"بلايد رانر 2049" لدوني فيلنوف... حكاية المونتاج الأول

07 نوفمبر 2017
هاريسون فورد في "بلايد رانر 2049" (Getty)
+ الخط -
منذ بدء عروضه التجارية الدولية (4 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 في فرنسا وبلجيكا وسويسرا، و5/ 10 في المملكة المتحدة، و6/ 10 في الولايات المتحدة الأميركية) لم يتمكّن Blade Runner 2049 عام 2017، للكنديّ دوني فيلنوف (1967)، من تحقيق نجاحٍ تجاريّ مطلوب. فهو بالكاد تمكّن من تجاوز عتبة الـ80 مليون دولار أميركي كإيرادات داخل الولايات المتحدّة الأميركية، حاصداً 223 مليون دولار أميركي فقط كإيرادات دولية (بلغت ميزانيته الإنتاجية 185 مليون دولار أميركي)؛ وهذا يُعتبر، بالطبع، "فشلاً تجارياً" على شبّاك التذاكر.
بعض المتابعين يقول إن أحد أسباب ذلك كامنٌ، على الأرجح، في مدّته البالغة 163 دقيقة: "مدّة طويلة جداً، بالنسبة إلى فيلمٍ منتمٍ إلى الخيال العلمي"، خصوصاً أمام مشاهدين "لا يتقبّلون، بالضرورة، المناخ الخاص جداً به". يضيف هؤلاء، أيضاً، أن الفيلم "لا يتضمّن اشتباكاً أو صراعاً أو مواجهات كلّ 5 دقائق".

أياً يكن، فإن هذه المدّة فرضت على الموزّعين تخصيص حفلات خاصّة بعروضه، تتلاءم مع مواعيد العروض اليومية في الصالات السينمائية. في هذا الإطار، كشف صانع مونتاج الفيلم، الإنكليزي جو واكر (1963)، أن النسخة الأولى من المونتاج تجاوزت مدّتها 4 ساعات: "نسخة طويلة جداً، إلى درجة أن فيلنوف اضطرّ إلى جعلها جزأين اثنين". لكن فكرة إطلاق العروض التجارية للفيلم بهذا الشكل، مع عنوان فرعي لكلّ جزء منهما، بهدف التمييز بينهما، راودت المخرج والمونتير، وإنْ لفترة قصيرة.

يقول واكر: "يبدأ الجزءان بعيون تُفتَح بهدوء. هناك عين ضخمة أولى تُفتح في بداية الفيلم، وثانية عندما تستيقظ مارييت (الكندية ماكنزي ديفيس، 1987) من النوم، وتبدأ تفتيش منزل (التحرّي) ك (الكنديّ راين غوزلينغ، 1980)". أضاف أن "فكرة وضع عنوان فرعي مختلف لكل جزء راودتنا في البداية"، لكنهما سيتخلّيان عنها سريعاً: "ما تبقّى كامنٌ في فكرة هذا "الحلم المستيقظ"، بصدد الفيلم. هذا خيار متعمَّد كلّياً، من الناحية البصرية. هذا هو "التجسيد الجماليّ" الذي أراد المنتجون اللجوء إليه، والذي منح المونتاج النهائي جانب الهلوسة (في الفيلم)".

هذا كلّه يؤدّي إلى التنبّه إلى مسألة أساسية، تطلّبت من الثنائيّ جو واكر ودوني فيلنوف العمل على المونتاج "بطريقة تتيح للسرد الحكائيّ الاندغام، بما فيه الكفاية، بالروح" التي يريدان منحها للفيلم: "تتقدّم الحبكة قطعةً قطعةً، ما يجعل المونتاج صعباً جداً، لأنه في حال تمّ نزع عنصر واحد فقط، فإن البناء (كلّه) ينهار". إضافة إلى ذلك أن "النسخة الجيّدة هي تلك التي تمنحك وقتاً للغرق في روح الشخصية، وتتخلّلها متتاليات ديناميكية جداً ومُدمِّرة جداً (في الوقت نفسه)". وأشار واكر إلى وجود لقطات "يظهر فيها راين (غوزلينغ) وهو يمشي سريعاً في الصحراء، بينما المخطّطات التي يمشي عليها أخفّ سرعة، تتناغم كلّياً مع الروح التي نسعى إلى منحها للفيلم، (على مستوى) انعدام الوزن، كما في حلم".

مراقبون مهتمّون يقولون إن هناك مثلاً آخرَ "قادرٌ على تأكيد الصعوبات التي واجهها جو واكر أثناء عمله"، يظهر في لقطة المواجهة بين التحرّي ك وريك ديكارد (الأميركي هاريسون فورد، 1942). ما يؤكّد ذلك ينكشف في معلومة أوردها عالمون بخفايا العمل داخل غرفة المونتاج: أمضى واكر 6 أشهر متتالية وهو عاجزٌ عن العثور على حلّ بصري لتنفيذ هذه اللقطات، إلى درجة أنه كاد يقع في "فخّ العجز المطلق". لكنه تمكّن من العثور على حلّ سينمائيّ في اللحظات الأخيرة، أتاح له "تحقيق التوليف المناسب" (الذي يظهر في النسخة المعروضة تجارياً).

أياً يكن، فإن النسخة الأولى (4 ساعات/ جزءان) ستبقى "مخفيّة" عن عيون المشاهدين، لأنها لن تُعرض تجارياً، ولا عبر أشرطة الـ "دي. في. دي."، كما يبدو. فدوني فيلنوف يؤكّد، حتى الآن على الأقلّ، أن النسخة المتداولة حالياً هي الوحيدة التي سيُشاهدها الجميع.



دلالات
المساهمون