرلمان الحالي تنذر بتمرير الاتفاقية، حتى مع وجود أصوات معارضة ورافضة، ولكن نواب الأغلبية يؤدون الدور المرسوم لهم، بحسب قوله. وتابع أن هناك نواباً يمكن إقناعهم بمجرد ترتيب لقاء مع قيادات في أجهزة سيادية ويسهل الضغط عليهم، وآخرين يتم اللعب معهم على وتر المصلحة والأموال، على حد تعبيره. ولفت إلى أن المتبقين من النواب المحسوبين على المعارضة عددهم قليل وغير مؤثرين في اتخاذ القرارات، مضيفاً أنه يمكن التعامل معهم داخل أروقة البرلمان. وحول إمكانية تحول الغضب الشعبي تجاه الاتفاقية إلى تظاهرات، أشار الخبير السياسي إلى أن هذا الأمر وارد ولكن لن يحدث بشكل تلقائي، لا سيما في ظل القبضة الأمنية الشديدة وحالة الطوارئ المفروضة بمصر، تحت ذرائع الإرهاب.