في دراسة أنجزها الباحث المغربي أيوب بن مسعود، يحاول الأكاديمي قراءة نماذج من أدب الرحلات العربية المغربية على مستويين؛ الأول يعتمد فيه على النماذج التي طرحتها المناهج الغربية، أما المستوى الآخر فهو قراءة الرحلات بوصفها جزء من التراث الإسلامي.
البحث الذي حاز المؤلف عنه جائزة ابن بطوطة للدراسات للعام الحالي، صدر مؤخراً عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، تحت عنوان "تداخل الأجناس في أدب الرحلة" ويأتي ضمن مشروع التعاون بين "ارتياد الآفاق" و"المؤسسة العربية".
الكتاب يأتي في أربعة فصول؛ تعالج أدب الرحلات من جانب الظاهرة الأدبية بين نظرية الأنساق والنماذج التجريبية، وسردية النص الرحلي، ونسق العلوم في الرحلة، ويعيد تقديم التغيرات التي طرأت على مفهوم الرحلة في الثقافة العربية.
يخصّص الباحث دراسته لأدب الرحلة في المغرب كفضاء جغرافي، وعلى امتداد زمن العلويين في حكم البلاد والذي بدأ في القرن السابع عشر والتي شهدت نهضة في أدب الرحلة، وارتبط ظھور نماذج جیدة من أدب الرحلات بإدراك أصحابھا لقیمة الرحلة بكل تفاصیلھا، كحدث یستحق التسجیل.
يطلق الباحث مفهوم جنس أدب الرحلة على مسارين بحثيّين: مسار العلوم، وثانيهما مسار الأجناس الأدبية، وينطلق من نص "الترجمانة الكبرى في إخبار المعمور برا وبحرا" لأبي القاسم ابن أحمد الزياني.
عايش الزياني المولود عام 1734 مرحلة حكم أربعة سلاطين، هم : المولى محمد بن عبد الله وابنه المولى اليزيد والمولى سليمان وابن أخيه المولى عبد الرحمان بن هشام وهو عصر اضطربت فيه أحوال المغرب السياسية، لكنه كان يعرف حركة علمية قدمت نتاجاً ثقافيا ثرياً.
قام الزياني بأسفار كثيرة وزار مناطق عديدة مثل تركيا ومصر وسورية وسواحل أوروبا الجنوبية، وكتب خمسة عشر مصنفًا كبير الحجم. وترجع شهرته الجغرافية إلى كتابه في أدب الرحلات إلى كتابه "الترجمانة الكبرى" الذي جمع فيه أخبار العالم وعلومه.
كما سافر إلى تلمسان وهران واطلع هناك على غرائب كتب التاريخ التي تعد اليوم في حكم المفقودة. وسافر إلى القسطنطينية ثمّ إلى تونس ثم إلى إسطنبول ومن ثم إلى إلى دمشق.
بعدها قام برحلة إلى الجزيرة العربية ثمّ إلى بلاد ما بين النهرين، ودخل بغداد فالمدينة ثمّ مكة لأداء مناسك الحج. وسافر إلى اليمن والحبشة ثم أرض الهند والسند والصين، ثم عاد إلى مصر ثمّ الإسكندرية ثمّ الجزائر إلى أن رجع إلى فاس.