في مقال مشترك نشره موقع مجلة "بوليتيكو"، الأربعاء، يعتبر المحلل ومستشار وزارة الخارجية الأميركية آرون ديفيد ميلر، والكاتب والعضو السابق في مكتب تخطيط السياسات التابع لوزير الخارجية الأميركي ريتشارد سوكولسكي، أنّ أنجح مبادرة للسياسة الخارجية السعودية، "في خضم كل إخفاقاتها"، كانت الفلاح في "خداع" دونالد ترامب.
فمنذ أن أصبح ترامب رئيساً، يذكّر المقال بأنّ الولايات المتحدة دعمت حرباً "كارثية" في اليمن، وتفرّجت على شنّ الرياض حرباً سياسية واقتصادية ضد اليمن وقطر، ساهمت بانقسام مجلس التعاون الخليجي وتعزيز نفوذ إيران.
ويشير إلى أنّ واشنطن وقفت على الحياد عندما "اختطف" السعوديون فعلياً رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الموالي لأميركا في محاولة فاشلة لإضعاف "حزب الله"، والتزمت الصمت عندما قمع السعوديون "تحت ستار الإصلاح"، صحافيين ومدونين ورجال أعمال، وأي شخص تجرّأ على انتقاد ولي العهد محمد بن سلمان.
كما أنّ واشنطن، تحت إدارة ترامب، لم تحرّك ساكناً عندما عاقبت الرياض كندا، الحليف الوثيق للولايات المتحدة الذي تجرّأ على تحدّي السعودية بخصوص انتهاكاتها بمجال حقوق الإنسان، يقول الموقع.
فعلى مدى 65 عاماً من الخبرة المشتركة في العمل داخل وخارج وزارة الخارجية الأميركية حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يقول الكاتبان "لم نرَ أبداً مثيلاً لاستعداد إدارة ترامب (لبيع) المصالح الأميركية للسعودية، الدولة التي تسعى بشكل متزايد لسياسات داخلية وخارجية (تقوض القيم والمصالح الأميركية)".
— POLITICO Magazine (@POLITICOMag) August 29, 2018
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— POLITICO Magazine (@POLITICOMag) August 29, 2018
|
فكيف نفسّر ارتباط إدارة ترامب "الشاذ وغير السوي" بالمملكة العربية السعودية؟ يتساءل الكاتبان، وما هو بالضبط الثمن الذي تجنيه أميركا في المقابل؟
الإطراء وبغض النقد
على الرغم من أنّ أسلافه في الرئاسة كانوا يتوجهون تقليدياً في أول رحلة خارجية لطمأنة الجيران في كندا أو المكسيك، اختار ترامب أن تكون وجهته الخارجية الأولى إلى المملكة العربية السعودية. يشير المقال إلى أنّ ترامب يبغض النقد ويسحره "الإطراء المتفاخر"، ويسأل: أي مكان أفضل ليكون وجهة للزيارة من دولة "بوليسية" لا يحظى فيها قادتها الأغنياء بفعل النفط، بأي انتقادات من رعاياهم أو من ضيوفهم؟
فمع تمويل سيادي بمليارات الدولارات، وعرض تقديري محتمل (حتى لو تأخر الآن) من أسهم شركة "أرامكو" السعودية، وأفراد عائلة مالكة يملكون بعض أغلى اليخوت والمنازل والأعمال الفنية في العالم، بدت السعودية "المكان المحبب" لترامب، بحسب ما يذكر المقال، مشيراً إلى أنّ ترامب الذي يحب النظام، والتباهي، وقبل كل شيء الإطراء، لقي هذه الغايات على مائدة مضيفيه، بينما احتفى العاهل السعودي الملك سلمان وابنه وريث العرش ولي العهد محمد بن سلمان، بالرئيس باستقبال باذخ ورقصات السيوف والميداليات الفخمة.
صفقات السلاح والمال
يعتبر المقال أنّ المال السعودي كان حافزاً ومسوغاً لخنوع ترامب أمام الرياض، والتودد إليها من أجل العرض عليها شراء السلاح، بصفقة تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليار دولار، لافتاً إلى أنّه لم يكن من قبيل الصدفة أن يصطحب ترامب معه كبار مدراء الشركات الأميركية، في رحلته الأولى إلى المملكة، بحثاً عن صفقات.
بالنسبة لهذا الرئيس، يحاول المقال الشرح، فإنّ التعامل مع الأصدقاء يعني سلسلة من الصفقات: كي تحصل على شيء من الولايات المتحدة، عليك أن تدفع ثمناً في المقابل. ويرى أنّ ترامب يدرك أنّ كونه لطيفاً مع السعوديين، قد يضمن له في النهاية صفقات تجارية، قد تكون على قدر من الأهمية لـ"منظمة ترامب".
طموحات إقليمية مشتركة
يوضح المقال أنّ سبباً آخر لـ"العلاقة الغرامية" بين السعودية وأميركا، يعود إلى توق ترامب لـ"إصلاح الضرر" الذي يعتقد أنّ الرئيس باراك أوباما سبّبه للعلاقة بين البلدين، على خلفية الاتفاق النووي مع إيران، ورغبته في جعل الرياض شريكاً عربياً يلعب دوراً قيادياً يساهم بتحقيق أكبر طموحين له في المنطقة: تقليص النفوذ الإيراني، والتوصّل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع العربي الإسرائيلي.
ومع أنّ السعوديين يشتركون في الهدف الأول مع الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أنّ المقال يرى أنّ التعويل عليهم لفعل الكثير حيال تحقيقه "هو مجرّد خيال"، مذكّراً بأنّ العالم يشهد على الفوضى التي أوجدها السعوديون في اليمن، بينما تساهم سياساتهم تجاه اليمن وقطر في توسيع نفوذ إيران بدلاً من تقليصه.
أما بالنسبة للسلام الإسرائيلي الفلسطيني، ومع أنّ ولي العهد محمد بن سلمان يبدو مهتماً بأن يكون طرفاً فيه، إلا أنّ المقال يشير إلى أنّ السعوديين أرسلوا إشارات بأنّهم لن يؤيدوا أي اتفاق سلام لا يضمن القدس عاصمة لدولة فلسطين، وهو ما يبرهن، على الأرجح، على قلق الملك سلمان من كون ابنه متلهفاً للغاية للمزايدة الأميركية.
مصالح أميركية
يعتبر المقال أيضاً، أنّ أحد أسباب خنوع ترامب للسعودية، وثمن الحفاظ على علاقة مثمرة معها، يعود إلى أنّ الرياض تخدم مصالح الولايات المتحدة.
ويرى أنّ عقد "النفط مقابل الأمن" الذي وجّه دفة العلاقة السعودية الأميركية، على مدى سنوات، أصبح ميتاً، بفضل ظهور سياسة "التكسير"، "لا نحتاج إلى نفطهم، وعليهم عدم الاعتماد على أميركا من أجل أمنهم".
ومع ذلك، يعتقد الكاتبان بأنّ الحفاظ على إمكانية الولوج إلى النفط السعودي واستقراره في الخليج العربي (30 إلى 40 بالمائة من تدفقات النفط العالمية)، "حيوي" لصحة الاقتصاد العالمي.
ويوضحان أنّ الإدارة الأميركية تعوّل مسبقاً على السعوديين لزيادة الإنتاج من أجل تعويض الخسارة المحتملة للنفط الإيراني في السوق، ويشيران خصوصاً إلى أنّ السعودية، وفي أعقاب الربيع العربي وانهيار أربع دول عربية، "لا تزال قوة في الحفاظ على الاستقرار، وشريكاً في مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط".