"بيت المعظمية"... حكاية عقار مقدسي يهدده الاستيطان

القدس المحتلة

محمد محسن

محمد محسن
20 يونيو 2019
B1EC321A-E97D-4F04-98A9-F0B0B5991324
+ الخط -
في عقار "بيت المعظمية" الواقع في حي باب حطة المتاخم للمسجد الأقصى في البلدة القديمة من القدس، وهو ثالث العقارات التي ثبّتت محكمة الاحتلال الإسرائيلي العليا ملكيته للمستوطنين، أخيراً، تفاصيل كثيرة تروى على لسان أصحابه.

وكانت محكمة الاحتلال العليا قد ثبتت في العاشر من شهر يونيو/ حزيران الحالي، ملكية المبنى للمستوطنين إضافة إلى فندقي "إمبريال" و"بترا" في ساحة عمر بن الخطاب بمنطقة باب الخليل، أحد الأبواب الرئيسية للبلدة القديمة، وجميعها كانت مملوكة للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، قبل أن يتم الحديث عن صفقة بيع كبرى تورّط فيها أحد رجال الكنيسة اليونانيين ويدعى أرينيوس، لصالح جمعية "عطيريت كوهانيم" الاستيطانية عام 2005، قبل أن يفرّ إلى خارج فلسطين.

وتعتزم "عطيريت كوهانيم" بدء إجراءات لإفراغ هذه العقارات والمباني من سكانها الفلسطينيين الذين يعيشون فيها وفق عقود تأجير قديمة يتمتعون بموجبها بمكانة "مستأجر محمي"، لكن الجمعية الاستيطانية تسعى لإلغاء هذه المكانة وطرد عشرات الفلسطينيين المقدسيين وإحلال مستوطنين يهود مكانهم.
وبحسب قانون التقادم المعمول به، فإن المستأجر محمي بالقانون، وهو متصرف في البيت، لأنه مستأجر منذ أكثر من 80 عاماً. ويحمي القانون كل من استأجر بيتاً قبل الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967، وباستطاعته التصرف به، لأنه محمي من الإخلاء ويملك عقود ملكية مشتركة مع المالك الأصلي للعقار.

والتقت "العربي الجديد" ساكن "بيت المعظمية"، المسن المقدسي تيسير عدوين (أبو رياض)، وذلك في البيت الذي ملّكته محكمة الاحتلال العليا للمستوطنين، بعد عدم اقتناعها بوثائق قدمت لها من قبل بطريركية الروم الأرثوذكس اليونانية، والتي كان بمقدورها تقديم الكثير والمفيد، بما في ذلك شرح موثّق لما قالت إنها رشى اعترت توقيع الصفقة. لكنّ الكنيسة لم تفعل ذلك، وهو ما دفع قاضي محكمة الاحتلال لطرح الكثير من التساؤلات حول ما قالته البطريركية، وامتناعها في الوقت ذاته عن تقديم ملفات الفساد المتعلقة بها.

يروي عدوين، ونجله مراد، في حديثهما لـ"العربي الجديد"، أنّ العائلة التي تقيم في العقار منذ أكثر من ثمانية عقود، وقبل أن تثبت محكمة الاحتلال ملكية المكان للمستوطنين، سعت بدون جدوى للحصول على مساعدة لترميمه، لكن لم يحالفها الحظ، ولم تصلها أي أموال ترصد للترميم ما يعينها على البقاء والصمود، بداعي أنّ البطريركية هي التي تملك العقار. وهو ما أظهرته الصور التي تم التقاطها للبيت من غرفه الداخلية سواء غرف النوم، أو الصالون، أو مطبخ العائلة، والتي بدت جميعها متهالكة وبحاجة إلى عملية ترميم وصيانة كبيرة. وكانت العائلة من حين إلى آخر، ووفق إمكاناتها المادية المتواضعة، تقوم بأعمال الصيانة "الترقيعية".

يقع "بيت المعظمية" على مساحة تقارب دونمين وسط أرض مشجّرة، وهو يتوسّط حي باب حطة ويتاخم بؤرة استيطانية ملاصقة له، بينما لا يبعد كثيراً عن أرض كانت مملوكة لكنيسة روسيا البيضاء التي باعت تلك الأرض لبلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس، وقامت الأخيرة بنقل ملكيتها إلى الجمعية الاستيطانية "عطيريت كوهانيم" قبل أكثر من عقدين من الزمن. وكان قد تقرّر أن تقام على تلك الأرض أكثر من عشرين وحدة استيطانية، ضمن مشروع طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون، لكن جرى العدول عن تنفيذه بعد إعلان المنطقة أثرية، وفق ما يوضح مدير دائرة الخرائط في مؤسسة "بيت الشرق"، خليل تفكجي، لـ"العربي الجديد".

ويقول تفكجي إنّ "الاحتلال منع جمعية برج اللقلق المجتمعية المتاخم مقرها لتلك الأرض من الدخول إلى حديقة ألعاب هناك، بحجة أنها منطقة أثرية، ويحتاج الدخول إليها إلى تصريح تحت طائلة الغرامة المالية للمخالفين".

في تلك الأرض، تتذكر عائلة عدوين صداماً جسدياً قاده عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومسؤول ملف القدس، الراحل فيصل الحسيني، في العام 1996، وتعرض خلاله لاعتداء من قبل جنود الاحتلال، وذلك أثناء دفاعه عن عروبة المكان، وفقاً ما قاله عدوين ونجله مراد، إذ أكّدا أنّ الحسيني وحده الذي كان يدافع مع العائلة عن الأرض والمكان.

