"انتصار" جمهورية السبكي

15 أكتوبر 2015
ألقت لكم "انتصار" بالحل السحري (مواقع التواصل)
+ الخط -
لم أصدق أذني وأنا أسمع تلك الكلمات تقال ببساطة على شاشة ذلك الكائن التكنولوجي الذي يدخل كل بيت، تجلس "الممثلة" التي تلبس ثوب المذيعة "الفاضلة" على الهواء مباشرة لتنصح الشباب نصيحة "أخوية" تبدو في مشهد العنوسة المرسوم بريشة فنان بائس سفينة نوح للغارقين في "بئر الحرمان" أو بحر الحرمان الجنسي، في بلد يصل فيه عدد من فاتهم قطار الزواج حوالي 13 مليون شخص.


لتكون النصيحة "اللوزعية" لهؤلاء "المحرومين" أن قوموا (شاهدوا الأفلام الإباحية)! لتطفئوا بها نيرانكم المحترقة. هي قالت "سكس"؟ .. آه والله.

وتؤكد - مربية الأجيال - أنها شاهدت وتشاهد هذه الأفلام بشكل عادي، بل تعتبرها أحد مصادر المعلومات العامة للمقبلين على الزواج! ولأنها نصيحة من خبير - ممثلة - فقد أكدت أن هذه الأفلام تعرض في إطار درامي شيّق.

عريس وعروسة
أبشر أخي العانس وأختي العانسة، فقد ألقت "انتصار" بالحل السحري، فذلك الجيل الذي كان يمكن أن يقع ضحية الضرب والتوبيخ متى ضُبط يلعب فيه الأطفال "عريس وعروسة" كنوع من أنواع التقليد لما كان يراه - وقتها - على شاشة التلفاز، بات، اليوم، مدعواً بشكل علني لمشاهدة أفلام إباحية والاستمتاع بها كنوع من أنواع الثقافة البصرية و"تصبيره" على ما تفرج.

تستغرب المذيعة "الفاضلة" من زميلة لها أقسمت لها أنها لا تشاهد هذه الأفلام، فقطبت الأخرى حاجبيها "على ماما"! لتعاجلها الأخرى بسؤال مفاجئ "إنتِ بتشوفي؟" هنا يأتي دور مربية الأجيال التي تصرح بكل ثقة "أيوه..بشوف عادي!"، هكذا ببساطة ترتسم ملامح ذلك المشهد الكئيب الذي بتنا نعيشه في مصر، منذ الاصطدام بالدولة "العبيطة" التي باتت تسحق في طريق حربها السياسية كل ما تطاوله يدها من قيم المجتمع.

شادي ...حامل شرائط التنوير
تذكرني تلك الحلقة بصديقنا شادي .. من لا يعرف شادي؟! إن كنت في مدرستنا الثانوية فمن المؤكد أنك تعرفه، فهو ملك الفيديو بلا منازع.

كان شادي شاباً يمتلك تلك المهارة الإعلامية التي تمتلكها المذيعة "الفاضلة"، وقد وظفها لكسب لقمة العيش، في وقت مبكر من عمره، مثلما تفعل المذيعة تماماً، كان رأس مال شادي - كما روى لنا - صندوق صغير أسفل سريره في المنزل يحوي عشرات من شرائط الفيديو الجنسية، التي استطاع بجده واجتهاده أن يجمع منها مكتبة متنوعة في الشكل والمضمون، واللغة كذلك.

وعملاً بنصيحة المذيعة "الفاضلة" فقد أخذ شادي على عاتقه رفع أمية زملائه الجنسية، فبدأ في الترويج للشرائط وسط المقربين مع بيان قائمة أسعار كل شريط، والسعر يختلف بالطبع حسب المحتوى، فالعربي سعره أغلى مقارنة بالأجنبي، ويبدو أن المحتوى المعرفي وسهولة الحصول على المعلومة من "الشريط العربي" ساهمت في ارتفاع أسعاره، كما أن توقيت احتفاظك بالمسودة - الشريط - سيكلفك كثيراً، أيضاً، فيوم غير أسبوع عزيزي الباحث عن "الثقافة"، راجت حملة شادي الثقافية في المدرسة، بل ظهر أكثر من شادي حملوا مشاعل التنوير داخل أسوارها، بل رأينا تلك الشرائط تصل أيديَّ بعض المدرسين الشباب، ممن فاتهم قطار الزواج وأرادوا الاحتكاك "بالثقافة "عن قرب.

