"براء".. نموذج للطالب الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي

21 يناير 2017
تتعمّد قوات الاحتلال اعتقال الطلبة مع قرب امتحاناتهم (Getty)
+ الخط -
قبل طلوع الفجر لملمت أشواقي في قلبي المتسارع النبضات حنيناً لرؤية شقيقي "براء ذوقان" (21 عاماً) أو كما أحب أن أناديه بـ"أبي الثاني"، فأربعة أشهر مرّت كفيلة بأن تذيب الفؤاد لوعة عليه، وهو يكابد الشوق في سجنه، بعد أن اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي، واختطف ضحكته وجسده من بيننا.

روحه الجميلة لم تفارق زوايا البيت وتفاصيل العائلة، كل حدث أو مناسبة يكون الغائب الحاضر فيها، وهو الذي عوّدنا أن يمطر جلساتنا بضحكاته ومرحه، جميع صوره ومواقفه تلك، لم تفارق مخيلتي وأنا في طريقي لزيارته في سجنه، ترى كيف سأراه في أول زيارة بعد أربعة أشهر من اعتقاله.

 

عقارب الساعة

دقّت الساعة معلنة بدء العد التنازلي لـ45 دقيقة، هي وقت الزيارة فقط، ومن خلف الحائط الزجاجي لوّح لي ولأمي بيديه وبابتسامته المعهودة التي تزّين محياه، وبدأنا في مسابقة عقارب الساعة للحديث معه والاطمئنان عليه.

ليست المرة الأولى التي أذهب فيها للزيارة في السجن، فطالما زرت والدي في سجون الاحتلال خلال السنوات الماضية، فوالدي الذي أمضى نحو ثماني سنوات متفرقة بالسجن، لم يكن قد مرّ على الإفراج عنه نحو ستة أشهر قبل اعتقال براء.

وكان براء قد اعتقل بعد اقتحام قوة عسكرية إسرائيلية منزل العائلة في حي المعاجين في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في الثامن والعشرين من يونيو/حزيران الماضي، ليحكم عليه في ما بعد بالسجن لتسعة أشهر وغرامة مالية (خمسة آلاف شيكل) أي ما يعادل 1350 دولاراً تقريباً.
  

ويدرس براء في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ومن المفترض أن يتخرج خلال الصيف المقبل، لكن اعتقاله أجّل تأخره للعام المقبل. ويعد هذا الاعتقال هو الثالث لبراء، وكلها اعتقالات خلال دراسته الجامعية، وفي الاعتقالين السابقين كان براء يستعد لامتحاناته الجامعية، في دليل واضح على تعمد الجيش الإسرائيلي على استهداف الطلبة خلال فترة الامتحانات.



اعتقال الطلاب

والدي، وهو المحاضر في جامعة النجاح الوطنية، "غسان ذوقان" أشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد اعتقال الطلاب خلال فترة الامتحانات، بهدف تعطيل حياتهم الجامعية. يقول لـ "العربي الجديد": "الاعتقال الأول لبراء كان متزامناً مع بدء الامتحانات النهائية للفصل الأول له في الجامعة، والاعتقال الثاني في عام 2016، وكان على أبواب الامتحان الثاني، وهذا الأمر انعكس على دراسته، وحرمه من التقدم لامتحانات مهمة، مع أن الفترة كانت قصيرة، لكنها متعمدة".

يتابع: "الاعتقال الحالي وهو الاعتقال الثالث، وبسببه فسوف يتأخر براء في تخرجه، فقد أضاع على براء سنة دراسية كاملة على الأقل، في حين أن زملاءه تخرجوا، أو على وشك التخرج".

وعن طريقة اقتحام المنزل فيقول: "طريقة اقتحام البيت بالاعتقال الأول كانت بطريقة بشعة، وتم الاعتداء على براء بالضرب، وفي الاعتقال الثاني، تم وضعه في غرفة لوحده داخل البيت، وتم التحقيق معه ما يقرب الساعتين قبل اعتقاله. وطيلة الفترة ما قبل زيارته بالسجن، لم نكن نعرف عن براء سوى بعض الأمور والمعلومات البسيطة التي كانت تصلنا من المحامي الخاص به".



