"الوفاق" تستعدّ لطرح مبادرة للحلّ بليبيا أساسها تعدّد المفاوضين: فرص النجاح والفشل

15 يونيو 2019
مبادرة الحكومة أعقبت تصريحات سلامة بالأمس (الأناضول)
+ الخط -
تستعد حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً لتقديم مبادرة لحلّ الأزمة السياسية في ليبيا، من خلال تعدد الأطراف الممثلة للشرائح والأطياف الليبية، طارحة أسساً جديدة للحوار، بحسب ما أكد مصدر ليبي مقرب من الحكومة لـ"العربي الجديد".

وقال المصدر إن المبادرة تطرح حلاً سياسياً من خلال تعدد المفاوضين حول مسائل أساسية تتعلق بالانتخابات وإقرار الدستور الدائم للبلاد، بالإضافة لمؤسسة الجيش، مضيفاً أن "المبادرة شددت على ضرورة تعدد الأطراف المشاركة من كل إقليم من الأقاليم الليبية الثلاثة، وعدم اختزال أي منها في شخص بعينه أو مؤسسة سياسية واحدة".


وأشار المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه، إلى أن الحكومة اعتبرت القبول بمبادرتها شرطاً لوقف إطلاق النار جنوب طرابلس، مع ضرورة انسحاب قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر من مواقعها الحالية جنوب العاصمة.

وتأتي المعلومات الجديدة حول قبول الحكومة برجوع العملية السياسية، بعد توقفها منذ أن أطلق حفتر هجومه العسكري على طرابلس في الرابع من إبريل/ نيسان الماضي، بعد إعلان المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، قبول الأطراف الليبية بتقديم مبادرات للحل.

وقال سلامة، خلال مؤتمر صحافي من تونس، أمس الجمعة: "أستطيع أن أقول لكم إنكم قد ستسمعون من الطرفين خلال الأيام المقبلة، لأنني سمعت منهم". وأضاف أنه التقى "حفتر منذ نحو عشرة أيام طويلاً"، وأنه "قضى الأسبوع الماضي يتحاور مع أركان حكومة الوفاق طويلاً أكثر من مرة".

وعن أسباب إمكانية عودة المسار السياسي قال: "كل الدول دائمة العضوية وعدد من الدول غير دائمة العضوية، لديها صورة أكثر واقعية لحال الميدان وللمأزق العسكري الذي دخلت فيه العملية العسكرية في تخوم طرابلس، التي تستدعي العودة بسرعة لإيجاد أو التوصل إلى حل سياسي يسمح بإعادة الحياة إلى العملية السياسية".
لكن خبراء الشأن الليبي تفاوتوا بين متخوف ومتفائل حول التسريبات بشأن مبادرة الحكومة، إذ لا يراها سعيد الحواشي، الباحث السياسي الليبي، مبادرة تشير إلى سعي حقيقي من الحكومة لتقديم حلول مقبولة من الطرف الآخر المتمثل في حفتر.

ويقول الجواشي لـ"العربي الجديد"، إن "حفتر بات المسيطر على قرار الشرق الليبي على الأقل، إن لم نقل الجنوب أيضاً، والقول بضرورة تعدد الممثلين على طاولة التفاوض ضرب من الخيال"، مشيراً إلى أن المبادرة "هي فقط تلبية لرغبة أممية لكنها لن تكون مقبولة".


وأشار إلى أن الحكومة تجهز طرفاً سياسياً في الشرق الليبي منذ فترة لممارسة ضغوط على حفتر، وقال إن "الحكومة ساعدت على تكوين تجمع عرف باسم الهيئة البرقاوية مشكّل من معارضي حفتر في الشرق، وأغلبهم، إن لم يكن كلهم، فارّون من مناطقهم ويعيشون في منفى"، لافتاً إلى أن الحكومة ستقترحه كأحد ممثلي الشرق الليبي.

وقد يكون تحليل الجواشي مطابقاً لمساعي الحكومة، فخلال لقائه مع قناة "سكاي نيوز24" الإيطالية، الخميس الماضي، دعا السراج "جميع الليبيين للجلوس إلى طاولة الحوار والاستماع إلى الطرف الآخر، دون استبعاد أي شخص".

ويرى الجواشي أن "المبادرة إن لم ترفض، فهي على الأقل ستعوض بالعملية السياسية عودة إلى المربع الأول"، مردفاً أن "بدء مفاوضات جديدة على أساس ممثلين جدد، قد يعني إطالة أمد الأزمة"، مبيناً أن هناك أطرافاً ليبية تسعى للتمثيل مثل التبو، وقال: "في الجنوب سيكون لدينا ممثلون بعدد العشائر المتخاصمة التي لن يقبل أي منها بتمثيلها من شخص من قبيلة أخرى، فأي حلّ ستنتجه هذه المبادرة المتعددة الأطراف؟".

