"باب العامود" لإسماعيل الدبّاغ: القدس وصوتها

19 مايو 2020
(إسماعيل الدباغ في مسلسل "باب العمود")
+ الخط -

القدس ليست مجرّد صورة يعلّقها الملايين على حيطان بيوتهم، والإنسان الفلسطيني المقدسي لا يأتيه الصمود والثبات من شعارات سياسية تردّد هنا وهناك، بهذه المقولة صاغ المخرج والكاتب والممثل الفلسطيني إسماعيل الدبّاغ مسلسل "باب العامود"، الذي يُعرض موسمه الثالث حالياً، على شاشة "تلفزيون فلسطين".

وعلى مدار السنوات الستّ الماضية، يعيد صاحب مسرحية "شارع فساد الدين" (2009) المدينة المقدّسة إلى الواقع الذي يعني بالنسبة إلى أهلها ضرائب جائرة يفرضها الاحتلال الصهيوني ولا يستطيعون دفعها، ونسب بطالة مرتفعة جداً، وإغراقها بالمخدرات، وغيرها من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب سرطان الاستيطان الذي يواصل تفشيه في أحيائها.

يقول المخرج الفلسطيني في حديثه إلى "العربي الجديد": "أنا من مواليد حي باب العامود، وفيه كبرت وترعرعت، وكان مربى الطفولة. أحداث مهمّة ومصيرية جرت على بوابته، وفيه من الكرامة ما يُصدّر لكلّ العالم، وهو البوابة الرئيسية للمدينة العتيقة، وعلى درجاته نغني ونرقص ونحتجّ ونتظاهر ونلتقي، لأنه ما تبقى لنا حتى اللحظة".

بعد جزأين سابقين، يواصل المسلسل الذي يقدم خلال شهر رمضان طرح الحياة اليومية للمقدسيين بأحداثها التي تصنعها شخصيات لا يغيب عن بنائها طبيعة العلاقات والمصالح والصراعات داخل مجتمعها، وما تسبّبه من ضغوطات نفسية وتشوّهات في القيم والمعايير وضعف إنساني يتجلّى في سلوكيات عدة.

يشير الدبّاغ إلى أن "الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يتابعون العمل، لما يشكّله من نافذة تطلّ على المدينة التي حُرموا من زيارتها، فهو الذي يأتيهم لأنهم ممنوعون من القدس من خلال حكاية تحدث في أحيائها القديمة بما تحويه من تفاصيل حياتية وهموم بلا مواربة، كما تشخّص حالة أهل القدس المرابطين على ثغور المدينة لوحدهم".

حسن شكيب بظاظو، بطل المسلسل الذي يجسد الدباغ دوره بأداء تمثيلي رفيع يذكّر بأدواره المسرحية، يجسّد راهن القدس من دون تجميل ولا تزويق، كما يظهر من خلال تسلسل الأحداث التي يتناولها ببراعة وسلاسة تحمل في طياتها كوميديا الموقف والحالات الدرامية الصعبة في تصوير صمود المقدسيين الذين يقفون وحيدين بلا مُعين، ولا نصير حقيقي على الأرض، إلى درجة يكاد يصرخ فيها: "لا نريد منكم شيئاً.. فقط اتركونا وحدنا نتدبر أمرنا".

صرخة مليئة بالألم والإحباط لكنها لا توقف حسن وزوجته حسنية، اللذين يعيشان في حارة السعدية بالقرب من باب العامود في البلدة القديمة، من مواجهة واقعهم ومقاومة التهميش والظلم الذي يتعرّضون إليه، متنقّلاً بين وظائف عديدة يفشل في كثير منها، لكنه يستمر بما يملكه من قدرة على السخرية مما يقع معه، ومن احتمال وصبر لا ينفدان.

يقارب المسلسل قضايا ملحّة وحرجة لدى المواطن المقدسي، حيث لا يجد الطلاب مقاعد في المدارس الحكومية مقابل الأقساط الباهظة في المدارس الخاصة، وتواجه البيوت القديمة التاريخية خطر الانهيار ولا خطط لترميمها، وتنتشر الجمعيات التي تتاجر باسم المقدسيين من دون تنفيذ وعودها، إلى جانب العديد من القضايا التي تهم المقدسيين.

يوضّح الدباغ أن "القدس في نظر معظم العرب كالأندلس مدينة احتلت قديماً وانتهى أمرها"، في إشارة منه إلى الاستسلام المتزايد يوماً بعد يوم، وآخرها المواقف العربية المتخاذلة تجاه إعلان ترامب المسمّى "صفقة القرن"، الذي يعترف بالقدس عاصمة موحدة لدولة يهودية.

يضيف: "مسلسل باب العامود يقول إن القدس مازالت حيّة ترزق من خلال أهلها وناسها، وهي فرصة نادرة لتوثيق وقائع مريرة يعيشها المكان. نشاهد أحداثاً حقيقية يؤديها ممثلون يحوّلون مدينتهم إلى استوديو خاص يشاركون من خلاله أهلها الذين يفتحون بيوتهم وأفرانهم وأسطح منازلهم، وهم يشاركون أيضاً في التمثيل. وهذا لن تراه إلا في القدس".

يتكوّن المسلسل في موسمه الثالث من ثلاثين حلقة وقد وضع السيناريو والحوار الكاتب محمد الأحمد، والموسيقى للموسيقار السوري سمير كويفاتي، ومشاركة مجموعة من الفنانين منهم: عدنان أبو اسنينة، ومحمود أبو الشيخ، ومايا أبو الحيات، وريم اللوز، ورامي مسلم، وعامر خليل، وابراهيم الخطاري، ومديرة الانتاج عبير النابلسي، ومساعد إخراج أحمد الزربا.

يختزل "باب العمود" سيرة القدس التي تتراكم طبقات من الحكايات فوق بعضها بعضاً؛ المقدس والمعجزات والمسرات والآلام والخيبات، والتي يطلقها حسن شكيب بظاظو صرخة في إحدى حلقاته قائلاً بلهجته المقدسية: "بضحك، لكن من جوه مقهور. مش قصة دار، مهي كلها حجار على حجار، القصة كرامة وعهد لمسرى النبي ولكل من زاره".

المساهمون