02 نوفمبر 2024
"اليورو" يُحطّم أوروبا
كان لا بدّ من أن ينفجر كل هذا الاحتقان الأوروبي في كأس الأمم الأوروبية الـ15 (يورو 2016)، الجارية حالياً في فرنسا. كان لا بدّ من أن تنفجر ملفات اللجوء، والتراجع الاقتصادي، ونموّ الأجنحة اليمينية الأوروبية، وعدم القدرة على مواجهة روسيا في أوكرانيا، و"مراهقة" التعامل في ملف الأزمة المالية اليونانية، وظهور أوروبا بمظهر المرتبك أمام تركيا، وغيرها من الملفات.
كان لا بدّ من أن ينفجر ذلك كله في ملاعب كرة القدم، ترجمة لعلاقاتٍ مترديةٍ بين دول أوروبية تفاخرت بصمود قارّتها المالي وازدهارها، بعد انتهاء حقبة السوفييت في عام 1991. انفجار بدأه الإنكليز في شوارع مدينة مارسيليا الفرنسية ضد الشرطة، قبل أن يتدخّل الروس بتشكيلاتٍ شبه عسكرية، لتحويل المدينة إلى "قلعةٍ لهم". سقط عشرات الجرحى. تدخّل الاتحاد الأوروبي مهدّداً بإقصاء روسيا وإنكلترا من البطولة. انتقل شغب الملاعب إلى مدينتي نيس وليل، ليكون "الشغب" بطل الأسبوع الأول من البطولة الكروية، الثانية من حيث الأهمية، بعد كأس العالم لكرة القدم.
لم يولد هذا كله من عبث، ففي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، شهد لقاء صربيا مع ألبانيا في بلغراد نموذجاً مرعباً عن تطاحن القوميات في منطقة البلقان. علم "ألبانيا الكبرى" الذي "هبط" بصورةٍ استفزازيةٍ على ملعب بارتيزان بلغراد استولد صراعاً بين اللاعبين، ثم اعتداءً من الجمهور الصربي على اللاعبين الألبان. آخر مرة حصل مثل هذا الحادث كان في 13 مايو/ أيار 1990، حين كانت يوغوسلافيا دولةً واحدة. وقتها، كان فريق ردستار بلغراد الصربي يواجه فريق دينامو زغرب الكرواتي اللذيْن كانا يلعبان على قمة الدوري اليوغوسلافي. وفي أجواء قومية محمومة، اقتحم مشجعٌ كرواتي أرض ملعب ماكسيمير في زغرب. أوقفه أحد أفراد الشرطة الصربية بطريقةٍ خشنة، ما دفع اللاعب الكرواتي، زفونيمير بوبان، إلى توجيه ركلة قوية للشرطي. تحوّل بوبان إلى بطل قومي، ووصفت قناة "سي إن إن" الأميركية المباراة كـ"إحدى خمس مباريات كروية غيّرت وجه التاريخ". بعدها بعامين، تغيّر التاريخ في البلقان، وغرقت يوغوسلافيا في حربها الأهلية (1992 ـ 1995) التي نجم عنها، على دفعاتٍ، ولادة سبع دول، آخرها كوسوفو.
ما يحصل في أوروبا ليس أمراً شبيهاً كحرب كرة القدم بين السلفادور وهوندوراس، التي استمرت لأربعة أيام في يوليو/ تموز 1969، ولا حتى كحالات الشغب التي اجتاحت مباريات مصر والجزائر مراتٍ، بل أعمق من ذلك بكثير. يكفي أن البعد السياسي لهذه البطولة تخطّى الأبعاد الكروية، حسبما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في تعليقه على حادثة توقيف 43 روسياً في حافلة، كان من المفترض أن تقلّهم من الجنوب الفرنسي إلى مدينة ليل في الشمال، لمتابعة إحدى المباريات. حذّر لافروف من "تسميم العلاقات الفرنسية ـ الروسية". كان وزير الخارجية الروسية المتابع لكرة القدم عادة لافتاً في استخدامه اللغة القومية، لوصف ما حصل في مارسيليا، وفقاً له: "لربما شاهدتم لقطاتٍ فاحشةً على شاشات التلفزة، كيف كانوا (الإنكليز) يدوسون على العلم الروسي".
لا شكّ في أن الهجمات الإرهابية، التي ضربت وتضرب أوروبا، وتهاوي أسعار الأسهم الأوروبية، بموازاة اقتراب موعد الاستفتاء البريطاني، في 23 يونيو/ حزيران الحالي، الذي سيُقرّر فيه البريطانيون البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، وشغب الملاعب المستمرّ، لن يؤدي سوى إلى تكرار الحالة اليوغوسلافية. ولكن، بصورةٍ أكبر من البلقان. لذلك، حاول الأطلسي "إعادة الاعتبار" للصراع الأوروبي ـ الروسي، في دعوته إلى انسحاب روسيا من أوكرانيا هذا الأسبوع. صحيح أن الروس الموجودين في شبه جزيرة القرم الأوكرانية لن ينسحبوا فوراً، لكن الدعوة، بحدّ ذاتها، تُعدّ بمثابة رسالة أخيرةٍ لأوروبا واحدة ضد روسيا، أو تتفرّق القارة بفعل حروبٍ إلى قومياتٍ مشابهةٍ لقوميات ما قبل معاهدة وستفاليا (1648)، ومن بوابة كرة القدم هذه المرّة.