ويقول عدوين الأب إنّ العقار الذي تقطنه عائلته تقيم فيه منذ أكثر من ثمانين عاماً، مضيفاً "لقد ولدت في هذا البيت، وعمري الآن خمسة وسبعون عاماً. عاش فيه أبي وأشقائي الذين يكبرونني سناً". وأكّد أنّ "العائلة تملك وثائق ومستندات الإيجار الموقعة من قبل بطريركية الروم الأرثوذكس، وبالتالي هي محمية تماماً، وإن حدثت أي عمليات بيع، فالعائلة ليست مسؤولة، وهي لم تعقد أي صفقة بيع مع الاحتلال ومستوطنيه".

وكانت عائلة عدوين قد رفضت مبالغ مالية خيالية على مدار السنوات الماضية، من مسؤول الاستيطان في القدس القديمة ويدعى ماتي دان، في مقابل بيع بيتها. ويؤكد عدوين الأب "نحن لا نبيع ولا نفرط، حتى لو اضطررت لأن ألملم قُمع (بقايا السجائر) وبيعها، والحال هذا ينطبق على أبنائي".

وبعد رحيل فيصل الحسيني عام 2001، واصلت عائلة عدوين الدفاع وحدها عن المكان وعن "بيت المعظمية"، الذي يتمتّع بموقع استراتيجي ويشتمل على مبان عدة، ولكن غالبيتها من الحجارة المتهالكة أو من الطوب والصفيح تتخللها أشجار كثيفة وجدران قديمة وحفر يتم اجتيازها عبر جسر من الصفيح المقوى.

وكما والده، يؤكّد مراد عدوين أنّ العائلة لن تعترف بأي صفقة أو تسريب، و"إن حضر المستوطنون ليستولوا على البيت، سنقاومهم حتى اللحظة الأخيرة"، متمنياً أن "تتحرّك الكنيسة المحلية بجميع طوائفها، وكل القوى الحية، وأن تتنادى جميع الكنائس للدفاع عن هذا العقار". ويقول مراد "فلتبادر الكنائس لإغلاق كنيسة القيامة حتى يتشكل رأي عام دولي ضاغط لإرغام الاحتلال على التراجع عن عملية الاستيلاء والمصادرة لفندقي إمبريال وبترا، فتلك وسيلة مقاومة سلمية يمكن أن تؤدي إلى نتائج، كما حدث قبل عامين حين قررت الطوائف المسيحية إغلاق كنيسة القيامة احتجاجاً على إجراءات الاحتلال التي حاولت استهدافها بفرض ضرائب خيالية عليها".

ويدرك مراد وأفراد العائلة جميعاً طبيعة وحقيقة أطماع المستوطنين في "بيت المعظمية"، ومع ذلك لا يخفون غضبهم من تقصير المؤسسات المحلية الرسمية تجاههم. ويقول "إذا نجحوا في الاستيلاء على بيت المعظمية، فعلى البلدة القديمة كلها السلام"، مشيراً إلى أنّ "البيت يتاخم المسجد الأقصى، ويقع وسط حي باب حطة المستهدف من الاحتلال، هذا عدا عن مخططات الأخير بربط البيت بعقارات أخرى في المنطقة، سواء البؤرة الاستيطانية المجاورة لبيت العائلة، أو تلك التي استولوا عليها قبل أكثر من عام في حارة السعدية، وحتى خارج سور البلدة القديمة".

هذه المكانة المهمة يشير إليها أيضاً تفكجي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إذ إنّ المقهى المجاور للعقار تشرف عليه بلدية الاحتلال في القدس، وتتاخمه أملاك لغائبين ملاصقة لبيت المعظمية، وكذلك المنطقة الأثرية التي باعتها كنيسة روسيا البيضاء لبلدية الاحتلال، بينما كانت خطة شارون في العام 1992 تقضي بشق نفق يصل منطقة باب الساهرة بمبنى البريد خارج أسوار المدينة المقدسة، علماً أنّ جزءاً من هذا المبنى كان قد سلم للمستوطنين قبل نحو عامين.

ورغم كل ذلك، تؤكّد عائلة عدوين أنها لن تتخلى عن معركة الدفاع عن بيت المعظمية، حتى مع صدور قرار من المحكمة العليا بتمليك البيت للمستوطنين، ويقول مراد عدوين "لن نخرج من هذا البيت إلا إلى حتفنا، وإن دخلوه فعلى جثثنا".

ذات صلة

الصورة
ما تركه المستوطنون من أشجار مقطوعة ومحصول مسروق في قرية قريوت (العربي الجديد)

سياسة

تعرضت الأراضي الزراعية في موقع "بطيشة" غربي قرية قريوت إلى الجنوب من مدينة نابلس لهجوم كبير من المستوطنين الذين قطعوا وسرقوا أشجار الزيتون المعمرة
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
الصورة
جنود الاحتلال قرب مقر أونروا في غزة بعد إخلائه، 8 فبراير 2024 (فرانس برس)

سياسة

أقر الكنيست الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، تشريعاً يحظر عمر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) داخل الأراضي المحتلة.
الصورة
غارة جوية على قرية الخيام جنوب لبنان، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها في جنوب لبنان على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع