"تو هوت تو هاندل": مبلغ ضئيل وصور جميلة

14 مايو 2020
"الاتصال العميق" الذي تحاول المسابقة دفع المشاركين إليه؟(نتفليكس)
+ الخط -
بثت أخيراً شبكة نتفليكس برنامج مسابقات ينتمي إلى تلفزيون الواقع بعنوان "تو هوت تو هاندل" (Too Hot to Handle)، نشاهد فيه عشرة عزّاب جميلين، خمس فتيات وخمسة شبان في منتجع شاطئيّ، يتمشون وهم يرتدون ثياب السباحة. الأهمّ، أنّهم يتلقون أوامر من جهاز يشبه سيري أو أليكسا، باسم لانا. تراهن المسابقة على غياب الجنس، وشرط الربح يتلخص بالآتي: إذا تمكن المتسابقون من خلق "صلات وعلاقات" حقيقية وعميقة بينهم سيكسب الفائزون 10 آلاف دولار يتقاسمونها في ما بينهم، هذا المبلغ يتناقص إذا قاموا بأي ممارسة جنسية بعد الليلة الأولى، سواء قاموا بذلك فرادى أو أزواجاً.
يقول منتجو البرنامج إنهم استعاروا فرضيّة المسابقة من واحدة من حلقات مسلسل "ساينفلد" التي تحمل عنوان "المسابقة"؛ حيث يتفق الأبطال في المسلسل على عدم ممارسة الجنس أو العادة السرية، والمنتصر هو من يصمد حتى النهاية. المسابقة على نتفليكس تبدو بداية تسليعاً للأجساد بأقصى الأشكال الممكنة، سواء كان الهدف أجساد الذكور أو الإناث. هناك لحم يتلألأ تحت أشعة الشمس، وتدليل للتوتر الجنسي واللمسات والقبلات الخفيّة، في ظل ذلك تسخر كل من راوية البرنامج و"لانا" من المتسابقين، وتتهكم من هرموناتهم الهائجة، التي يحركها الطمع بالمال والرغبة الجنسيّة.
اتهم البعض المسابقة بالسخف الشديد، في حين رأى فيها البعض أسلوباً للسخرية من تلك الفئة التي ترى أن الجمال والانصياع لمعايير الاستعراض يتيح لها الحصول على "كل ما تريد"، سواء كان الجنس أو المال. وهنا تكمن إشكالية المسابقة نفسها، فالمال أو الجنس محركان تقليديان للطبيعة البشريّة، التي تدّعي المسابقة مساءلتها، لكن "الجمال" الذي يقدمه البرنامج بوصفه "يستحق" النظر إليه لا ينتمي للواقع، خصوصاً أن البرنامج لا يسخر من نفسه، بل يقدم لنا فئة لا يهم إذا فازت أو خسرت كونها تنتمي لعالم برامج الواقع، حيث الاستثمار في العاطفية المفرطة والجنس المبتذل، والذي يتحول في حال محاكاته في الحياة الواقعية إلى نوع من "الامتياز"، ومجرد ظهور هذه الفئة على الشاشة هي رهان على ميّزة تمتلكها فئة ما تسمّى "الجمال"، لا ندري إذا كان واقعياً أو مصطنعاً، لكنه معيار للظهور والكسب.

تراهن المسابقة على الإحباط الجنسيّ. لكن يبقى السؤال ما هو "الاتصال العميق" الذي تحاول المسابقة دفع المشاركين إليه، خصوصاً أننا لا نتوقع ذلك ممن يشاركون بهذا النوع من البرامج، لنرى أنفسنا أمام ما يسمّى "أداء الأصالة"، أي مجموعة من تقنيات التواصل التي يحاول من "يتبناها" أن يكشف عن جانب عميق ومغاير ضمنه مختلف عن الصورة السطحيّة التي ترتبط عادة بالجمال المفرط، أي وضع المتسابقين في سياق لإنتاج حكم معرفي على الأشخاص يتجاوز الانجذاب الآني، الأهم أن هناك "آلة" تراقب كل ما يحدث، وتعلّق عليه وتضبط سلوك المشاركين، وفق نظام معياري قامت بوضعه لتقييم مدى جديّة العلاقات بين المشاركين ومدى ابتعادها عن الابتذال العاطفي والجنسي والمكافأة، إلى جانب أن النقود هي المتعة، والجنس يأتي بعد طول انتظار.
هناك جانب مظلم للبرنامج يرتبط بنظام المراقبة، وأشكال التكنولوجيا المحيطة بنا، إذ نرى "الأجساد" الجميلة ونشارك معها أجسادنا عبر صورنا وكلماتنا مقابل بدل مادي تقدمه بعض منصات النشر في رهان على الغواية والإغراء والرغبة بالظهور، لتأتي المسابقة تطبيعاً لهيمنة ثقافة المراقبة، وتضخيماً لفوائدها: الجمال، الإشباع الجنسي والنقود؛ كل ذلك مقابل انتهاك أشد تفاصيل الحياة حميميّة، إذ يكفي فقط الانصياع للـ"أوامر" التي تحرك الرغبات من أجل نيل الرضى.
وهي الصيغة المرعبة للمراقبة، التي تستبدل الإحساس بالأمن بآخر يراهن على اللعب والإشباع مقابل تقديم "كل المعلومات" للآلة، كحالتنا حين نتصفح فيسبوك وإنستغرام وغيرها من المنصات الاستعراضيّة، التي أيضاً تلعب أثراً في دفعنا نحو "أداء الأصالة" أو الرغبة بالاختلاف، ونحن نعلم أننا مراقبون، لتتحول ثنائية سطحيّ/ عميق، إلى فخ تُحصد وتنهب وراءه معلوماتنا ويتم تبادلها مقابل مبلغ مادي ضئيل وصور جميلة.
المساهمون