يعود الكاتب الفلسطيني إياد برغوثي في روايته "بُردقانة"، الصادرة عن "دار الآداب"، إلى فلسطين ما قبل 1948، وتحديداً إلى عام 1945، بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.
يروي صاحب "بيت بيوت" قصة الكابتن فايز غندور، مدرّب فريق كرة القدم المحلي في عكا، الذي كان يظنّ أن أبواب النجاح قد فُتحت له. فقد دعاه مكتب "الاتحاد الرياضي" في يافا إلى اجتماع لكي يُبلّغ من قبل سكرتير الاتحاد بتعيينه مدرباً للمنتخب الفلسطيني. لقد قرّر الاتحاد أخيراً تشكيل منتخب "ليمثّل فلسطين بدلاً من الفريق الذي يسيطر عليه الصهاينة بدعم من الإنجليز".
كانت فرحة فايز عظيمة، فقد عُرض عليه عملٌ براتب شهري يبلغ 40 جنيهاً فلسطينياً، وهو ما يُعادل راتب مهندس، وأيضاً بيت في يافا على حساب الاتحاد. إضافة إلى ذلك، سيصبح مدرّباً للمنتخب الفلسطيني، الذي سيُشكَّل أخيراً ويواجه منتخب الجيش البريطاني. سعادته بالمكانة الجديدة التي حظي بها، وحوّلته إلى بطل وطني، تعادل فرحته باقتراب زواجه من حبيبة قلبه ثريا، التي أنهت أخيراً دراستها في "دار المعلمات" في القدس، وأصبحت معلّمة في عكا.
كل شيء بدا وكأنه يسير في طريق سعيد وباهر، حتى نُشر ذلك الخبر عن والده في إحدى الجرائد المعروفة في البلد. كان الخبر مرفقاً بصورة لوالد فايز يظهر فيها موثقاً إلى شجرة ومضرّجاً بالدماء، وقد لُصقت عليه ورقة مكتوب عليها: "عميل".
قُتل والده قبل بضع سنوات، في خضمّ الثورة التي اجتاحت البلاد في العام 1936، واستمرت، رغم قمعها من قبل الإنجليز، حتى عام 1939. لم يُعرف قاتل الأب، لكن هذا لم يعد مهماً الآن، بعد مطالبة الجريدة بإقالة "ابن العميل".
بين ليلة وضحاها، تغيّر كلّ شيء في حياة الكابتن فايز غندور. تحوّل من بطل وطني إلى "ابن عميل". انهار كل شيء حوله، لكن بُردقانة ظلّت معه؛ وهي كرة قدم ألمانية الصنع، اشتراها من صانع أحذية ألماني في حيفا هرب مع بداية الحرب العالمية الثانية، قبل أن يزجّه الإنجليز في المعتقل. كرة كان يحملها معه أينما ذهب، ويضعها دائماً بين مرفقه وصدره.
تداعيات هذا الأمر تعدّت توقيف تعيين فايز مدرّباً من قبل الاتحاد حتى النظر في صحّة هذا الادّعاء، إلى التأثير على علاقته مع أمّه، التي أزعجها التشكيك في وطنية والده. وأدّى الأمر أيضاً إلى انفصاله عن خطيبته النزقة ثريا، التي "لا تريد لأولادها جدّاً عميلاً يعيَّرون به"، وإلى انعزاله كلياً عن محيطه السابق.
أنجز إياد برغوثي عمله هذا في إطار "محترف نجوى بركات"، وتمكّن فيه من التقاط أجواء ذلك الزمن من فلسطين ما قبل الاحتلال الصهيوني. لغة الرواية سلسة وطيّعة بشكلٍ عام، وقد لجأ برغوثي إلى العامّية في حواراته، واستعان بالتعابير الرياضية في أكثر من مكان، لكنه لم يوفّق دائماً في هذا الأمر، كقوله في لحظة تراجيدية من حياة فايز، وهو ينظر إلى صورة والده في الجريدة: "لم يستعدّ لهذه الهجمة المرتدّة التي اخترقت خطّ دفاعه من دون أن ينتبه لها أو يحاول منع تسجيل هذا الهدف المهين الذي مزّق شباكه...".
ومع ذلك، نجح الكاتب في استعادة فلسطين ما قبل مأساة 48، أي تلك الفترة التي نُسيت في ساحات النضال المرير ضدّ مستعمر صهيوني خَلَف المحتلّ الإنجليزي.
وفي هذا السياق، تقارب روايته مواضيع عامة عن حال الناس في ذلك الوقت، طارحةً تساؤلات كثيرة من نوع: "هل كان بالإمكان تغيير ما كان؟"، من دون أن يسعى إلى الإجابة على أيٍّ منها.
في المقابل، يجيب برغوثي، في قول جاء على لسان فايز نفسه، على ما يمكن أن يكون سؤال العمل الأساسي وفكرته: "لو تركَنا الإنجليز بحالنا، لما كان هناك من الأصل أي عملاء!".