كشفت مصادر دبلوماسية محلية وأجنبية في القاهرة عن أن التصعيد الألماني ضد نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يعود إلى "انطباعات سلبية للغاية" نقلها وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى الحكومة الألمانية في أعقاب زيارته إلى القاهرة التي استمرت يومين مطلع شهر مايو/أيار الحالي، والتي كانت تهدف في الأساس إلى الإعداد لزيارة السيسي إلى ألمانيا.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن شتاينماير عقد اجتماعين لم يُعلن عنهما إعلامياً قبل لقائه بالسيسي؛ الأول مع عدد من النشطاء السياسيين المستقلين المنتمين إلى معسكر ثورة 25 يناير 2011، والثاني مع عدد من رؤساء وقيادات الأحزاب السياسية، وخرج من الاجتماعين بنتائج سلبية تشير إلى استمرار تعنّت نظام السيسي ضد المعارضة، وعدم حيادية السلطة القضائية وانحيازها السافر إلى السلطة التنفيذية، واستمرار تجاوزات القوات المسلّحة والشرطة بحق المواطنين، وانعقاد محاكمات عسكرية لآلاف المدنيين حالياً على وقائع تمتد بين عامي 2013 و2015، وكذلك استغلال قانون التظاهر للتنكيل بالمعارضين.
وأضافت المصادر أن شتاينماير واجه السيسي ووزير خارجيته سامح شكري بهذه الانتقادات، إلا أنه فوجئ بترديد كلام السلطة المصرية الدائم عن استقلال السلطة القضائية وعدم إمكانية التدخل في عمل المحاكم وأن جميع السجناء موجّه إليهم تهم جنائية فعلية وليسوا معاقبين بسبب انتماءاتهم السياسية.
وعندما سأل شتاينماير السيسي عن سبب عدم تنفيذ وعوده المتكررة السابقة بالعفو عن بعض الشباب المسجونين على ذمة قضايا تظاهر، رد عليه الأخير بأن "هذا الملف ما زال قيد البحث، وأن هناك اعتبارات لها علاقة بالقضاء واستقلاله تمنع اتخاذ قرارات سريعة بشأنه، حتى لا يشعر المواطنون بأن الرئاسة تتدخل في شؤون المحاكم".
وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد" أن شتاينماير كان متحفظاً للغاية على ردود السيسي وشكري، خصوصاً أنه شعر برغبة الرئيس المصري في صرف النظر عما يحدث في الداخل المصري إلى الحديث عن الحرب على الإرهاب في سيناء وليبيا وضلوع "الإخوان المسلمين" في توفير غطاء سياسي ودعم للجماعات التي تمثّل امتداداً لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهو ما دفع الوزير الألماني للتأكيد أن بلاده تجهل طبيعة العلاقة بين جماعة "الإخوان" وهذا التنظيم، وأن المعلومات الاستخباراتية المتوفرة لديها تشير إلى تعدّد جهات توريد الإرهابيين إلى سيناء وليبيا، وكذلك اختلاف العقيدة التكفيرية بين جماعات العنف.
وأكدت المصادر أن "حالة عدم الرضا" التي سيطرت على شتاينماير نقلها إلى برلين، وأن جميع الأسئلة التي رفض السيسي الإجابة عليها ستكون محل نقاش مطوّل بينه وبين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إذا تم إنجاز الزيارة فعلاً.
اقرأ أيضاً: خلفيات رفض ألمانيا استقبال السيسي
وأشارت إلى أن الرأي الشخصي لميركل وشتاينماير كان عدم دعوة السيسي لزيارة ألمانيا إلى حين انتخاب برلمان مصري عبر انتخابات حرة، إذ يرى الإثنان أن السيسي رئيس لنظام غير مكتمل الأركان، إلا أن الدعوة للزيارة جاءت تحت ضغط عدد من رجال الأعمال والمستثمرين الألمان المقرّبين من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم، والذين أكدوا قبل مؤتمر شرم الشيخ لدعم الاقتصاد المصري أن هناك مؤشرات إيجابية لانتهاج النظام المصري سياسة أكثر انفتاحاً وأكثر حكمة في السيطرة على الفساد تجاه المستثمرين الأجانب، وعبّروا عن رغبتهم في تشجيع حكومة بلادهم لعودة ألمانيا إلى السوق المصرية بقوة بعد تعثّر خلال السنوات الأخيرة من عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ثم الأعوام الأربعة الماضية.
وقالت المصادر المصرية "إن مسألة إلغاء زيارة السيسي لألمانيا ما زالت مطروحة، ولم يتخذ فيها قرار حتى الآن"، مؤكدة أن السيسي غاضب بسبب عدم عودة رئيس البرلمان الألماني نوربرت لامرت، عن تصريحاته ضده، والتي تراجع فيها عن لقائه خلال الزيارة.
وأشارت إلى أن الأوساط المصرية الرسمية قلقة بسبب تزامن زيارة السيسي (3 يونيو/حزيران المقبل) مع الحكم المنتظر بالإعدام على الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات في جماعة "الإخوان" وأعضاء في حركة "حماس" في قضيتي التخابر والهروب من السجون (2 يونيو/حزيران)، وخصوصاً أن العاصفة الألمانية ضده أعقبت قرار محكمة جنايات القاهرة بإحالة مرسي ورفاقه إلى المفتي، مما يصعب تصور ما قد يحدث بعد الحكم عليهم رسمياً بالإعدام.
اقرأ أيضاً: مطالبات بإلغاء لقاء السيسي وميركل احتجاجاً على أحكام الإعدام