الطفلة بيسان ظاهر (9 أعوام)، فقدت 5 من أفراد عائلتها، في القصف الإسرائيلي الذي طاول منزلهم، في حي الشجاعية، شرق مدينة غزة، خلال حرب يونيو/حزيران 2014، في حين بقيت هي وزوجة أخيها شيماء، مصابتين تتنفّسان لـ9 ساعات متواصلة تحت ركام منزلهم المُدمر.
معجزة بيسان وشيماء بالنجاة، وُثقت بكاميرا المصور الصحافي ياسر مرتجى، تزامنًا مع عمله على تغطية جرائم الحرب الإسرائيلية، تحديدًا في حي الشجاعية، الذي تعرض لقصف مكثف طوال فترة العدوان.
ويروي الفيلم، الذي بثته قناة "الجزيرة" الوثائقية، تفاصيل المكالمة التي أوعزت لأحد رجال الدفاع المدني، بالتوجه لبيت عائلة "ظاهر"، تزامنًا مع القصف المكثف على الحي، بحثًا عن ناجين، وكيف تشجّع مرتجى على الذهاب معه، لعله يُصادف مشاهد توثق حجم المجازر المُرتكبة من الإسرائيليين.
ويوثق الفيلم مشاهد حقيقية لبقاء "بيسان" و"شيماء" أحياء تحت ركام منزلهما، مُناجين الله بإرسال أحد ملائكته، لانتشالهم من "القبر" الذي احتضنهم طوال 9 ساعات متواصلة، وكيف تمّت عملية اخراجهم من باطن الدمار.
"بيسان" الفيلم، تناول كذلك العلاقة الوطيدة لرجل الإسعاف علاء أبو شعير بالطفلة "بيسان"، تحديدًا، بعدما انتشلها من باطن الرُكام، وكيف ساعدها برفقة المصور الصحافي لإخراجها من ذلك الكابوس التي عاشته بتفاصيله المُميتة.
ويسرد مرتجى لـ"العربي الجديد" بدايات الفكرة، ويقول إنه مع نهاية إحدى فترات الهدنة أثناء الحرب، وبينما كان يرافق قوات الدفاع المدني، وبالتحديد في حي الشجاعية شرق القطاع، وردهم اتصال يفيد بفقدان عائلة تعرضت للقصف.
ويشير إلى أنه "أثناء انتهاء مدة التهدئة، سعت الطواقم المدنية للحصول على تنسيق أمني، قبل أن يُبلغهم الصليب الأحمر برفضه من قبل الإسرائيليين". عندها ذهب ياسر على عاتقه باتجاه البيت المقصود، مع المنقذين، ووجد أشخاصاً يصرخون من تحت الأنقاض، طالبين المساعدة، فبدأ عمله كمصور، ووثق القصة بأحداثها الكاملة وتفاصيلها.
صعوبة الموقف في الشجاعية، وهول القصف والتدمير والجرائم التي خلفتها آلة الحرب الإسرائيلية، لم تُسعف مرتجى بالتعرف على منطقة سكناه، فاختلطت مشاعره بين الواجب الصحافي والإنساني.
ويوضح المصور الصحافي الفلسطيني، أنه لم يكن ينوي تصوير المشاهد لإنتاج فيلم حينها، لكن معايشته لارتباط رجل الإسعاف "علاء أبو شعير"، بشخصية الفيلم، الطفلة "بيسان"، وترابط الأحداث، ساعدته على إقرار إنتاج فيلم وثائقي عنها.
ويقول مرتجى إن مجال عمله، في شركة "عين ميديا" للإنتاج الإعلامي، خلال الحروب يقتصر على البحث عن قصص إنسانية، أقرب ما تكون إلى جرائم حرب، تختلف بتفاصيلها عن كثير مما يوثقه مصورون آخرون.
ويضيف لـ "العربي الجديد"، أنّ الاحتلال الإسرائيلي يخاف من الكاميرا، ويسعى لقتلها في سبيل القضاء على كل جريمة توثق ضده، فالكاميرا مستهدفة طالما أنها توثق جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
الصورة بألف كلمة وألف تقرير، والمصور لا يتجرد من إنسانيته مهما تطلبت الأحداث، وقد يكون مستعدًا للتضحية بنفسه من أجل إيصال صورته ورسالته، وفقًا لمرتجى الذي بدأ العمل في مجاله منذ 10 سنوات.
الفيلم الذي استمر إنتاجه عاماً كاملاً، يزخر بالمشاعر الإنسانية، إذ بث مشاهد لتعايش المصور الصحافي مع الحالة، في حياتها إبان الحرب وبعدها، وعن علاقة إنسانية ربطت بينه وبين الصورة الحقيقية التي تجسدت في "بيسان".
ويقول مرتجى: "ربطتني علاقة قوية في بيسان بعد الحرب، والتي فقدت غالبية عائلتها، وأصبحنا أشبه بالأصدقاء، حتى اشتريت لها كاميرا صغيرة بناء على طلبها مني، كذلك تولدت صداقة بيني وبين المُسعف ورجال الدفاع المدني".
ويسعى مرتجى لإنتاج أفلام توثق الصورة الجميلة بغزة للعالم، على الرغم من الحصار والفقر والمعاناة، بعيدًا عن تلك التي تكون خلال الحروب، وبالصورة الصحافية التي لا تقل عن لغات العالم الأخرى.
بدوره، أوضح مخرج فيلم "بيسان" إبراهيم العطلة، دور الفيلم في إيصال جريمة من جرائم عديدة تُرتكب بحق المجتمع الفلسطيني، على اعتبار أن الفيلم تناول أُناساً قضوا قرابة 9 ساعات تحت الأنقاض، دون معرفة أحد عنهم.
ويشير المخرج العطلة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الفيلم يحوي رسالة للعالم أجمع، مفادها "أن الاحتلال الاسرائيلي مُستمر بجرائمه طالما استمرت معاناة الأطفال والفلسطينيين، وبعد ما خلفه من دمار ومجازر في الحروب الأخيرة على غزة".