كان لا بدّ من أن ينفجر ذلك كله في ملاعب كرة القدم، ترجمة لعلاقاتٍ مترديةٍ بين دول أوروبية تفاخرت بصمود قارّتها المالي وازدهارها، بعد انتهاء حقبة السوفييت في عام 1991. انفجار بدأه الإنكليز في شوارع مدينة مارسيليا الفرنسية ضد الشرطة، قبل أن يتدخّل الروس بتشكيلاتٍ شبه عسكرية، لتحويل المدينة إلى "قلعةٍ لهم". سقط عشرات الجرحى. تدخّل الاتحاد الأوروبي مهدّداً بإقصاء روسيا وإنكلترا من البطولة. انتقل شغب الملاعب إلى مدينتي نيس وليل، ليكون "الشغب" بطل الأسبوع الأول من البطولة الكروية، الثانية من حيث الأهمية، بعد كأس العالم لكرة القدم.
لم يولد هذا كله من عبث، ففي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، شهد لقاء صربيا مع ألبانيا في بلغراد نموذجاً مرعباً عن تطاحن القوميات في منطقة البلقان. علم "ألبانيا الكبرى" الذي "هبط" بصورةٍ استفزازيةٍ على ملعب بارتيزان بلغراد استولد صراعاً بين اللاعبين، ثم اعتداءً من الجمهور الصربي على اللاعبين الألبان. آخر مرة حصل مثل هذا الحادث كان في 13 مايو/ أيار 1990، حين كانت يوغوسلافيا دولةً واحدة. وقتها، كان فريق ردستار بلغراد الصربي يواجه فريق دينامو زغرب الكرواتي اللذيْن كانا يلعبان على قمة الدوري اليوغوسلافي. وفي أجواء قومية محمومة، اقتحم مشجعٌ كرواتي أرض ملعب ماكسيمير في زغرب. أوقفه أحد أفراد الشرطة الصربية بطريقةٍ خشنة، ما دفع اللاعب الكرواتي، زفونيمير بوبان، إلى توجيه ركلة قوية للشرطي. تحوّل بوبان إلى بطل قومي، ووصفت قناة "سي إن إن" الأميركية المباراة كـ"إحدى خمس مباريات كروية غيّرت وجه التاريخ". بعدها بعامين، تغيّر التاريخ في البلقان، وغرقت يوغوسلافيا في حربها الأهلية (1992 ـ 1995) التي نجم عنها، على دفعاتٍ، ولادة سبع دول، آخرها كوسوفو.
ما يحصل في أوروبا ليس أمراً شبيهاً كحرب كرة القدم بين السلفادور وهوندوراس، التي استمرت لأربعة أيام في يوليو/ تموز 1969، ولا حتى كحالات الشغب التي اجتاحت مباريات مصر والجزائر مراتٍ، بل أعمق من ذلك بكثير. يكفي أن البعد السياسي لهذه البطولة تخطّى الأبعاد الكروية، حسبما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في تعليقه على حادثة توقيف 43 روسياً في حافلة، كان من المفترض أن تقلّهم من الجنوب الفرنسي إلى مدينة ليل في الشمال، لمتابعة إحدى المباريات. حذّر لافروف من "تسميم العلاقات الفرنسية ـ الروسية". كان وزير الخارجية الروسية المتابع لكرة القدم عادة لافتاً في استخدامه اللغة القومية، لوصف ما حصل في مارسيليا، وفقاً له: "لربما شاهدتم لقطاتٍ فاحشةً على شاشات التلفزة، كيف كانوا (الإنكليز) يدوسون على العلم الروسي".
لا شكّ في أن الهجمات الإرهابية، التي ضربت وتضرب أوروبا، وتهاوي أسعار الأسهم الأوروبية، بموازاة اقتراب موعد الاستفتاء البريطاني، في 23 يونيو/ حزيران الحالي، الذي سيُقرّر فيه البريطانيون البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، وشغب الملاعب المستمرّ، لن يؤدي سوى إلى تكرار الحالة اليوغوسلافية. ولكن، بصورةٍ أكبر من البلقان. لذلك، حاول الأطلسي "إعادة الاعتبار" للصراع الأوروبي ـ الروسي، في دعوته إلى انسحاب روسيا من أوكرانيا هذا الأسبوع. صحيح أن الروس الموجودين في شبه جزيرة القرم الأوكرانية لن ينسحبوا فوراً، لكن الدعوة، بحدّ ذاتها، تُعدّ بمثابة رسالة أخيرةٍ لأوروبا واحدة ضد روسيا، أو تتفرّق القارة بفعل حروبٍ إلى قومياتٍ مشابهةٍ لقوميات ما قبل معاهدة وستفاليا (1648)، ومن بوابة كرة القدم هذه المرّة.