"تشاثام هاوس" يبحث الصراع حول الدولة في سورية

11 مارس 2020
المتحدثون يحاولون تفكيك الوضع في سورية (العربي الجديد)
+ الخط -

عقد معهد "تشاثام هاوس" البريطاني، المعروف باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية، اليوم الأربعاء، مؤتمره السنوي في الذكرى السنوية للثورة السورية تحت عنوان "الصراع حول الدولة في سورية"، عبر أربع جلسات حوارية بحثت الوضع الحالي في سورية بعد 9 سنوات على انطلاق ثورتها عام 2011.

وقال الباحث في المعهد، زكي محشي، لـ"العربي الجديد" إن "المؤتمر ركز على عدة نقاط مهمة، حيث تجب التفرقة بين الفاعلين على الأرض ومؤسسات الدولة، وخاصة أن النظام ليس كتلة واحدة متجانسة"، موضحاً أنه "يجب فهم النظام كشبكة من الأشخاص الفاعلين الذين يسيطرون على الدولة. وبالطبع هناك جزء من النظام من المؤسسات غير التابعة للدولة".

وأضاف أن "هذا الأمر مفيد لسببين: أولهما العقوبات، وكيف نستطيع تفكيك النظام وتحديد من يجب استهدافهم بها. وثانيهما له علاقة بإعادة الإعمار، الذي سيفتح في مرحلة ما، حيث نستطيع تحديد الأفراد الذين هم جزء من مؤسسات الدولة، ويمكن العمل معهم في تلك المرحلة".

ورأى أن "هناك ضرورة للتمييز بين من يستطيعون العمل في إعادة الإعمار للوصول إلى عملية التغيير في سورية"، قبل أن يضيف: "بالتأكيد الوضع في سورية معقد جداً ولن يحل بين يوم وليلة. والإحباط يسود بين السوريين والخبراء العاملين على سورية. لكن الهدف الرئيسي للمجتمع الدولي والسوريين أيضاً أن يخلق بدائل لسورية المستقبل، وهي عملية طويلة الأمد".

وخصصت الجلسة الأولى التي عقدها المعهد لآليات الحوكمة الحالية في سورية والاختلافات في الإدارات المناطقية. وسلط المتحدثون الضوء على الاختلاف في أنماط الإدارات الموجودة في سورية، سواء في المناطق التي يتحكم بها النظام السوري برئاسة بشار الأسد، أو التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أو تلك الخاضعة للسيطرة التركية وفصائل المعارضة.

وأشار المتدخلون إلى أن الاختلافات لا تقتصر على المناطق الثلاث، ولكنها تشمل أيضاً فوارق في كل منطقة، بناءً على العناصر الفاعلة في تلك المنطقة. وأجمعوا على أن المناطق الخاضعة لنظام الأسد تختلف في إدارتها بين المناطق التي جرت فيها "المصالحات" مثل الجنوب والعاصمة دمشق. أما المناطق الخاضعة لهيمنة "قسد" فتختلف فيها الإدارة بين المناطق العربية والكردية. وينطبق الأمر كذلك على المناطق الخاضعة للمعارضة وتركيا، حيث تهيمن البلديات في جنوب تركيا على إدارة المناطق القريبة منها في سورية. وأكد المتحدثون خلال الجلسة أن هذه الاختلافات بين المناطق الإدارية في سورية ستعقّد من إمكانية هيمنة نظام الأسد على كامل سورية في المستقبل القريب.

وناقشت الجلسة الثانية علاقات النظام مع المؤسسات الدولية والعناصر غير الحكومية، التي ركزت على الآليات التي يتحكم من خلالها النظام بالعناصر المرتبطة به، سواء من خلال القانون أو الخدمات العامة أو المساعدات الإنسانية. وناقشت الجلسة هيمنة نظام الأسد على مفاصل الإدارة والحكم في سورية التي تعود إلى نحو خمسة عقود، من خلال وجود تمثيل لأجهزة الأمن والفرق الحزبية داخل مؤسسات الدولة.

وخلص النقاش إلى أن نظام الأسد يستغل ما تمنحه له "شرعية إدارة الدولة" للتحكم بالسوريين داخلياً وخارجياً، سواء من خلال المراسيم التي تتحكم بتفاصيل حياتهم أو من خلال جوازات السفر. وأوضح في هذا الصدد، مدير برنامج تطوير العدالة السوري، إبراهيم العلبي، أن نظام الأسد يستغل القانون كجزء من الحرب التي يشنها على السوريين. وقال إن "هيمنة النظام على القانون داخلياً رسالة قوة حتى لو لم يُطبَّق أي منها. أما في المحافل الدولية، فيحاول النظام أن يعكس صورة قانونية لأفعاله، من خلال خلق قوانين يستطيع الإشارة إليها في المحافل الدولية".

وشدد على أن "المشكلة ليست في نص القانون غالباً، بل في تطبيقه. فمثلاً، المحاكمة العادلة مذكورة في القانون، ولكن تفسيرها دائماً يخضع لهوى النظام".

ومن المنطلق ذاته يتحكم النظام بالعناصر غير الحكومية التي يعمل معها، مثل الأمم المتحدة، والتي يتحكم بحرية عملها في سورية. أما المليشيات، فيتحكم بها من خلال إصدار المراسيم والقوانين مثل قرار الحجز على أموال ابن خاله، رجل الأعمال رامي مخلوف. وأشار المتحدثون إلى وجود آلية أخرى تكون عبر تشارك المصالح، مثل السماح لبعض المجموعات بالنشاط مقابل دعم رؤيته.

وفي الجلسة الثالثة تحت عنوان "المؤسسات الرئيسية ضمن دولة النظام"، جرت مناقشة "المؤسسات" في قلب نظام الأسد، التي تشمل الجيش والأجهزة الأمنية، ومدى نفوذها ومواردها وعلاقتها بالقصر الرئاسي قبل الثورة السورية وبعدها. وسلط المتحدثون الضوء على التحول الذي أصاب أجهزة المخابرات السورية ما قبل الثورة وبعدها.

وحسب المتحدثين، "فالثورة حولت طبيعة التنافس بين أجهزة المخابرات من أجل إرضاء القصر الرئاسي إلى التنافس فيما بينها على المصادر والنفوذ". وظهرت بعد الثورة العديد من الأجهزة الأمنية والعسكرية لدعم النظام، مثل قوات الدفاع الوطني والمليشيات الأخرى الممولة من رجال الأعمال. وما ساعد في اتساع نفوذه هذه الأجهزة والمليشيات "الشرعية القانونية" التي منحها إياها هيمنة النظام على مؤسسات الدولة.

من جهته، أشار الكاتب والصحافي سام داغر إلى أن نفوذ إيران و"حزب الله" في سورية لم يبدأ عام 2013، بل كان موجوداً منذ ما قبل عام 2011، ويرتبط كذلك بمرحلة خروج سورية من لبنان عام 2005.

وفي الجلسة الرابعة تحت عنوان "من أجل المحاسبة وحكم القانون" نوقشت الآليات الاقتصادية التي تشمل إمكانية إعادة الإعمار والقدرة على عودة اللاجئين للمساهمة في بناء المؤسسات الدولة. وناقشت الجلسة أيضاً قدرة اللجنة الدستورية على صياغة دستور شامل والآليات الممكنة لجسر الهوّة في ما يتعلق بتطبيق ذلك.

المساهمون