"بني آدم"... كأنه حلقة طويلة من مسلسل

28 اغسطس 2018
لم يؤدّ الشريف دوراً مميزاً (فيسبوك)
+ الخط -
لم يشارك الممثل يوسف الشريف (1978) في أي فيلم سينمائي منذ عام 2009 الذي أدّى فيه دور البطولة في "العالمي" لأحمد مدحت. متغيّرات كثيرة حدثت منذ ذلك الحين، أبرزها تحوّل "الممثل الشاب ذي القبول النسبي والإمكانيات التمثيلية المتواضعة" إلى "نجم تلفزيوني" تحقِّق مسلسلاته نسب مُشاهدة مرتفعة جدًا كل عام، مؤسِّسًا فئة كبيرة من المتابعين الشباب الذين ينتظرون أعماله وينبهرون بها، هي المشهورة بالتواءات درامية ومفاجآت مختلفة في نهاياتها.
لذلك، كانت عودته السينمائية في "بني آدم" (2018) لأحمد نادر جلال مُنتظرة بشدّة، إذْ لا بدّ أن الأعوام الطويلة أكسبته خبرة وتحضيرًا لخطوته المقبلة في السينما، خصوصًا أنه يتعاون مع شريكي نجاحه التلفزيوني المؤلّف عمرو سمير عاطف والمخرج جلال. لكن خيارات الثلاثيّ في "بني آدم" جافاها الذكاء والعناية، إلى درجة جعلته يفشل في شبّاك التذاكر، ويأتي خامسًا بين أفلام العيد، ما أحدث مفاجأة أكبر من تلك "النهاية المتلاعب بها"، التي راهن صنّاع الفيلم عليها.
قصّة تقليدية، تشعر أنك شاهدتها عشرات المرات: رجل عائلة لديه "حياة أخرى" سرّية كرجل عصابات. في بداية الفيلم، يحدث خطأ في عملية سرقة مصرف يقوم بها مع مساعديه، ما يجعله عرضةً للاتهام والترصّد والمراقبة من رجال الشرطة. يتعرّض لمشاكل مع "الأستاذ" رئيس العصابة المنتمي إليها. والأهمّ: شَكّ زوجته في هوية الشخص الذي أنجبت منه طفلها.
تتقاطع الخطوط الـ3 مع تطوّر الأحداث، ثم تحدث مفاجأة ختامية هي التي راهن صنّاع الفيلم عليها، إلى درجة نسيان كلّ شيء آخر.

أغرب ما في "بني آدم" تحلّيه ـ بدرجة كبيرة ـ بـ"اللاسينمائية". فالأحداث قليلة للغاية، تتحرّك في مسارات ضيقة اختارها صناعه. وباستثناء النهاية، فإنّ كل شيء آخر متوقع، لا يحمل أي تفاصيل لافتة للانتباه في عمل يكمن تصنيفه الأساسي في "الإثارة"، والصفة الأهم لبطله هي الذكاء وسرعة البديهة. لكنّ أياً من هذا لا نراه أمامنا، إذْ تتتالى المشاهد الحوارية الطويلة التي تحاول ـ بشكل شديد الافتعال والسطحية ـ أن تحمل بعدًا تأويليًا آخر يجعل الفيلم قابلاً للاستقبال في مستوى فلسفي عن البشر وخياراتهم وعلاقتهم بالإله. غير أن تلك المساعي كلّها لم تفشل فقط بسبب ضعف الجمل وسطحية الحكم التي يلقيها علينا "أبطال" العمل، فهي أثقلت على العمل وقتلت إيقاعه تمامًا، وحوّلته إلى حلقة طويلة (120 دقيقة) من مسلسل تلفزيوني.
"الإيقاع التلفزيوني" مشكلة فعلية يعانيها "بني آدم" الفيلم إلى حدّ كبير، وهذا ما كان يجب على يوسف الشريف وفريقه تجنّبه، خصوصًا أن لمخرجه خبرة سينمائية كبيرة، علمًا أن "بني آدم" هو فيلمه العاشر. لكن، يبدو أن أربعة مسلسلات من بطولة يوسف الشريف نفسه أفقدته شيئًا في التعامل مع الحركة والحدث بدلاً من الحوار، حتى أنها كانت سبب ضعف مَشهدَي الحركة في الفيلم، اللذين ظهرا تلفزيونيين وبشكلٍ فقير في مؤثّراتهما، وأقلّ كثيرًا من أي فيلم مصري آخر عرض في العامين الفائتين، بل أقل من مشاهد حركة أنجزها أحمد نادر جلال في فيلميه "واحد من الناس" (2006) و"خارج على القانون" (2007).

إلى ذلك، هناك أداء ضعيف للغاية ليوسف الشريف. فهو يلقي حواراته كأنه "يُسمِّعها"، ولا يخلق أي أبعاد أخرى في شخصية آدم أكثر من تأديتها بشكل آلي وفاتر كجزءٍ من الإيحاء بالخطورة. وضع الشريف ليس أسوأ من أوضاع الممثلين الآخرين، كدينا الشربيني ومحمود الجندي وهنا الزاهد، فمستوياتهم التمثيلية ضعيفة جدًا، والشخصيات التي يؤدّون سطحية.
الأمر الوحيد الذي راهن عليه صنّاع "بني آدم" هو النهاية، التي تتمثّل بـ"كشفٍ أخير" يدفع المُشاهدين إلى الدهشة. لكن هذا الرهان تحوّل إلى هوس مزعج بالنسبة إليهم، ما أضرّ بالفيلم، ليس لأنها "مفاجأة" لا تمنح الحكاية أي بعد آخر، ولا لأن التعويل عليها وحدها جعلهم غير مهتمّين بالفصول الباقية في الفيلم. فالأهمّ كامنٌ في أن المُشاهد يشعر أن الصنّاع خدعوه للوصول إليها، وأخفوا عنه تفاصيل مُقدّمين له في الوقت نفسه معلومات مضلّلة، وهذا التواء مفتعل في الختام.
دلالات
المساهمون