"تحطيم" التمثال: سخرية بصرية من جوائز "كارلوفي فاري"

30 يونيو 2019
داني دي فيتو في المهرجان 2017 (مايكل سيزيك/فرانس برس)
+ الخط -
ليس كلّ شيء في "مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي" جدّيًا، كما هو حال المسابقات والبرامج المرافقة واللقاءات المتنوّعة. للفُكاهة حضورٌ تصنعه وزارة الثقافة التشيكية بالتعاون مع إدارة المهرجان، عبر تنفيذ أشرطة مُصوَّرة بالأسود والأبيض تروي، في ثوانٍ عديدة، أحوال سينمائيين يحصلون، في أعوام سابقة، على تمثال "كرة الكريستال"، الممنوحة لهم على أعمال فائزة في دورات مختلفة، أو تكريمًا لإنجازاتهم عبر سنين مديدة من العمل السينمائي. والأشرطة تلك تُعرض قبيل لحظات من بدء عرض أفلام مشاركة في المسابقات أو البرامج، فتُثير ضحك البعض رغم مشاهدته إياها عامًا تلو آخر، بينما يُكمِل البعض الآخر "دردشاته" مع زميل أو صديق، وينهمك آخرون بهواتفهم الذكية، ريثما تبدأ عروض الأفلام. في المقابل، هناك من يتابع وقائع الأشرطة بلا مبالاة واضحة، فهو يُشاهدها للمرة الألف ربما، وخصوصًا إنْ كان من متابعي المهرجان منذ أعوام عديدة. لكلّ شريط حكاية، يكون بطلها سينمائياً يمتلك تمثالاً في مناسبةٍ ما. والحكاية مختصرة بلقطات قليلة مروية بثوانٍ معدودة وحوارات سريعة تختزل مناخًا طريفًا. فكل سينمائيّ يواجه، في كلّ شريط، مأزقًا أو حالة أو انفعالًا، تستدعي كلّها الاستعانة بالتمثال نفسه، بينما قلّة من الفائزين تكتفي بالتعبير عن حالة انفعالية خاصّة بها إما إزاء الجائزة وإما بسببها، غالبًا بلامبالاة واضحة، تعبيرًا (لا واعيًا ربما، أو هكذا يُراد له أن يظهر) عن عدم اكتراث مطلق بالجائزة، وعدم اهتمام بالتمثال نفسه. هذا كلّه في إطار بصريّ ساخر ومُضحك.

الأمثلة كثيرة، مع أنّ بدء تنفيذ المشروع حاصلٌ منذ أعوام قليلة فقط. المخرج التشيكي إيفان زاكارياس (براغ، 1971) يتولّى تنفيذها بلغة بصرية متينة الصُنعة، مُبتكرًا حكاياتٍ يغلب عليها المرح، حتى وإنْ تجري وقائع قلّة منها بين شواهد القبور. السخرية أساسية، معطوفة على فُكاهة وضحك. العدد الأكبر للسينمائيين المشاركين في المشروع معقودٌ على غير التشيكيين، علمًا أن لهؤلاء الأخيرين حضورًا عبر الممثل جوزف سومر والمخرج ميلوش فورمان مثلًا. مع الأول، يظهر رئيس المهرجان يوري بارتوشكا جالسًا في مكتبٍ واسع، وتجلس مساعدته إيفا زاورالوفا أمامه، وهو يحاول التواصل الهاتفي معه (سومر) ليدعوه إلى تسلم جائزة تكريمية، لكنه يفشل بسبب ضعف سمع السينمائي العجوز، المنهمك بتنظيف أداة للمطبخ، فيظنّ أن المتصل راغبٌ في بيعه شيئًا ما، فهو يبدو غير معنيّ البتّة لا بالجائزة ولا بالمهرجان، بحسب انفعالاته وردود أفعاله الظاهرة بوضوح. أما الثاني (فورمان)، فغاضبٌ وقلق لانهماكه في عملٍ ما، وعندما يحين موعد تناوله أدويته يجد أمامه التمثال نفسه، فيستخدمه في "طحن" حبوب تلك الأدوية لتسهيل ابتلاعها.
الأسماء وجنسياتها متنوّعة: كايسي آفلك وداني دي فيتو وهارفي كايتل وجون مالكوفيتش وجاد لو وآندي غارسيا ومِلْ غيبسون وهلن ميرن وغيرهم. التشيكيون هم أيضًا حاضرون. فإلى جوزف سومر، هناك المخرجة والسيناريست فيرا تشيتيلوفا، والممثل والفُكاهي والسينمائي زْدَانِك سْفِراك، ومدير التصوير ميروسلاف أوندريتشك، والمخرج السينمائي والمسرحي والممثل والكاتب جيري مَنْزِل.

مثلٌ أول: كايسي آفلك، الحاصل على الجائزة عام 2017، يتوجه بشاحنته الصغيرة إلى محل بهدف بيع أغراض مرمية في منزله، بنيّة الحصول على بعض المال. يدخل إلى المحل، فيسمتع إلى حوار من طرف واحد تُجادل فيه سيدة عجوز أحدهم حول أغراض، تطلب مالًا لقاء استعادة الطرف الآخر لها، وإلا فستضطرّ لبيعها. عندما تسأل آفلك عما يريد، يظهر لها الأغراض، مع التمثال، فتنتفض قليلاً أمامه، قائلةً له إنّ لديها اثنين مثله غير قادرة على بيعهما منذ وقتٍ بعيد. عند عودته إلى الشاحنة، يرمي التمثال باستخفاف ولامبالاة، ويُكمِل طريقه منزعجًا.
مثلٌ ثان: جاد لو، الحاصل على الجائزة عام 2010، يخرج من منزله فتظهر على الشاشة الكبيرة ملامح دهشة وانزعاج. يتصل بأحدهم ليخبره أن أمرًا جللًا واقعٌ أمام عينيه. المستمع إلى حديثه الهاتفي غير قادر على مساعدته، فيقول له الممثل البريطاني إنه سيعثر على حلّ. يُفكّر مليًّا، فيتذكر تمثال الجائزة، الذي يبحث عنه في كاراج منزله، وعند العثور عليه ينفض الغبار عنه ويُعمل فيه إصلاحًا كي يتلاءم مع مقدمة سيارته الفاخرة.
مثلٌ ثالث: آندي غارسيا، الفائز بالجائزة عام 2006، يصل إلى منزل فخم لكن ما من أحدٍ ينتظره، فهذا ناتجٌ من سوء تفاهم مع مالك المنزل على موعد الوصول. لذا، يستخدم التمثال لتحطيم الباب كي يدخل، لكنّ شرطيًا يترصّده من دون أن ينبس بكلمة، فيتظاهر غارسيا بأنه لا يزال ينتظر من يفتح الباب له.
الأمثلة كثيرة: سينمائيّ يجلس على كرسيّ مكتبه والتمثال قربه، لكنه مهتمّ بجسد مدبّرة المنزل الشابّة والفاتنة، وهي تقوم بأعمالٍ مختلفة، فيقع أرضًا. سينمائيةٌ منشغلة بأمور تافهة، والتمثال تأكله خيوط العنكبوت. إحداهنّ في مقبرة كمن يودّع تمثالًا...
المشترك بين الجميع كامنٌ في عدم الاكتراث المطلق بالجائزة والتمثال، وبالمهرجان أيضًا. والمُضحك أكثر من غيره أنّ المهرجان راضٍ على هذه الصورة الكاريكاتورية الساخرة، وموافق على إنتاج مزيد من الأشرطة المشابهة. فهذا كلّه جزءٌ من "فُكاهة محبَّبة ولطيفة"، تمنح المُشاهد لحظات صفاء وهدوء قبل انغماسه في عوالم سينمائية تُثير ارتباكات وتساؤلات عديدة.
المساهمون