أما والدتي، والتي علّقت صور براء في زوايا البيت كلها، ليبقى شاخصاً أمامها، تقول: "غياب براء عن البيت أفقده روحه، كنت أعتمد عليه في تلبية طلباتي، أو تصليح ما يتلف في البيت".

وفي شرفة المنزل، ما زالت العصافير التي كان يعتني بها براء هناك في أقفاصها، وحمام وضع عشه على النافذة التي يطل عليها سريره، والذي اعتاد على براء وهو يضع له الطعام كل صباح.

تقول أمي: "عندما اعتقل براء، بقي الحمام يأتي إلى النافذة كما اعتاد كل يوم، وكأنه يبحث عنه، أما العصافير التي كان يعتني بها، فأخوته يتناوبون على رعايتها، ويحرصون عليها لحين خروجه".

"أكثر شيء أشتاق له في سجني هم الأطفال"، قالها لي براء خلال الزيارة، كنا نعلم مدى تعلقه وحبه لهم، لذلك لم ننس أن نرسل له صوراً لأحفاد العائلة الصغار، وأن نوصل له رسائلهم بكلماتهم البسيطة والعفوية، فهي كفيلة بأن تنعش قلبه وتروي قليلاً من ظمئه.

وعن حياته داخل الأسر قال لنا: "أمضي وقتي بالقراءة وتعلم اللغتين العبرية والإنكليزية، كما أنهيت دورة بتجويد القرآن الكريم، أما عن طعامي فلا تقلقوا علي أبداً، فأنا المسؤول عن تحضير الحلويات هنا".


ويصادف موعد الإفراج عن براء بداية شهر إبريل/نيسان المقبل، وهو الشهر الذي كان من المقرر أن يكون الأخير له في الجامعة، لكن فرحته بالتخرج ستؤجل لعام آخر بسبب الاعتقال. ويُحرم المئات من طلبة الجامعات من فرحة التخرج مع زملائهم بسبب الاعتقالات المتكررة لهم، مما يؤخر تخرج العديد منهم لسنوات طويلة.

 

نضال الطلبة

من ناحيته، أشار مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في جنوب الضفة، المحامي فريد الأطرش، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طلبة الجامعات للحد من تأثيرهم ونضالهم وحريتهم، وتشويش العملية التعليمية. يقول لـ"العربي الجديد": "يعتقل الجيش الإسرائيلي طلبة الجامعات بشكل تعسفي ومخالف للقانون، سواء من خلال استدعائهم للتحقيق معهم، أو اعتقالهم من منازلهم أو اقتحام الجامعات وغيرها من الانتهاكات التي يقوم بها ضد الطلبة الجامعيين".

ويضيف: "في كثير من الأحيان يتعمد الاحتلال اعتقال الطلاب مع قرب نهاية العام الدراسي لعرقلة تخرجهم وتحصيلهم الجامعي وتشويش الحياة الجامعية والعملية التعليمية"، ويطالب المحامي بضغط دولي على الجانب الإسرائيلي لوقف ملاحقة الطلاب واعتقالهم ووقف كل الممارسات ضدهم، وضد الجامعات بشكل عام، والناشطين من الطلاب.

 وتهدف إسرائيل من ملاحقة الطلاب، بحسب الأطرش، إلى إضعاف الحركة الطلابية داخل الجامعات، ووقف المقاومة والتحريض على الاحتلال، والتأثير على العملية التعليمية وأداء الطلاب.

ويمضي قائلاً: "الطلبة الفلسطينيون أوعى مما يظن الاحتلال، ولا تثنيهم مخططاته أو ممارساته بحقهم عن مواصلة نشاطهم ومقاومة الاحتلال، فهم يعتبرون النشاطات التي يقومون بها داخل الجامعات، والتي يعاقبون عليها لدى الاحتلال، هي جزء من المقاومة، والمقاومة أمر مشروع لأي شعب يرزح تحت الاحتلال".


ويضيف: "هذه ضريبة يدفعها الطلاب الفلسطينيون، لذلك يجب أن يكون هناك جهد وضغط دولي لوقف الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم وبحق الجامعات، والمشكلة الرئيسية دائماً هي الاحتلال الذي يجب أن ينتهي ليشعر الإنسان الفلسطيني بحريته وكرامته".

  

دلالات