صحيح أن شادي، بعد ذلك، قد تاب وأطلق لحيته، واكتفى بما قدم من اسهامات "ثقافية" لمجتمع الطلاب، لكنني أعتقد، اليوم، أنه بعد مشاهدته المذيعة "الفاضلة" سيعتقد جازماً أن ما فعله حتماً سيجده "في ميزان حسناته".

"العنتيل" يحكم المدينة
جلست أتأمل في سقف الحجرة بعدما سمعت تلك "النصيحة " التي ألقتها المذيعة "الفاضلة" على مسامع الجمهور، وتساءلت.. هل يحتاج الشباب إلى تلك النصيحة حقاً؟! انظر حولك..
ربما تفيد تلك النصيحة - إن صحت - شعباً غير شعبنا، ودع عنك حديث الدين والتدين، وكون الشعب متديناً بطبعه، فقد أثبتت الأحداث المتواليات، أن تلك النظرية السطحية يمكن لقائلها أن "يبلها ويشرب ماءها"، فالشعب المتدين بطبعه يعد واحداً من أكثر شعوب الأرض بحثاً عن الجنس عبر المواقع الإلكترونية.

يقول الدكتور خليل فاضل، أحد الأطباء النفسيين المشهورين "على الرغم من أن المصريين أصبحوا شديدي الارتباط بالدين، فهم، في الوقت نفسه، أبعد ما يكونون عنه، وعلى الجانب الآخر يوجد جانب في منتهى الانحلال".

هذا الفصام في الشخصية المصرية التي يعبر عنها الرجل في كلماته، لم يكذبه الواقع للأسف، بل فضحته وسائل التواصل الاجتماعي وصدمت المجمتع في قوة وهي تستخرج فضائح عشرات "العناتيل" الذين ملأت فيديوهاتهم الإنترنت، وهم للأسف يمثلون مختلف شرائح المجتمع المصري ما بين المدرس والمدرب والطبيب وحتى الشيخ الملتحي مدعي التدين.

هل مثل هذا المجتمع يحتاج إلى نصيحة "انتصار"، أم إن تلك الدعوة في الحقيقة هي انتصار للواقع المزري الذي بات المصريون يعيشونه، لكن من وضعية النّعام التي تغرس رأسها في الرمال هرباً من الواقع المؤلم؟

جمهورية "السبكي"
يدفعك الوضع القائم في بلدنا التي تسمى في كتب التاريخ "بلد الألف مأذنة" أو بلد "الأزهر" إلى أن تضحك حتى تنقلب على ظهرك من كثرة الضحك، فهنا في مصر لم يكتف بعضهم بتجريف الأرض الطيبة التي يأكل منها المصريون طيلة سبعة آلاف عام، واستبدالها بمسوخ من الحديد والخرسانة، بل انتقل هؤلاء إلى تجريف العقول من القيم والمجتمع من الأخلاق، مطلقين يد مجموعة من تجار "اللحم الرخيص" يعبثون بمستقبل الوطن وحاضره، فيطارد اليوم عشرات من الأدباء والشعراء والصحافيين لاختلافهم مع النظام القائم في مصر، وتطلق يد رجلين مثل الشقيقين السبكي ورفاقهما كي يعرضوا بضاعتهم الرخيصة بكل حرية وطمأنينة.

لم تكن دعوة - الممثلة - "انتصار"، لمشاهدة الأفلام الخليعة ودفاعها عنها، كونها "فكراً راقياً"، الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما وجدت تلك الدعوات من يعرضها ومن يصفق لها، بل ومن يزايد عليها ويدعو إلى تقنين الدعارة أو عرض تلك الأفلام في دور السينما، كحالة المخرجة إيناس الدغيدي.

فهؤلاء الذين خرجوا من تحت عباءة السبكي يعلمون جيداً، أن وراءهم نظاماً سياسياً يصفق لهم بشدة، أو يغض الطرف عن تجاوز كل الخطوط الحمراء للمجتمع وأهله، أو كما يقول المثل: "اللي مش عاجبه يسيب البلد ويهج".

(مصر)
المساهمون