لكن خليفة الحداد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية، يرى من جهته أن "المفاوضات السابقة قامت على أساس غير صحيح والدليل هو نتائجها الحالية، من ثم فتعدد الأطراف على أساس اجتماعي وسياسي سيغير كثيراً من النتائج السابقة"، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "المؤتمر الجامع الذي كان سيعقد في غدامس سيمثل الليبيين فيه 150 شخصية بحسب المعلن، فلماذا الخوف من كثرة الممثلين؟".
لكن الحداد يعتقد من جانب آخر أن "طاولة التفاوض المقبلة لن يكون الوصول إليها سهلاً، فالمسألة الأساسية الآن تتعلق بوقف إطلاق النار وشروطه، فـ"الحكومة تطلب انسحاب قوات حفتر، وحفتر لن ينسحب لأنه يعرف أنه خاسر في حال ترك مواقعه الحالية جنوب العاصمة" بحسب الحداد.

واستطرد بأنه، بناءً على ذلك، "المسألة الأساسية ليست الدستور والانتخابات، وإنما مؤسسة الجيش، فجانب حفتر يبدو أنه منظم ولو على أساس مسميات الهياكل العسكرية، أما جانب قوات الحكومة فتغلب عليه العشوائية"، متسائلاً: "ما الجدوى من الاتفاق على الانتخابات والدستور والسلاح بيد حفتر، ويمكن أن ينقلب على النتائج".

وتحوم حول ظروف عودة العملية السياسية الكثير من الأسئلة، عن السبب الذي ستبادر من أجله الحكومة لإطلاق مبادرة للحل، وما علاقتها بالطرح الذي ساقه حفتر، عند زيارته الأخيرة لباريس، حينما تحدث عن أن "شروط وقف إطلاق النار لم تكتمل لكن من الضروري وجود عملية سياسية"؟

ومن ضمن الأسئلة الصعبة ذاك المتعلق بالقبول بنتائج أي تفاوض جديدة وضماناتها، رغم أن تصريحات سلامة في تونس تشير إلى "قرب صدور قرار أممي بشأن الأوضاع الحالية في ليبيا"، ما يعني إمكانية تحصين نتائج أي عملية سياسية جديدة.​

اشتباكات متقطعة 

ميدانياً، تشهد مناطق جنوب طرابلس اشتباكات متقطعة بعد معارك عنيفة شهدها محور طريق المطار الساعات الماضية، مساء وليل أمس الجمعة، بين قوات حكومة الوفاق وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وقال المتحدث باسم المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب التابعة للحكومة، مصطفى المجعي، إن "الاشتباكات لا تزال تدور في محور طريق المطار، لكنها بمستوى أقل عن الساعات الماضية" مشيراً إلى أن كلتا القوتين لم تحرزا أي تقدم.


وأوضح أن قوات الحكومة لا تزال تسيطر على كوبري المطار، فيما تسيطر قوات حفتر على أجزاء خلف المطار، ولا يزال مقر المطار مسرح كرّ وفرّ بين الطرفين.

وأضاف المجعي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الحكومة شنّت هجوماً عنيفاً للسيطرة على المطار، لكن القصف الصاروخي العنيف الذي شنته قوات حفتر اضطرها للتوقف"، مؤكداً أن "قوات حفتر تعمد لقصف صاروخي عشوائي قد يصيب أحياء مدنية في كل مرة تشعر فيها بقرب خسارة موقعها".

وعن المحاور الأخرى قال: "القتال فيها يدور بنفس الوتيرة ومتقطع في أكثر الأحيان، سواء في وادي الربيع أو عين زاره أو شارع الخلاطات، لكن قوات حفتر تركز على محور طريق المطار لأنه أسهل الطرق الذي يمكن أن يوصلها إلى مناطق متقدمة داخل العاصمة".

ونشرت شعبة الإعلام الحربي، اليوم السبت، فيديو يظهر مشاهد داخل مقر المطار، مشيرة إلى أن قوات حفتر تسيطر على المطار، لكن المجعي نفى الأمر، وقال: "التقاط الصور والخروج أمر ممكن من الطرفين، لكن الحقيقة أن مقر المطار هو منطقة كر وفر ولم يسيطر عليه أي أحد".

ومنذ أكثر من شهر ونصف، لم يتمكن أي من الطرفين من التقدم في مواقع الآخر، ولا تزال مناطق السيطرة موزعة بينهما في شكلها السابق، حيث تسيطر قوات حفتر على قصر بن غشير والساعدية فقط، لكن مناطق وادي الربيع وعين زاره لا تزال تتقاسم السيطرة فيها مع قوات الحكومة، التي تمكنت في الأسبوع الأول من المعركة من التقدم داخلها والسيطرة على نصف المقارّ والمواقع الهامّة فيها.

وأعلن حفتر في 4 إبريل/ نيسان الماضي، إطلاق عملية عسكرية لاقتحام طرابلس، بينما ردّت حكومة "الوفاق" المعترف بها دولياً، بإطلاق عملية "بركان الغضب"، لوقف أي اعتداء على العاصمة الليبية، بلغ ضحايا هذا الاعتداء حتى الآن 653 قتيلاً، و3547 جريحاً، بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.​