15 سبتمبر 2019
"بلوتوقراطية" ترامب وماكرون
محمد عياش
كاتب وباحث سياسي فلسطيني، يؤمن بمقولة "من طلب الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه".
تتبع الولايات المتحدة الأميركية، في عهد الرئيس دونالد ترامب، استراتيجية "التسخين والتبريد"، أي افتعال أزمات مع دول كانت في الماضي ترتضي لنفسها أن تكون خارج الإدارة الأميركية، رافضةً جميع المغريات الأميركية، وبقيت على موقفها، وتبريد جبهاتٍ كانت على وشك إعلان الحرب بينها، بين الفينة والفينة. وبالتالي، فإن واشنطن ماضية بغيها وتعمل بمقتضى صناعة الأعداء، أي كما قالها رئيسها الأسبق إيزنهاور: "نصنع الأعداء لكي نصنع السلاح".
ترامب القادم من المال والأعمال، وعينه على اقتصاد العالم، وخصوصاً الدول التي تعتبر من الدول الغنية، يتقصد افتعال الأزمات بين أبناء البلد الواحد، وتأييد طرفٍ على الآخر، ليتسنى لواشنطن التدخل تحت حجج واهية لا أساس لها، إلا في القاموس الإمبراطوري الأميركي، وما تشهده دولة فنزويلا أكبر دليل على ذلك.
ما يعاب على استراتيجية ترامب، تخلّيه تماماً عن فكرة زج الولايات المتحدة بالمعارك مباشرة، وترك الأمر للوكلاء الذين يجدون في واشنطن فرصة لتمكينهم وإيصالهم للحكم تحت أي مسمّى، والانسحاب المؤكد من سوريا وأفغانستان يثبت صحة ما نقول.
في فرنسا، تجوب معظم مدنها مسيرات "السترات الصفراء" الذين يطالبون بتنحية الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المنحدر من الطبقة البلوتوقراطية، أي أن من يحكمون واشنطن وباريس هم الأثرياء، حيث يقول الرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا ميتران "إن من سيحكم من بعدي سيكونوا ماسكي دفاتر حسابات"، أي الأغنياء الذي لا هم لهم إلا جمع المال والصفقات وغيرها، وماكرون يعد، وبنظر غالبية الفرنسيين رئيس الأغنياء فقط.
حكم الأثرياء فيه الكثير من المعاناة للشعوب التي ترزح تحت سطوة المال، وبالتالي فإن الديمقراطية قد تتلاشى، أو لا يكون لها مجال، لأن الساسة الأغنياء يتحصنون وسط الأغنياء الأقل منهم. وهنا بيت القصيد، فمعظم القرارات الصادرة تصب في مصلحة الطبقة الحاكمة كما حصل في فرنسا مع ماكرون، وبدرجة أقل مع ترامب.
تميز القرن العشرين بظاهرة طغيان السياسة فوق كل شيء إلى درجة أن الناس بدأوا يربطون كل عمل لا أخلاقي بما يسمونه "العاهرة"، أي السياسة، فهي عندهم ذلك المخلوق الغني القادر على خلط المفاهيم والقادر أيضاً على صنع أشياء قد لا تخطر للشيطان ببال.
أما القرن الواحد والعشرين، فيمتاز بتكتل الرأسماليين (الكارتل)، الذين زحفوا مجدّداً إلى السلطة، ونجحوا بالقبض على مقاليد الحكم، وهذه الجماعات لا تنظر إلى الأمور على أساس المصلحة العامة، وإنما بمنظور براغماتي بشع، وبالتالي عديد الضحايا لهذه الرؤية تزداد مع استمرار هذه الفئة في الحكم، وما تشهده باريس وبعض المدن الفرنسية تعبير واضح عن الرفض لهذه السياسة الخرقاء.
وفي واشنطن، الأمر مختلف عن باريس، فقط بالمسيرات التي تجوب المدن الفرنسية كل يوم سبت، لأن حالة الامتعاض من سياسة ترامب تبلورت بفوز الحزب الديمقراطي بأغلبية المقاعد في مجلس النواب، وتعيين نانسي بيلوسي الديمقراطية رئيسة له، فالحديث اليوم في الشارع الأميركي عن كيفية عزل الرئيس والطرق المؤدية لذلك.
تدرك واشنطن أن أعداءها يزدادون، وتدرك أيضاً أنها لم تعد البلد المرغوب لمعظم سكان الأرض، لأنها تتجه للانغلاق على نفسها، وذلك حسب رغبة ترامب ببناء جدار عازل مع المكسيك وإيقاف الهجرة العشوائية حسب زعمه.
وتدرك باريس أنها لن تستطيع أن تقدم نفسها الدولة الحضارية التي كانت بالأمس موئلاً للأدباء والمفكرين والمهاجرين الباحثين عن الجمال والموسيقى، وذلك مع فقدانها لكثير من المناطق التي تتغذى عليها مثل شمال أفريقيا التي تعاني الفقر المدقع، وهي مضطرة للبحث عن موارد أخرى في مناطق جديدة لإعادة بعض الهيبة لهذه الدولة التي سبقت الولايات المتحدة وبريطانية بالاستعمار واضطهاد الشعوب، وهي في عين العاصفة تتدخل في سورية وليبيا ودول أخرى.
