"تقنين" عنف السلطة في مصر

21 اغسطس 2015
+ الخط -
أصدر المشير عبدالفتاح السيسي، قبل أيام، قانون الإرهاب الجديد الذي يحمل مواد كثيرة مثيرة للجدل، سواء فيما يتعلق بالتعريفات الإشكالية للعمل الإرهابي، والجريمة الإرهابية، ونطاقها الداخلي والخارجي، أو فيما يتعلق بطبيعة الصلاحيات التي يعطيها للجهات القائمة على تطبيق القانون، والتي لا مثيل لها في قوانين الإرهاب حول العالم.
وحقيقة الأمر، أن القانون الجديد يحتاج قانوناً آخر يوضحه ويفسره، ليس فقط بسبب عمومية ألفاظه ومفرداته، والتي يمكن تفسيرها بأكثر من معنى، حسب مزاج القائم على تنفيذه، وإنما أيضا بسبب تداخل أحكامه وعقوباته مع أحكام وعقوبات وردت في قوانين جنائية أخرى، مثل قانون العقوبات. وهو أيضا يخلط بين الجرائم المدنية، أو التي قد يرتكبها مواطنون بدون هدف سياسي أو إيديولوجي والتي تحمل أهدافا وأجندة سياسية، كما هي الحال في المادة 16 التي وسعت من نطاق العمل الإرهابي، كي يضم أي هجوم على "المجالس النيابية أو مجلس الوزراء أو الوزارات أو المحافظات أو القوات المسلحة أو المحاكم أو النيابات أو مديريات الأمن أو أقسام ومراكز الشرطة أو السجون أو الهيئات أو الأجهزة الأمنية أو الرقابية أو الأماكن الأثرية أو المرافق العامة أو دور العبادة أو التعليم أو المستشفيات أو أي من المباني أو المنشآت العامة". فلو أن مواطناً عادياً شعر بالغبن، أو الظلم، من أي من الجهات السابقة، وقرر مهاجمتها يصبح إرهابياً، وتسري عليه أحكام القانون، والتي هي موجودة بالفعل في قانون العقوبات.
لذا، لم يكن غريباً أن يصف بعضهم "قانون الإرهاب" باعتباره قانون طوارئ جديدا، يسعى إلى توسيع صلاحيات السلطة، ويقضي على ما تبقى من مساحة للعدالة والحريات والخصوصية، ويمكّن النظام السلطوي الموجود الآن في مصر. وللحق، تم تفصيل القانون الجديد لهذا الغرض خصيصاً، وهو أن يقوم بتقنين وشرعنة كل الممارسات السلطوية والانتهاكات التي تمارسها السلطة الحالية. فهو، من جهة، يمنح الحصانة الكاملة لرجال الأمن الذين قد يتورطون في ممارسات وجرائم خارج إطار القانون، مثلما حدث، أخيراً، من عمليات قتل وتصفية، تمت خارج إطار القانون. ومن جهة ثانية، يخصص محكمة بعينها للبت في قضايا الإرهاب، وما يحمله ذلك من دلالات سياسية واضحة. بل يمنح القانون هذه المحكمة المختصة صلاحيات واسعة، تتجاوز البعد القضائي، وتحمل صبغة سياسية، كما الحال مع حق المحكمة في إبعاد أية أجانب، قد يتورطون في أي عمل إرهابي، وهو أمر سياسي محض، هدفه عدم إحراج النظام خارجياً. ومن جهة ثالثة، يقيّد القانون الجديد، بشكل كبير، حرية نقل المعلومات وتداولها، فيما يخص الجرائم الإرهابية من خلال تهديد الصحافيين الذين لا يلتزمون برواية السلطة، بغرامات تصل إلى نصف مليون جنيه.
ولربما يقول قائل إن النظام الحالي ليس في حاجة إلى قوانين، كي يشرعن سلطويته وجرائمه ويبررهما، لكن الحقيقة أن هذا النظام حريص على أن تكون ممارساته تحت غطاء القانون، ولو شكلياً، خوفاً من أية تداعيات مستقبلية. وهذا هو حال الأنظمة الديكتاتورية التي تحاول، دائماً، حماية نفسها ورجالها بسياج قانوني، حتي إذا حانت لحظة السقوط تذرعت بهذا السياج، واستخدمته لعدم تحمل المسؤولية عن جرائمها. الطريف في الأمر أن قانون الإرهاب يتناقض كلياً مع الدستور الذي تم إقراره في يناير/كانون الثاني 2014، والذي ينص على حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، والتي سوف يتم انتهاكها مع تطبيق هذا القانون، مثل الحق في خصوصية المراسلات المكتوبة والمسموعة...إلخ.
باختصار، لا يهدف قانون الإرهاب إلى حماية المجتمع من الإرهاب، وإنما لتقنين إرهاب السلطة وشرعنة انتهاكاتها الواسعة لحقوق المواطنين.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".