الولايات المتحدة وفرنسا أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول أن يحترموا إرادة الشعوب بتقرير مصيرها، وتركها تعمل للبحث عن أفضل السبل للبقاء والازدهار، وأن تلتفت إلى الداخل والبحث عن حلول دائمة لشعوبها. والثاني الاستمرار بغيها وصلفها وعنجهيتها، وإدخال العالم في حروبٍ شتى، معتقدة أن هذه السياسة هي الأنجع لوجودها، والأسرع للتدخلات في شؤون الآخرين، مع العلم أن العالم أجمع يرفض هذه الاستراتيجية الوقحة. وبالتالي، نحن أمام أول الصدامات مع هذه الإدارة، والتي تتجلى بالأزمة الفنزويلية التي تعيد سياسة الاصطفاف مرة أخرى بين مؤيد للسياسة الأميركية ومن يرفضها ويقاومها. أعتقد أن الخيار الأخير هو ما سيطغى، لأن ترك العادة يحدث ألما.
ما يعاب على استراتيجية ترامب، تخلّيه تماماً عن فكرة زج الولايات المتحدة بالمعارك مباشرة، وترك الأمر للوكلاء الذين يجدون في واشنطن فرصة لتمكينهم وإيصالهم للحكم تحت أي مسمّى، والانسحاب المؤكد من سوريا وأفغانستان يثبت صحة ما نقول.
في فرنسا، تجوب معظم مدنها مسيرات "السترات الصفراء" الذين يطالبون بتنحية الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المنحدر من الطبقة البلوتوقراطية، أي أن من يحكمون واشنطن وباريس هم الأثرياء، حيث يقول الرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا ميتران "إن من سيحكم من بعدي سيكونوا ماسكي دفاتر حسابات"، أي الأغنياء الذي لا هم لهم إلا جمع المال والصفقات وغيرها، وماكرون يعد، وبنظر غالبية الفرنسيين رئيس الأغنياء فقط.
حكم الأثرياء فيه الكثير من المعاناة للشعوب التي ترزح تحت سطوة المال، وبالتالي فإن الديمقراطية قد تتلاشى، أو لا يكون لها مجال، لأن الساسة الأغنياء يتحصنون وسط الأغنياء الأقل منهم. وهنا بيت القصيد، فمعظم القرارات الصادرة تصب في مصلحة الطبقة الحاكمة كما حصل في فرنسا مع ماكرون، وبدرجة أقل مع ترامب.
تميز القرن العشرين بظاهرة طغيان السياسة فوق كل شيء إلى درجة أن الناس بدأوا يربطون كل عمل لا أخلاقي بما يسمونه "العاهرة"، أي السياسة، فهي عندهم ذلك المخلوق الغني القادر على خلط المفاهيم والقادر أيضاً على صنع أشياء قد لا تخطر للشيطان ببال.
أما القرن الواحد والعشرين، فيمتاز بتكتل الرأسماليين (الكارتل)، الذين زحفوا مجدّداً إلى السلطة، ونجحوا بالقبض على مقاليد الحكم، وهذه الجماعات لا تنظر إلى الأمور على أساس المصلحة العامة، وإنما بمنظور براغماتي بشع، وبالتالي عديد الضحايا لهذه الرؤية تزداد مع استمرار هذه الفئة في الحكم، وما تشهده باريس وبعض المدن الفرنسية تعبير واضح عن الرفض لهذه السياسة الخرقاء.
وفي واشنطن، الأمر مختلف عن باريس، فقط بالمسيرات التي تجوب المدن الفرنسية كل يوم سبت، لأن حالة الامتعاض من سياسة ترامب تبلورت بفوز الحزب الديمقراطي بأغلبية المقاعد في مجلس النواب، وتعيين نانسي بيلوسي الديمقراطية رئيسة له، فالحديث اليوم في الشارع الأميركي عن كيفية عزل الرئيس والطرق المؤدية لذلك.
تدرك واشنطن أن أعداءها يزدادون، وتدرك أيضاً أنها لم تعد البلد المرغوب لمعظم سكان الأرض، لأنها تتجه للانغلاق على نفسها، وذلك حسب رغبة ترامب ببناء جدار عازل مع المكسيك وإيقاف الهجرة العشوائية حسب زعمه.
وتدرك باريس أنها لن تستطيع أن تقدم نفسها الدولة الحضارية التي كانت بالأمس موئلاً للأدباء والمفكرين والمهاجرين الباحثين عن الجمال والموسيقى، وذلك مع فقدانها لكثير من المناطق التي تتغذى عليها مثل شمال أفريقيا التي تعاني الفقر المدقع، وهي مضطرة للبحث عن موارد أخرى في مناطق جديدة لإعادة بعض الهيبة لهذه الدولة التي سبقت الولايات المتحدة وبريطانية بالاستعمار واضطهاد الشعوب، وهي في عين العاصفة تتدخل في سورية وليبيا ودول أخرى.
الولايات المتحدة وفرنسا أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول أن يحترموا إرادة الشعوب بتقرير مصيرها، وتركها تعمل للبحث عن أفضل السبل للبقاء والازدهار، وأن تلتفت إلى الداخل والبحث عن حلول دائمة لشعوبها. والثاني الاستمرار بغيها وصلفها وعنجهيتها، وإدخال العالم في حروبٍ شتى، معتقدة أن هذه السياسة هي الأنجع لوجودها، والأسرع للتدخلات في شؤون الآخرين، مع العلم أن العالم أجمع يرفض هذه الاستراتيجية الوقحة. وبالتالي، نحن أمام أول الصدامات مع هذه الإدارة، والتي تتجلى بالأزمة الفنزويلية التي تعيد سياسة الاصطفاف مرة أخرى بين مؤيد للسياسة الأميركية ومن يرفضها ويقاومها. أعتقد أن الخيار الأخير هو ما سيطغى، لأن ترك العادة يحدث ألما.
محمد عياش
كاتب وباحث سياسي فلسطيني، يؤمن بمقولة "من طلب الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه".
محمد عياش
مقالات أخرى
25 اغسطس 2019
25 يوليو 2019
21 يونيو 2019